رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 5 فبراير، 2024 0 تعليق

سلوك المستهلك في الاقتصاد الإسلامي

ترتكز آليات الاقتصاد الإسلامي - إنتاجًا، وتوزيعًا، وتبادلاً، واستهلاكًا - على قواعد الشريعة الإسلامية، المنبثقة من صلب أحكام الدين الإسلامي؛ فإن تلك القواعد هي التي تحكم السلوك العامَّ للفرد والمجتمع، بما فيه نشاطه الاقتصادي؛ وحيث إن آليات أي نظام تُؤثِّر في سلوك أفراده مباشرة؛ لذلك فإن سلوك المستهلِك المسلم بما جعل الله -تعالى- له من ولاية على عنصر المال (الدخل)، وتملُّكه له على سبيل المجاز؛ حيث جعله مستخلفًا فيه ليقوم على إدارته بمقياس: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} (الحديد: 7)، والمستهلك المسلم له أن ينتفع به بما هو رزق الله له بما يكفيه ويسدّ حاجته وحاجة مَن يعولُهم، من دون إسراف أو تقتير، على قاعدة: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (الفرقان: 67)، بما يعني أن مبدأ الرشد الاقتصادي في نظرية الاستهلاك في الاقتصاد الإسلامي يقوم على قاعدة الاعتدال في الإنفاق، من واقع بُعْدٍ عقدي، حتى وإن لم تتحقق للمستهلك أقصى منفعة من إنفاقه على السلع؛ حيث الأصل أن يتمتع الإنسان بملذَّات الحياة الدنيا من السلع والخدمات؛ {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (الأعراف: 32)، بموجب ضوابط الإسلام، لا بموجب رغبته الفردية وحسب.

       لذلك فإن محددات العقيدة الإسلامية، والمعايير الأخلاقية، تظلُّ من العوامل المؤثرة في سلوك المستهلِك في الاقتصاد الإسلامي، إلى جانب العوامل الاقتصادية الصرفة، وفي المقدمة منها بالطبع الدعوة إلى التوسط والاعتدال، فالتعاليم الإسلامية تحضُّ المسلم على بلوغ حد الكفاية في الاستهلاك، وتمنع الإسراف والتبذير في الإنفاق، على قاعدة: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: 31).

نبذ الشح والتقتير والإسراف والتبذير

       حيث نجد أن الإسلام يحضُّ المسلم في سلوكه على نبذ الشح والتقتير، والإسراف والتبذير؛ {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (الإسراء: 29)، لِمَا يتركه مثل هذا السلوك غير الرشيد من آثار سلبية في إفناء رأس المال، واستنفاد الدخل، وتجميد الاستثمار بالتقتير، والحرمان من الانتفاع بالشح؛ لذلك فإن اعتماد المستهلِك المسلم لمبدأ التوازن، والاعتدال بالارتكاز إلى قاعدة الرشد الاقتصادي، هو ما يمنعه من الانطلاق نحو الحد الأقصى للإشباع ببسط الإنفاق، كما يمنعه في الوقت نفسه من الانحدار إلى درك الحد الأدنى بالتقتير؛ حيث تحكم سلوكَه قاعدةُ: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع).

تأمين مشروعية الكسب

       وجدير بالذِّكر أن قواعد الاقتصاد الإسلامي قد حرَصَت على تأمين مشروعية الكسب، ونظافة التحصيل في النشاط الاقتصادي؛ حيث حرَّم الدِّين الإسلامي كسبَ الدخل من مصادر غير مشروعة؛ مثل السرقة والاحتكار، كما حرَّم تنمية رأس المال من الغش والتدليس وغيرهـما، وبالمِثل فإنه فقد حرَّم في الوقت نفسه إنفاقه في مجالات إفسادية؛ كالفواحش والمنكرات، على قاعدة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (البقرة: 60) وهكذا نجد أن سلوك المستهلِك في الاقتصاد الإسلامي قد تميز عن غيرِه في النظم الاقتصادية، بوازع الرقابة الذاتية وَفْق مقياس: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} (آل عمران: 5)؛ حيث يتجلَّى الوازع الإيماني الداخلي في سلوكه بقوَّةٍ تفوق أي رادع خارجي مصطَنَع مما نراه في تلك النُّظم الاقتصادية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك