
قنوات الأطفـال الفضائية.. هل لبت حاجة الطفل العربي؟
أثارَ استهجانَه طلب طفله البالغ من العمر عشر سنوات، عندما قال: والدي، اشتري لنا خنزيراً!
حاول إقناعه بأنَّ الخنزيرَ حيوانٌ يَحرمُ أكله وهو منبوذٌ شرعاً، إلا أن الطفل أصر، وأخبر والده بأن الخنزير حيوان لطيف وشهي المطعم! كما تابع في أحد أفلام الكرتون الذي عرض على إحدى قنوات الأطفال العربية، حيث أظهرت الخنزير حيوانا صديقا للأطفال ولذيذ الطعم!!
وبعد هذه الحادثة بات الوالد يلحظ مدى تعلق طفله بكل ما يخص هذا الكائن المشؤوم.
تسبح في عالم الفضائيات الكثير من محطات الأطفال المختصة ببث أفلام الكرتون والبرامج الخاصة بهم، تحاكي نمط عقولهم وتتحدث باسمهم، تقدم لهم ترفيها وتحظى بأعداد هائلة من المشاهدين الأطفال، يولونها الكثير من أوقاتهم وتحظى منهم بالكثير من المصداقية، لكن التساؤل الذي يثير الجدل، هل تمكنت هذه الفضائيات من تلبية حاجة الطفل المتابع ومنحه المعلومات السليمة والترفيه البريء؟ هل كانت هذه الفضائيات محل ثقة المربين والآباء في التوجيه والتسلية الهادفة؟ وكيف أثرت على صقل شخصية الأطفال وتنمية مداركهم؟
مع وجود قنواتِ أطفال تهدف للتنصير وتحريف المعتقدات، وتملك قدرات عالية على الإنتاج وبث العروض المتقنة، في ظل عدم القدرة حتى الآن على إنتاج قناة إسلامية للأطفال تخلو من الدبلجة والركاكة في العرض، ألا يدعو هذا للتأمل الجاد في الواقع الإعلامي لهذا المجال؟
إهمال الآباء لمتابعة ما يشاهده أطفالهم ألا يعد نوعاً من الاستهتار التربوي؟ وكيف يمكننا التقليص من خطورة هذه الشاشات على أطفالنا والحفاظ على براءتهم وصفاء عقولهم؟
قنوات الأطفال.. خيال (فانتازي) وضعف واضح في المعلومات
غالبية أفلام الكرتون المعروضة على الشاشة اعتمدت الخيال المفرط مادة أساسية لها، ووضعت أمام الطفل حلولاً غير منطقية للمشكلات، ما جعل تفكيره مشغولاً بمقارنة واقع هذه الأفلام ومدى قربها من الحقيقة، حتى إن هناك أطفالاً حاولوا تقليد ما يرونه في أفلام الكرتون على أرض الواقع، كذاك الذي رمى بنفسه من سطح المنزل معتقداً أنه سيطير (كبات مان)!
محمد حافظ، الإعلامي والكاتب الصحافي تحدث في لقاء مطول معنا من صميم اختصاصه بهذا الموضوع، فهو معدُّ رسالة الماجستير التي حملت عنوان «اتجاهات الأطفال الأردنيين نحو قنوات الأطفال الفضائية»، أشار إلى أن القنوات في غالبها تولي الترفيه أهميتها القصوى دون الاهتمام بالفحوى والمعلومة، بل إن بعض القنوات تتميز بتقديم المعلومة المشبعة بالخيال الغرائبي «الفانتازي» غير المفيد، ما يؤثر على خيال الأطفال ويدعه في حالة من عدم فهم الواقع؛ لأنه يعيش في محيط متابعة مثل هذه البرامج، وبعضهم الآخر قدم للطفل العنف والشدة والإجرام، وآخرون قدموا البساطة والسذاجة بأسلوب واضح الضعف وغير مدروس.
هناك قنوات تسعى لجني الأرباح المادية بوصفه هدفاً اسمى لها؛ لذا فهي تسعى لاستمرار البث لساعات طويلة، ما يؤثر على المادة المعروضة سلبا فليس كل جيد من البرامج يسبب الربح للقناة .
وبعض قنوات الأطفال الفضائية (والحديث لحافظ) تقدم برامجا بعيدة كل البعد عن ثقافتنا العربية والإسلامية، بعيدة عن تفكيرنا وعاداتنا وقيمنا الأصيلة.
ويضيف حافظ فتحدث في هذا المحور عن أن بعض هذه الفضائيات وجدت نفسها مستوردا عظيما لإنتاجات الغرب والشرق من البرامج التلفزيونية الحية والكارتونية، والعجيب هنا أن تهذيب وترتيب وفلترة أفكار هذه البرامج ليست بالمستوى المطلوب، وللتوضيح أقول:
هناك برامج مدبلجة إلى العربية ولكنها تحاكي الحياة اليابانية بكل تفاصيلها ، فما الذي سيستفيده الطفل من هذه الأفكار المقدمة من هذا البرنامج؟
أظن أن استهتار بعض القنوات بالطفل تجعل من هذه القنوات منبرا لثقافات عديدة ومتنوعة تغزو ثقافتنا بلا رحمة أو دراسة.
أما بخصوص وجود مستشارين نفسيين ومختصين في احتياجات الطفل ، فحسب علمي بقنوات الأطفال الموجودة وذات الجماهيرية الكبيرة لم يتح لي الفرصة للتأكد من وجود المستشارين أو المختصين في مجال الطفل ، على العكس تماما ، فمعظم العاملين في هذه القنوات غير مختصين وغير مدركين لأهمية العمل الذي يقومون به، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية ، ولكن لن تظهر تبعات هذه المشكلة إلا بعد سنوات وهذا ما يسمى بالتأثير ، وهذه دعوة للباحثين إلى العمل على إجراء الدراسات حول تأثير قنوات الأطفال على الأطفال علما أن هذه الدراسات تحتاج إلى الوقت والجهد، لكنها تستحق الدراسة .
قنوات تستهدف العقيدة الإسلامية، وغياب للقنوات الموجهة
لم تقف المواد التي يتلقاها الطفل العربي على ما يهدم القيم والأخلاق وحسب ، بـل باتت تمس المعتقدات من خلال بعض القنوات التي أصبحت تربي الأطفال على ما يفسد دينهم وعباداتهم سواء تلك القنوات التي اختصت ببث التعاليم والعقائد الرافضية، أو غيرها من القنوات التنصيرية الأخرى، وهذا نزر يسير مـن الواقع، في ظل غياب للقنوات الإسلامية المهتمة بالأطفال، وإن وجدت فهي لا تملك القدرة على الإنتاج والخروج لميدان المنافسة، ما يدفعها لدبلجة الأفلام المعروضة على شاشات أخرى وحذف المقاطع غير اللائقة، وهذا بلا شك سيحدث خللا في العرض ويضعف فيه عامل الإثارة والتشويق، ولذا فهو من النادر أن يجد رواجاً.
يعزو الإعلامي محمد حافظ الخلل هنا إلى أن الحديث عن واقع قنوات الأطفال الإسلامية، يسبقه الحديث عن القنوات الإسلامية الأخرى (العامة ) أو المتخصصة في مجال غير مجال الطفل ، ومعظم هذه القنوات غير قادر على الاستمرار في التألق أو الوجود ضمن الفضاء الإعلامي ، فهناك قنوات تغلق بسبب الديون ، وأخرى تُحارب فيتم إغلاقها عنوة ، وقنوات على وشك أن تغلق لأنها غير مؤسسة تأسيساً يسمح لها بالاستمرار والتنافس، وبعضها لا يراها سوى مالكها أو الموظف الذي يعمل فيها ، وغير ذلك من الأسباب التي لا تعد ولا تحصى، تجر القناة إلى الموت السريري المحتم، فكيف إذاً نتوقع أن يكون لدينا عمل إسلامي للطفل ينافس ويردع غزوا متنوعا في طبيعة غزوه وسلاحه؟!
نحن بحاجة إلى قاعدة علمية متينة تبنى عليها قناة نوعية منافسة في كل شيء، الموجود اليوم كم بلا كيف تقريبا.
آباء متشاغلون، ومجتمع غافل
اعتقاد الآباء أن أطفالهم في ايدٍ أمينة وفسحة من الترفيه والتسلية أثناء مكوثهم أمام التلفاز هو مكمن الخطورة، ولا أبالغ إن قلت إنه من النادر وجود اهتمام ومتابعة من قبل الآباء لما يعرض أمام الأطفال وتوجيههم للصواب.
فضيلة الدكتور صلاح الخالدي وفي حديثٍ خاص لنا أكد على حرمة متابعة الأطفال للقنوات التي تفسد الدين والقيم والمفاهيم الإسلامية، وأضاف: إن على الآباء أن يوجهوا أبناءهم لمتابعة ما هو قيّم وهادف، وإلا فهم آثمون؛ لأن الأطفال لا يميزون بين الصواب والخطأ وبالتالي فإن هذا النوع من الإعلام الهدام سيترسخ في عقولهم وسلوكياتهم، ويجعلهم عرضة للوقوع في الفساد والاعتياد عليه من حيث لا يحتسبون.
أما الدكتور فتحي طعامنة، المستشار الأسري ومدير عام مركز الوفاق الأسري، فقد أكد أهمية دور الآباء الذي تحدث عنه الدكتور الخالدي مضيفاً أن الدور المنوط بهم يجب أن يكون في توعيتهم وتنبيههم لسبب عدم متابعتهم لهذه القنوات، ومراقبة كل ما يشاهده الأبناء ومناقشته معهم لتترسخ لديهم قناعة تامة بما يقومون به، وتكوين رقابة ذاتية في نفوسهم، وليس الأمر مجرد منع بلا مبرر، قد يدفعهم لاحترامه أمام الوالدين فقط، ومخالفته في حال غياب الرقابه.
ويضيف طعامنة أن شخصية الطفل وعقليته التي تتكون في السنوات الأولى من عمره، تنعكس عليه طيلة حياته، بغض النظر أكانت إيجابية أم سلبية، علماً بأن وسائل التربية قد اختلفت في هذا الجيل، فلم يعد التوجيه فقط أمراً مقصوراً على الأسرةِ والمدرسة، بل قد تعددت وسائل تلقي المعلومات من خلال وسائل الإعلام كالإنترنت والفضائيات وغيرها.
أما غالب قنوات الإطفال فهي بنظري - والحديث لطعامنة - تنقسم لقسمين:
إما قنوات فضائية مدروسة الهدف، كالقنوات التنصيرية وذات الثقافة الأجنبية وغيرها، أو أنها قنوات تخلو من المادة الهادفة وهي فقط ترغب بتحقيق الهدف المادي، وكلاهما يحمل ضرراً فكرياً ونفسياً واجتماعياً على حياة الطفل. مؤكداً ان الدور الأول يقع على عاتق الآباء وذلك بتفعيل الوازع الديني لدى أطفالهم، وتوجيههم لكيفية قضاء وقت الفراغ فيما ينفعهم ويعود عليهم بالفائدة.
وحول دور المجتمع أضاف طعامنة: يجب أن يكون هناك رقابة رسمية واضحة على وسائل الإعلام وخاصة الفضائية منها، إذ إنه من الضرر بمكان انفتاح الفضاء بهذه الطريقة أمام الأطفال، كما أن من الواجب على وسائل الإعلام الهادفة توعية الآباء لهذا الخطـر الذي يستهدف فلذات أكبادهم، ويجب العمل على إيجاد البديل بتكثيف تواجد القنوات الموجهة للأطفال وتمويلها ودراسة أهدافها لتخدم الأمة وتواجه هذا الواقع المر.
ربما كان التساءل المطروح الآن: أين البديل؟ ولماذا نلحظ قلة اهتمام الإعلام الموجه، ببرامج الأطفال؟ مع إدراك الجميع أن الأطفال هم الفئة الأهم مجتمعياً.. فلماذا يُحرمون من التوجيه الإعلامي الصافي.
الداعية عون القدومي أشار إلى أن الجهود متواضعة في هذا المجال وتحتاج إلى إثراء من حيثيات متعددة ابرزها المحتوى الشيق الممتع المفيد, التمويل المناسب, والتعاون البناء
وأضاف: إنني في هذا السياق بوصفي خادماً للدعوة أقول بضرورة أن نستمع لرأي المتخصصين في علم نفس الأطفال وعلم اجتماع الطفل والخبراء من تربويين وإعلامين متخصصين في خطاب الخصائص العمرية؛ لأن الغالب على القنوات الهادفة المتخصصه بالأطفال هو الارتجال والاستعجال ولعل هذا يرجع لظروف خاصة بكل تجربة على جهة، مع أملنا بتطور هذه القنوات واتساع القائمين عليها اتجاه احتياجاتنا الاجتماعية وأولويات خطاب أبنائنا.
للعلم فقط
من نتائج رسالة الماجستير للإعلامي محمد حافظ تبين أن أكثر قنوات الأطفال مشاهدة هي قناة (mbc3) ، أما أكثر البرامج مشاهدة من قبل الأطفال فهو المسلسل الكرتوني (توم وجيري)، يتبعه مسلسل (ميرنا وخليل) التركي وهو عبارة عن سيناريو يقوم على قصة عاطفية مفرطة، إلى جانب ما يحمله من خلل في المعتقدات والقيم الاجتماعية.. سؤال مفتوح لكل القراء.. ماذا تعني لكم هذه النتيجة؟
لاتوجد تعليقات