
قواعد نبوية في الأخلاق والمعاملات – من دلائل الإيمان بالله واليوم الآخر
- لعظم أمانة الكلمة بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها من صفات المسلم الحق فقال صلى الله عليه وسلم : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»
- الكلمة ذات شأن جليل ولها تبعة دنيوية وأخروية ومسجلة ومكتوبة لن تضيع أبدا
قال الله -تعالى-: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، هذه القاعدة تمثل أصلا من أصول الأدب، فعندما يتأدب الإنسان بهذا الأصل العظيم وهذه القاعدة تكتب له السلامة والسعادة في الدنيا والآخرة، وهي اتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم - والاقتداء به، ومن القواعد العظيمة من الهدي النبوي في التعامل قول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ».
اليوم ومع وجود التواصل الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، أصبح الناس يتكلمون فيما يعرفون وفيما لا يعرفون، يتكلمون في الأمور الصغيرة، وفي عظائم الأمور، في الأمور الخاصة والأمور العامة، لكن علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم - هذا الأدب العظيم وهذه الخصلة التي هي من خصال الإيمان، وعندها نتوقف عندما يأتينا حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم - يمثل قاعدة عظيمة من قواعد الأدب (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ)، هذا يدلنا على أن هذه خصلة من خصال الإيمان، خصلة من خصال الإسلام، الإنسان عندما يحفظ لسانه، لا يتكلم إلا بخير، ولا يقول إلا خيرا، ولا يؤذي أحدا بلسانه، إنما دائما يقول خيرا، وإذا لم يكن لديه خير فإنه يصمت بلسانه ولا يتكلم.فَلْيَقُلْ خَيْرًا
«مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا» خيرًا كأن يأمر بالمعروف، أو يبين حديثا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو يبين آية كريمة، أو يبين فضل عمل من الأعمال الصالحة، يقول هذا الخير أو إذا ما كان عنده شيء من الخير، أمر بمعروف أو نهى عن منكر، فإنه يصمت ولا يتكلم، هذا دليل على إيمانه، ودليل على خيريته.سؤال يطرح نفسه
والسؤال الذي يطرح نفسه، الإنسان عندما يتكلم بالكلام، أو يكتب كلامًا في مواقع التواصل الاجتماعي، أو يصور مقطعا، فهل هو محاسب على هذا الأمر؟ نعم، يحاسب، ولما سأل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أوَ إنا لمآخذون بما نتكلم به يوم القيامة؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مجيبا له عن هذا السؤال قال: «ثكلتك أمك يا معاذ، أولا يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».احفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتل لسانه
كانت تهاب لقائه الشجعان
يقول ربنا -جل وعلا-: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، أي قول تتلفظ به فإنه مسجل إما لك أو عليك، فإن كان لك فإنه يسجل في ميزان الحسنات، أمر بمعروف، نهي عن منكر، دلالة لخير، بيان لمعروف، وإما أن تكون عليك إما يكون بالسب أو الشتم أو غير ذلك.الحذر من حصائد الألسن
لذلك يحذر الإنسان -أيها الإخوة الكرام- من اللسان ومن حصائد الألسن؛ لأن الإنسان سيحاسب عليها يوم القيامة، إن خيرا فخير، إن قال قولا فيه خير سيكون خيرا له يوم القيامة «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ»، بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم - أن الشر أو باب الشر يكون بكلمة واحدة، بعض الناس يقولون هي كلمة بسيطة، كلمة سهله، معقول اللسان يكون سببا لعذابه أو بعده عن الله بهذه الكلمة؟! نعم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الرجلَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ لا يرى بها بأسًا يهوي بها سبعين خريفًا»، يعنى كلمة سهلة مما يقولها الناس، فلان سارق، فلان كذا، فلان لا يفهم، يعنى مما يقوله الناس فيه اتهام لذمم الناس، فيه اتهام لشخصيات معينه، فيه طعن للذمم، فيه طعن في الأشخاص أو في غيرها من الأمور فإنه يحاسب عليها، تخيل سبعين خريفًا تهوى به في النار بسبب ماذا؟ بسبب كلمة واحدة!كَلِمَة لَوْ مُزِجَتْ بماءِ البحْرِ لَمَزَجَتْهُ
ولما ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين صفية -رضى الله عنها وأرضاها- قيل له: يا رسول الله، حسبك من صفية أنها كذا ويذكرون أنها قصيرة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لقدْ قلتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بماءِ البحْرِ لَمَزَجَتْهُ»، لفظاعتها؛ لأنها معصية لله -تعالى-، ولأن فيها ازدراء واحتقارا واستصغارا لأم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها.أعد لكل كلمة جوابًا
فالمسألة ليست كثرة الكلام ولا كثرة النقاش، أو يقولون ما شاء الله فلان مثقف، أو فلان واع، أو فلان عنده طلاقة في لسانه، المسألة ليست هكذا، لكن المسألة أن يعد الإنسان لكل كلمة قالها جوابا عند الله -تعالى-؛ لأنه سيحاسب عليها عند الله -تعالى-، رب كلمة يلقيها العبد من رضوان الله فإن الله -تعالى- يرفعه بها الدرجات العلا، كلمة خير، نصيحة، توجيه، أمر بمعروف، نهي عن منكر، أما إذا كانت بالعكس، تكون سببا للوبال عليه ولخسارته في الدنيا والآخرة ولضياع حسناته.أتَدرونَ ما المُفلِسُ؟
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أتَدرونَ ما المُفلِسُ؟ إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ، وزكاةٍ، ويأتي وقد شتَم هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيُعْطَى هذا من حَسناتِه، وهذا من حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ، أُخِذَ من خطاياهم، فطُرِحَتْ عليهِ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ». المسألة خطيرة، فيجب على الإنسان أن يحفظ لسانه من الغيبة والنميمة والبهتان واحتقار الناس وازدرائهم أو التقليل من شأنهم، أو أن ينشر الإنسان أو يكون مساهما لنشر الفساد، {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا}. مع الأسف اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي بعض الناس يسوّق للمعاصي والذنوب وفواحش الذنوب من خلال تصويرها ونشرها، قال الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. فلا يشيع الإنسان مثل هذه الفواحش ولا ينشرها ولا يساهم بنشرها.قيمة الكلمة في الإسلام
الكلمة خفيفة على اللسان، سهلة النطق والجريان، ولكن لها قيمة في نظر العقلاء وفي نظر الشارع الحكيم، أما عند العقلاء: فيقول أكثم بن صيفي: «رب قول أشد من صول»، ويقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «من كثر كلامه كثر سقطه» وحسبك به حاكماً ودليلاً - فإننا نجد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة نصوصاً كثيرة تُؤكّد قيمة الكلمة وتُنوّه بشأنها وعظيم خطرها، ومن ذلك قول الله -عز وجل-: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 18)، وقال -تعالى-: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (النور: 24، 25)، والكلمة في الإسلام ليست حركات يؤديها المرء دون شعور يتبعها بل إن الانضباط في الكلمة سمة من سمات المؤمنين الصادقين، وصدق الله -تعالى- إذ يقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (المؤمنون:1-3)، ولعظم أمانة الكلمة بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها من صفات المسلم الحق فقال - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».
لاتوجد تعليقات