رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ 21 سبتمبر، 2020 0 تعليق

شرح حديث جبريل -عليه السلام – مشروع الأمة ومعالم الملة

 

عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يومٍ؛ إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعتَ إليه سبيلًا، قال: صدقتَ، فعجبنا له: يسأله ويُصدقه.

     قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تُؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقتَ، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمةُ ربَّتها، وأن ترى الحُفاة العُراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، ثم انطلق، فلبثتُ مليًّا، ثم قال: يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يُعلمكم دينَكم». رواه مسلم.

هاهنا حقائق تتعلق بحديث جبريل -عليه السلام- يجب أن تكون حاضرةً في الأذهان، ومطبقةً في الأعيان، ولا تغيّب في كل مكان ولا زمان، وهي:

الحقيقة الأولى

      لقد جاء هذا الحديث لتأصيل أبواب الفقه، وذلك بسؤال جبريل -عليه السلام- والنبي - صلى الله عليه وسلم - يجيب، وتحقيق علم التوحيد، وتوضيح علم السلوك، فجاء التعريف بالإسلام وصولا إلى التفقه في الأحكام، وجاء التعريف بالإيمان وصولاً إلى تحقيق مسائل الاعتقاد، وقد جاء التعريف بالإحسان وصولاً إلى تكميل الدين بالأقوال والأعمال والأحوال.

الحقيقة الثانية

     وجاء الحديث بقاعدة الارتقاء في المراتب والصعود في المنازل على قاعدة التدرّج في المطالب؛ ليقرر منهجا محكماً مفاده أن منهج العلم والإيمان في شريعتنا يقومان على التدريج والتيسير والتقريب في الخطاب والتكليف، وفي البناء والتأسيس، وفي التأصيل والتنزيل.

الحقيقة الثالثة

     لقد حدد هذا الحديث أصول الفهم المعرفي والبحث العلمي؛ ليؤسس للأمة منهجاً علمياً راسخاً في العلم والمعرفة، كما يسمى اليوم في محافل الجامعات والمؤسسات العلمية (نظرية المعرفة)، وهذا المنهج العلمي المعرفي الذي جاء به حديث جبريل -عليه السلام- يدور على ثلاث ركائز:

- ضبط مفاهيم الحقائق والأسماء.

- والاعتناء بالتقاسيم والأنواع.

- والوقوف على حدود الحقائق ومعرفة الفروق بين الأسماء.

وبهذه الركائز يمكن لطلاب العلم أن يفهموا مقاصد هذا الحديث من غير تداخل ولا اشتباه.

الحقيقة الرابعة

     جاء الحديث بقاعدة الإحكام والإتقان؛ فالإسلام ليس انتساباً مجرداً، والإيمان لا يكون بالمزاعم والدعاوى، والإحسان لا يتحقق بالأقوال والأماني؛ حتى أدرك الجيل الأول الذي سمع حديث جبريل -عليه السلام- أن الانتقال من الإسلام إلى الإيمان لا يكون إلا بالتعامل مع أحكام الدين بالإحكام والإتقان ودخول الإيمان إلى القلوب بنصّ القرآن: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}.

الحقيقة الخامسة

     جاء الحديث يوضح منهجا عظيما في فهم الدين والدنيا، وفي التعامل مع النعمة والمحنة، وفي فهم الوسائل والتشوف إلى المقاصد، وأن غاية ما يحتاجه السالك سبيل النجاة أن يعلم العلامات والأمارات التي بها يسترشد إلى قرب الآخرة؛ بعد أن أدرك أن الدخول في أسماء الدين من الإسلام والإيمان والإحسان أعظم وسيلة وأقرب طريقة للفوز بالآخرة.

الحقيقة السادسة

     وقد جاء هذا الحديث بقاعدة عظيمة، وهي أن الالتزام بالدين بمعناه العام يكون بالتعليم لا بالتلقين، وبسؤال الاسترشاد لا بسؤال الاستشكال، وبجواب التفصيل بالإجمال والتعميم؛ لهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمة جامعة: «هذا جبريل جاءكم يعلمُكُم دينكَم»؛ فمبنى الدين على التعليم والتفهيم والتذكير.

الحقيقة السابعة

ومما قد تقدم ظهر لنا أن الكلام في حديث جبريل -عليه السلام- هو الكلام في الدين كله من أوله إلى آخره؛ لهذا التعامل مع هذا الحديث في واقعنا يستند إلى أمرين:

- الأول: أن فهم الدين متوقف على فهم حديث جبريل -عليه السلام-؛ فهو الحديث الجامع والتأصيل الشامل والتفصيل الواجب؛ لهذا إذا لم يعتن الدعاة بقواعد فهم هذا الحديث فلا سبيل لفهم الإسلام ولا لتطبيق الإيمان، ولا العيش في ظل حقائق الإحسان.

- والأمر الثاني: ينبغي أن يكون من أولويات الدعاة والمؤسسات العلمية والتربوية والجامعات الشرعية (شرح حديث جبريل) شرحا مطولا أو مختصرا بحسب المقام، وينبغي أن يكون هذا الشرح مشروع الحاضر والمستقبل في تأصيل العلوم وتقرير المقررات.

     ومن هنا فالكلمة الأخيرة في هذا المقام، التي قد لا تغييب عن الكبار، وينصح بها كل الفضلاء: أن فهم تفسير القرآن متوقف على فهم مقاصد سورة الفاتحة، وأن فهم مقاصد هذه السورة متوقف على فهم مقاصد {إياك نعبد وإياك نستعين}؛ كما أن فهم السنة متوقف على فهم حديث جبريل -عليه السلام-، وأن فهم مقاصد هذا الحديث متوقف على فهم الجملة النبوية: (هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك