رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 3 يونيو، 2012 0 تعليق

د.محمد السلومي: ليس في الأديان كما في الإسلام من دافعية وحرص وإخلاص للعمل الخيري

 

في ورشة عمل أقامتها الأمانة العامة للعمل الخيري بالتنسيق مع الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية تحدث الدكتور محمد السلومي عن القطاع الثالث والفرص السانحة والقطاع الثالث هو قطاع من قطاعات الدولة الثلاث وهو كل عمل مؤسسي مستقل عن القطاع الحكومي والتجاري وتمثله المؤسسات التي لاتسعى للربح قال الدكتور السلومي في بداية كلمته: لقاؤنا هذا لنقدم مشروعا وليس شرحاً لكتابنا «القطاع الثالث-رؤية مستقلة» مع إن الكتاب يقدم مشروعا، ولكن موضوعنا اليوم هو عن مشروع القطاع الثالث.

      السؤال الذي يطرح نفسه في مثل هذا اللقاء هو: ما البيئة التي قال عنها الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: «ما من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف»؟.

      لقد امتثل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وصايا النبي وطبقوها تطبيقاً عمليا، فأوقف الصحابة رضوان الله عليهم الأوقاف ابتغاء مرضاة الله تعالى، يقول محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة: «ما أعلم أحداً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل بدر من المهاجرين والأنصار، إلا وقد وقف من ماله حبساً لا يشترى ولا يورث ولا يوهب، حتى يرث الأرض وما عليها»(1)، واستمر المسلمون من بعدهم في جريان أعمال الوقف وتعاهده جيلا بعد جيل.

       وكان التشريع للأوقاف منذ أن وطئت قدما نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أرض المدينة، وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: «من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟»، فقال عثمان رضي الله عنه: «فاشتريتها من صلب مالي فجعلت دلوي فيها مع دلاء المسلمين» (2).

       وكان جواب بني النجار حين طلب إليهم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن يبيعوا أرضا تخصهم لتكون موضع مسجد الرسول في المدينة، فقالوا: لا نأخذُ لهُ ثمنا أبدًا. فعن أنس رضي الله عنه قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد، فقال: «يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله»(3).

       وأكد الدكتور محمد السلومي أن الحضارة الإسلامية لم تكن يوماً من الأيام بفعل الحكومات، بل هي من الأمة للأمة ومن المجتمع للمجتمع، فالحضارة الإسلامية ولدت من رحم الأوقاف. وكان لإدارة الوقف استقلالية (هيئة مستقلة) ناظر أو مجلس نظارة، فهو بعيد عن تدخل الحكومات وهيمنتها على الأوقاف والقطاع الثالث، هذا إن وجد ذلك القطاع أو سمح له بالعمل على أسس صحيحة.

      وأشار إلى أن توضيح هذا الأمر يحتاج إلى وقفات متأنية حيث قال: وسنقف ثلاث وقفات أساسية قبل البدء في موضوعنا حول مشروع القطاع الثالث كيف نوجده ونفعّله وننميه:

       الوقفة الأولى: القطاع الثالث هو قطاع من قطاعات الدولة، ومستقل عن قطاع الحكومة.هذا المناخ وهذا الحافز هو الذي جعل الناس يوقفون الأوقاف، فالمناخ هو قطاع مستقل، يوجد الأوقاف ويُشغلها ويرعاها وينميها.

       الوقفة الثانية: الواقع التاريخي والتطبيقات في الدولة الأموية والعباسية والأيوبية والمملوكية والعثمانية، فقد تعاملت على أن للأوقاف قطاعا مستقلا وهذا القطاع هو أصل ما سمي الآن بالقطاع الثالث، فالحضارة الإسلامية وقبلها التشريع الرباني جعل للوقف الإسلامي قطاعا مستقلا.

        الوقفة الثالثة: نقفها مع ما قاله بروكلين في كتابه: «تاريخ الشعوب الإسلامية»، بأن تطور المسلمين نابع من وجود مصدر قوة، وهو الأوقاف الإسلامية، فقد ساهم الوقف في نشر العلم والصحوة بين المسلمين وغيرهم. وقد استفاد الغرب من حضارة الوقف الإسلامية.

وقف الأموال

       لقد كان المسلمون يوقفون الأوقاف خوفاً على أموالهم من الضياع بعد مماتهم، أما اليوم فالمسلمون لا يوقفون خوفاً على أموالهم في حياتهم وبعد مماتهم.

وطرح الدكتور السلومي سؤالا محوريا حيث قال: متى فقدت الأمة مصدر قوتها وحضارتها؟

       وأجاب قائلا: حينما أممت الأوقاف في مصر زمن محمد علي باشا سنة 1224 هـ باسم الإصلاح الإداري والسياسي بمشورة الفرنسي سان سيمون، وبذلك انتهى دور الأوقاف، وأضحت في دائرة الضياع بأيدي الحكومات التي أنهت إدارة الأوقاف ورعايتها من الأمة للأمة ومن المجتمع للمجتمع، لقد انتهى الدور الحضاري للأوقاف في وجود وزارات الأوقاف، ولا شك أن الخصخصة تولد الإبداع والابتكار، فهي تطلق العقول وتنمي المشاريع.

وفي خضم توضحيه لمشروع القطاع الثالث طرح الدكتور السلومي في كلمته تساءلات عدة حيث قال:

أين مخرجات الأوقاف في مجال الخدمات والرعاية والتعليم والصحة والثقافة والبحث والتطوير والتنمية والتطور؟

أين المستشفيات والجامعات غير الربحية والاستثمارات والمجمعات؟

أين مراكز البحوث والدراسات التي تقدم نتاجها لخدمة الدول والأوطان؟

        وبعد هذه الأسئلة التي لخص فيها حقيقة ما تطمح إليه الأمة من خلال الأوقاف التي كانت أساس حضارتها قال الدكتور: ما نطمح إليه هو قطاع ثالث، وليس مؤسسات متسولة شحاذة تتوقف أعمالها بتوقف الدعم والتبرع، نحن بحاجة إلى قطاع ثالث مستقل عن الأحزاب السياسية والقطاع الحكومي والقطاع التجاري، يتعامل مع القطاعات ويعقد الشراكات باعتباره قطاعا ثالثا مستقلا.

فرص النهضة سانحة

        وتساءل قائلا: هل الفرصة سانحة في العالم العربي والإسلامي للنهضة والحضارة؟ وهل الهجمة على العالم الإسلامي بسبب القوة والانتصار لهذا الدين أو بسبب ضعفه وهزيمته؟

       مع ذلك ينتشر الإسلام بشكل كبير – ولله الحمد – انظروا إلى معاناتنا خلال الـ 100 سنة الأخيرة في دولنا؛ حيث أضحى المواطن العربي يفر إلى الغرب إما لحياة آمنة من الملاحقات أو للقمة العيش، ماذا حدث بعد ذلك؟انتشر الإسلام في الغرب، ففي فرنسا وحدها أكثر من1500 مسجد وقبل 30 سنة لم يكن فيها إلا بضعة مساجد.

رفاهية المجتمعات

       وفي السياق نفسه تحدث الدكتور السلومي عن دور القطاع الثالث في الدول الغربية وكيف يتم توظيفه لرفاهية مجتمعاتهم ورفع قيمة العمل عندهم حيث قال: القطاع الثالث في الولايات المتحدة نشط جداً، يومياً تفتح 4 جمعيات في كل ولاية من ولاياتها الخمسين، بمعدل 200 جمعية جديدة يومياً في الولايات جميعها، ونظام التطوع لديهم متقن ومميز، فالمتطوع له برنامج يقدمه بنفسه حسب وقته وإمكاناته، ولكن يلتزم به (برنامج يومي من ساعة إلى 3 ساعات) أو يوم في الأسبوع، فهو ينخرط في برنامج متقن، هنالك مستشفيات غير ربحية، 20% من العاملين فيها براتب كامل، و80% متطوعون ملتزمون بساعات يومية، فالقطاع الثالث قطاع شريك بجميع الحقوق وليس قطاعا هامشيا، فهو يقدم توازنا لإدارة الدولة.

        وأشار إلى أن العديد من الداعمين لهذا القطاع في الدول الغربية يدركون الفرق بين الدعم للهيئات التابعة للحكومة والقطاع الثالث المستقل، وتساءل قائلا: لماذا يتبرع المتبرع عندهم؟

الجواب: لأنه يعرف أنه لا يتبرع للحكومة، فهو يتبرع لقطاع ثالث مستقل عن الحكومة.

        وأضاف قائلا: القطاع الثالث يعمل كمضاد حيوي للرأسمالية الاقتصادية المتوحشة ومضاد حيوي لأمراض المجتمع ومشكلاته، فهو قطاع تنموي وشريك أساسي للقطاعين الحكومي والتجاري.

وأشار إلى أنه من الأهمية بمكان أن نطرح السؤال الآتي حتى نتمكن من فهم قيمة القطاع الثالث: ما الأهم، سيادة الحكومة أم سيادة الدولة؟

         وقال في جوابه: القطاع الثالث يساهم في تقوية سيادة الدولة، فالحكومات تتغير وتبقى الدولة، والمرجع للحكومة والتجارة والقطاع الثالث هو الدستور، فدستور الدولة الإسلامي يرعى هذا القطاع ويدعمه وينميه.

أمثلة مؤلمة:

وطرح الدكتور محمد السلومي العديد من الأسئلة المبينة لحاجة الأمة الإسلامية إلى استعادة دورها الريادي في مجال الوقف حيث قال:

لماذا 40 % من فقراء العالم مسلمون؟

ولماذا 8 ملايين طالب في العالم العربي لم يجدوا مقاعد دراسية هذا العام؟

ولماذا 40 % من سكان العالم الإسلامي يتقاضون أقل من 4 دولارات في اليوم؟

         وقال مؤكدا أهمية القطاع الثالث لسد مثل الحاجات الملحة: أُوجد قطاع ثالث ليعيش الناس حياة كريمة فيسكنوا ويأكلوا ويتعلموا ويعالجوا، فالقطاع الثالث يحل مشكلات وأزمات الحكومات وهذا القطاع لا تمثله قيادة واحدة فهو متنوع وله مجالاته ومساراته تحكمها ثوابت المجتمعات وقيمها.

         وأضاف: ما نراه أن السياسيين مع السياسيين غير قادرين على حل الكثير من الإشكالات، ولكن القطاع الثالث يمثل الشعوب بشكل مباشر ويقدم حلولا وضغوطا على الآخرين.

         وبين حقيقة القطاع الثالث حيث قال: فهو مؤسسات ترعى حاجات الناس، ومؤسسات تقدم الدراسات والعلاجات، ومؤسسات تكشف حال الفساد في مؤسساتنا الحكومية والتجارية، فهل نحن بحاجة إلى مؤسسات غربية لتكشف مستوى الفساد الإداري في مؤسساتنا الحكومية؟!

        وأما في دور هذه المؤسسات الريادي فقال الدكتور السلومي: مؤسسات القطاع الثالث لها الدور الأكبر في ترشيد وتوجيه الصحوة الدينية والسياسية، فهي مؤسسات علمية وحقوقية وثقافية وإعلامية حرة مرتبطة بدستور الدولة، وتحقق أهداف الدولة.

        وأكد أنه ليس في الأديان كما في الإسلام من دافعية وحرص وإخلاص للعمل الخيري والتطوعي.القطاع الثالث ليس قطاعاً ضد الحكومة؛ لأنه قطاع من قطاعات الدولة، فالقوة الآن ليس بجيشك، ولكن القوة بأيديولوجيتك وفكرك ومؤسساتك وأتباعك وتجددك وهيمنتك وتنوعك وانتشارك.

        وشدد على حماية المؤسسات الخيرية في بلداننا لقطع دابر التدخلات الخارجية؛ حيث قال: القطاع الثالث إذا كان ضعيفاً في دولنا فهذا يفتح الباب على مصراعيه لتدخلات مؤسسات القطاع الثالث – المشبوهة – أو مؤسسات دولية لتعمل ما تريد وتدعم ما تريد وتغير ما تريد.

       مثال: أوكرانيا حينما تدخلت المؤسسات الغربية الموجهة – التي تدعي أنها مستقلة – في دعم مؤسسات سياسية ومدنية في أوكرانيا كانت نتيجة تلك التدخلات أن تولى سدة السياسة في أوكرانيا نظام موال للغرب ولتوجهات الداعمين، فالعمل المؤسسي معول بناء، وهو معول هدم وتغيير.

         في المؤسسات الأممية التي تعمل بأموال تدفع من دول العالم ومنها دولنا العربية والإسلامية، في أحسن الأحوال ما يصل إلى المحتاج وإلى التنمية- حسب إحصائياتهم- لا يتعدى 15%، أما 85% فهي مصاريف إدارية وفنادق وسفرات على حساب إغاثة الشعوب.

وتساءل قائلا: هل الشعوب المستهدفة تزداد فقراً أم توفر حاجاتها؟

         فأجاب: أحياناً لا يصل إلى أكثر من 1%، ولهذا اقرؤوا الكتب الكثيرة التي ألفت بهذا الخصوص (كذب العطاء الأممي) فإن وجد فهو عطاء مصالح، الأمم المتحدة وبرامجها التنموية (ضعيفة بقصد) وتفقد مصداقيتها.

       وحسب التقارير التي نشرت وتناقلتها وسائل إعلام وتابعها صحفيون مختصون كشفت حجم الفساد في تلك المؤسسات، فلا يصرف على التنمية والرعاية إلا جزء بسيط وفي بعض الأحيان لا يتعدى 1% وفي أفضلها 15% لهذا منعت بعض المؤسسات الأممية والتابعة لبرامج الأمم المتحدة من عمل الرجال في مجال الإغاثة والرعاية في بعض الدول الأفريقية لتكرار فضائح الاغتصاب والزنى بفتيات صغيرات وحفلات فسق ومجون على حساب الإغاثة؛ ولهذا عندما نوقش الأمر في الأمم المتحدة اتخذت توصية بضرورة أن يكون العنصر النسائي هو من يعمل في هذا المجال في بعض الدول.

وتساءل: لماذا الحرب على مؤسساتنا الخيرية؟

        فأجاب قائلا: لأنها بديل حضاري لمؤسسات الفساد حسب إحصائياتهم، فنسبة الفساد قليلة جداً إذا ما قورنت بغيرها من القطاعات في الدولة الواحدة.

         وبين أن من الدول الإسلامية التي لديها قطاع ثالث: إندونيسيا وباكستان ولهذا الحرب عليهما متأججة. فهما لديهما جامعات ومراكز أبحاث ومستشفيات ومدارس ومطارات واستثمارات وبنوك برسوم غير ربحية، فمع ضعف القطاع الثالث وضعف الدخل لمؤسساتنا إلا أن الشفافية تفوق 100 مرة القطاع التجاري والحكومي ونسبة الفساد فيه لا تصل إلى 1% مما في القطاع الحكومي.

        وفي ختام محاضرته أوضح الدكتور السلومي أن الوقف الإسلامي مشروع لنهضة الأمة وعودة عزها وقوتها ومكانتها، وإحياء الوقف الإسلامي إحياء للقطاع الثالث الذي يخدم الأمة والمجتمع والدولة ولكي نعيد النهضة والحضارة الإسلامية لابد أن نعيد القطاع الثالث إلى دوره.

الهوامش:

1- أحكام الأوقاف للخصاف، ص:6.

2 - صحيح النسائي، للألباني، حديث رقم 3610. وأصله أخرجه البخاري في الشرب والمساقاة، باب من رأى صدقة الماء معلقاً (6/154) وفي الوصايا برقم (2778)، ونحوه في جامع الترمذي، برقم 3666، باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه.

3- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب: إذا وقف جماعة أرضاً مشاعاً فهو جائز، برقم 2771.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك