رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبد الفتاح نور أشكر 21 أبريل، 2014 0 تعليق

محنة الجالية الصومالية في كينيا و الصمت الدولي- (كسراني) وصمة عار على جبين الأمن الكيني


- نجاح الصوماليين في التجارة، وتحويل حي (إيسلي) في نيروبي إلى سوق تجاري رائج بعد سوق (بكارو) بمقديشو،  جلب للصوماليين العداء

 - على الحكومة الصومالية فرض ضرائب إضافية على نبتة القات المخدرة التي يتم استيرادها من كينيا

 (كسراني) اسم لملعب رياضي في نيروبي العاصمة الكينية المجاورة للصومال، أصبح هذا الملعب مشهوراً عند الصوماليين، ليس لمباريات ودية تُقام في داخله بين الأندية والفرق المتنافسة، إنما لارتباط اسمه في قضية إنسانية بشعة يندى لها جبين كل عاقل وصاحب ضمير إنساني حر.

فالمعلب الرياضي (كسراني) تحول إلى ما يشبه سجن جماعي يُعتقل في داخله طالبي اللجوء الصوماليين، ويصل تعداد المعتقلين داخل المعلب 1000 شخص بحجة عدم امتلاكهم الأوراق والمستندات الرسمية، والعدد قابل للزيادة؛ نظراً لحملات التفتيش والاعتقال المستمر في صفوف الصوماليين بحي (أيسلي) الذي تقطنه الأغلبية الصومالية.

     فمنذ السنتين الأخيرتين كانت الجالية الصومالية في كينيا تواجه حمله شرسة من قبل الأمن الكيني، فقد أحرق الجيش الكيني السوق المركزي في جاريسا عام 2013، ثم تلتها حملات اعتقال واسعة في صفوف الصوماليين في العام التالي، وابتزاز للجالية الصومالية، لمحوهم عن الخريطة وتهجيرهم خارج كينيا.

     تصاعدت وتيرة العداء ضد الجالية الصومالية بعد بروز القوة الاقتصادية عند الصوماليين، مع بروز دورهم  بوصفهم قوة مسلمة سنية لها امتدادات جغرافية في شتى مناطق القرن الأفريقي، وهو ما سيؤدي في المستقبل القريب إلى تحديد موقع سياسي وفكري واقتصادي قوي ربما يحدد مسارات السياسة في المنطقة.

     حملة الشرطة الكينية ضد اللاجئين الصوماليين لا تفرق بين حامل للإقامة الشرعية وغيره ممن أجبرته الأوضاع المأساوية في بلده على الهرب نحو كينيا؛ بحثاً عن أمان ولجوء سسياسي، لعله يرتاح من ويلات الحروب وأزيز الرصاص، لكنه في النهاية وجد نفسه محاطاً بسياسة (تقليم الأظافر) وقطع الطريق أمام كل من له صلة بالعنصر الصومالي ذي الجذور العربية.

     تتنوع قصص المأساة الإنسانية داخل ملعب (كسراني) بين حكايات مؤلمة، وتظلم عن الجار القريب الذي لم يحترم حقوق الجيران، وكلها –برأيي- تُعبر عن معاناة حقيقية لمئات المهاجرين الصوماليين في ظل أوضاعٍ مأساوية تتمثل في برودة قاسية وأمطار غزيرة، ومعظم المحتجزين داخل الملعب من النساء يحملن على ظهورهن أطفالا صغارا كما يرويها يوسف غراد مدير القسم الصومالي لهيئة الإذاعة البريطاينة سابقاً، الذي زار المعلب.

     النسوة الصوماليات يواجهن قسوة الجيش الكيني، الذي كان من المفترض أن يحترم الجوار والوجود التاريخي للصوماليين في أراضيهم؛ فقد ضمت كينيا إلى أراضيها الجزء الصومالي المعروف بـ (NFD) عام 1963، وهناك نوّاب صوماليون داخل البرلمان الكيني، ولهم دور فاعل داخل قبة البرلمان، ولهم في الحكومة ومنها وزيرة الخارجية الكينية الحالية آمنه محمد وهي من أصول صومالية، كل هذا لم يحترمه الكينيون، بل اتجهوا نحو سياسة تضييق الخناق على الصوماليين.

صمت إقليمي ومحلي

     تواصل كينيا حملتها الضارية في وقت تشهد مناطق واسعة من جنوب الصومال حملات عسكرية بين الحكومة الصومالية المدعومة من قبل القوات الأفريقية (الأميسوم) وبين حركة الشباب المجاهدين، وترحيل المهاجرين الصوماليين من كينيا في هذا التوقيت بالذات لا تعني سوى مزيد من المعاناة الإنسانية، وقامت السلطات الكينية بترحيل 82 صومالياً وصلوا إلى العاصمة الصومالية مقديشو كدفعة أولى.

     توقيت الحملة الكينية مريب وعليه علامات استفهام كثيرة، والرسالة الكينية وصلت إلى جميع شرائح المجتمع الصومالي، ولا تعني سوى وضع الصوماليين كلهم في خانة «العداء» لكينيا بعد أحداث المبنى التجاري (ويست غيت)، والعالم يسمع ويرى ما يجري فوق مسرح ملعب (كسراني) من لعبة سياسية قذرة تحاول حكومة كينيا إخفاء حقيقة مخططها الرامي إلى تقليص دور العنصر الصومالي المسلم في الحياة السياسة والاقتصادية والاجتماعية وسط المجتمع الكيني المتعدد القوميات.

     نجاح الصوماليين في التجارة، وتحويل حي (إيسلي) في نيروبي إلى سوق تجاري رائج بعد سوق (بكارو) بمقديشو، جلب للصوماليين عداء الكينيين، كما أثار هذا الدور التجاري حفيظة العصابات المسلحة في جنوب أفريقيا التي عمدت إلى أساليب غاية في البشاعة والوحشية وهي تقليص دورهم عن طريق القتل وحرق متاجرهم التجارية، وهناك تطابق بين ممارسات العصابات المسلحة في جنوب أفريقيا، وما تمارسه السلطات الكينية تحت ذرائع ضرورة اتباع الإجراءات القانونية، وهي ادعاءات بنظر الكثير من المراقبين فارغة من أي محتوى أخلاقي وقانوني.

في خضم تلك الممارسات الوحشية اتهمت منظمه (هيومن رايتس ووتش) السلطات الكينية باستعمال الصوماليين والكينيين من قومية الصومال «كبش فداء».

     هذه الإدانة من قبل (هيومن رايتش ووتش) تأتي في ظل صمت الحكومة الصومالية إزاء ما يجري في كينيا، وكأن الأمر لا يعنيها، وهو تصرف غير لائق من قبل الحكومة الصومالية؛ إذ كيف تلتزم السكوت وشعبها يتعرض لاعتداءات إنسانية ممنهجة، لا تقل بشاعةً عن مجزرة (واجالا) الدموية التي حدثت في فبراير من عام 1984 في إقليم الشمال الشرقي من كينيا الذي تسكنه القومية الصومالية!

ارتكب هذه المجزرة الجيش الكيني ضد القومية الصومالية، ويتكرر السيناريو البشع تحت ذرائع واهية، ومسميات باهتة، على الرغم من محاولات كينيا الدؤوبة في التستر بأقنعه قانونية، وأن المهاجرين المحتجزين لديها غير شرعيين، ويجب ترحيلهم إلى الصومال.

خطوات رادعة

     صمت الحكومة الصومالية إزاء ما يجري لم يعجب كثيراً من الصوماليين، فالنظام السياسي الصومالي أصبح برغماتياً إلى أبعد الحدود يراعي توازنات سياسية يفرضها الواقع، فالحكومة تتلقى الدعم العسكري المحدود من كينيا التي حجزت مكانها في كعكة تقسيم الصومال الجديد من منطقة كيسمايو وما يجاورها من قرى وبلدات صومالية، بحجة محاربة المد الجهادي الصاعد في المنطقة، وهو ما يقيد تحركاتها أو اتخاد خطوات رادعة ضد نظام (أهورو كينياتا) في نيروبي.

والحقيقية السياسية للتدخل الكيني في مناطق جنوب الصومال هي استغلال الثروات النفطية والمعدينة لهذه المنطقة، كما احتجزتها إثيوبيا مناطق أخرى من جنوب الصومال، والدول الغربية أصبح نصيبها المناطق الشمالية والشرقية من الصومال المعروفة سياسياً بـ(مناطق بونتلاند) و(أرض الصومال).

أمام الحكومة الصومالية إحدى الخيارات الآتية، وهي:

- سحب السفير الصومالي من كينيا، وتقليل حجم التمثيل الديبلوماسي؛ إذ لا ديبلوماسية تعمل في ظل سياسية تهجير مستمرة، منذ دخول القوات الكينية داخل الأراضي الصومالية عام 2011 وتصاعدت وتيرة العداء الكيني ضد الصومال منذ هذا التاريخ، وازدادت ضراوتها مع أحداث (ويست غيت).

     إن استمرار الحكومة الكينية في هذا النهج يعني عَدَّ كينيا الصوماليين جميعاً بأنهم أعضاء في حركة الشباب المجاهدين، وهي فرضية غير ممكنة، والتعامل السياسي الدولي مع محيطها الإقليمي والمحلي لابد أن يكون بعيداً عن الحسابات الشخصية بينها وبين فصيل مسلح آخر، فالجريمة السياسية يتحملها المرتكب، وإطاره الجغرافي والبشري ليس لهما أي علاقة بما يجري.

     والحكومة الكينية تعاطت مع المسألة بروح انتقامية جماعية ضد قوميةٍ من أكثر القوميات الأفريقية انتشاراً في أفريقيا والعالم، وستنعكس هذه الخصومة السياسية سلباً على السياسة الكينية الخارجية، كما أنها ستخل  بالتوازن الداخلي، وتجر البلاد نحو الفوضى والعصيان؛ لأن للعنصر الصومالي - كما سبق وذكرنا- جذور في كينيا، وهم مواطنون لهم الحقوق والواجبات تجاه كينيا.

- النقطة الثانية التي يجب على الحكومة الصومالية اتخادها فرض ضرائب إضافية على نبتة القات على المخدرة إذا لم تستطع منعها، والمعروف أن كينيا تحصل سنوياً من نبتة القات ما يقارب 11 مليون شلن كيني ( نحو 130 مليون دولار أمريكي)، وهذا المبلغ الضخم تجنيه كينيا من متعاطي القات في الصومال.

هذه الخطوة الاقتصادية أرى أنها رادعة، وتجبر أرباب المال الكيني على الضغط على حكومتهم من أجل تخفيف حدة تعاملها مع الصوماليين؛ حفاظاً على العلاقة الاقتصادية مع الصومال.

- النقطة الثالثة والأخيرة هي تعامل الكينين المقيمين في الصومال بالمثل، ومعظمهم يعملون في المؤسسات الخيرية الغربية، التي توظفهم بحكم إجادتهم وإتقانهم اللغة الإنجليزية، وفرض رسوم غالية لإقامة الكيني من أصول غير صومالية؛ حتى تعيد الحكومة الكينية حساباتها من جديد وتتراجع عن مواقفها السياسية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك