رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد 17 مارس، 2025 0 تعليق

دروس من قصص الأنبياء

  • حجج الباطل وإن اختلفت أزمانهم وأوطانهم واحدة فكأنها تتطابق تطابقاً يشعرك بأن الإنسان في مجال الكفر تتوقف ملكاته العقلية عن التطور ويتجمد فهمه وإدراكه
  • يتعين علينا حين نقرأ القرآن أن ندرك رسائله فهي ليست لجيل دون جيل بل هي رسائل الله للناس جميعاً في كل الأماكن والسنين
  • من أهم غايات قصص الأنبياء في القرآن الكريم التأنيس والتثبيت للمؤمنين وللنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم
 

في آيات جامعات من سورة يوسف -عليه السلام-، بين الله -تعالى- بعض أو معظم الأهداف التي لأجلها أورد في كتابه الكريم قصص أنبيائه، وقصص الأمم السابقين، فقال -سبحانه-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}، فبين -سبحانه- في هذه الآيات البينات الأهداف التي من أجلها قص الله علينا قصص الأنبياء، فهو -سبحانه- لم يقص ذلك علينا في كتابه لأغراض أدبية، ولا تاريخية، ولكن لأهداف أخرى.

أولاً: (أخذ العبرة)

       حتى نتعلم ونعلم أن السلوك البشري على مدار التاريخ يتشابه، وأن حجج الباطل مع تتابع الأنبياء وإن اختلفت أزمانهم وأوطانهم واحدة، فلكأنها تتطابق، تطابقاً يشعرك بأن الإنسان في مجال الكفر تتوقف ملكاته العقلية عن التطور، ويتجمد فهمه وإدراكه، فلا يقبل إلا بالمألوف مهما كان انحطاطه.

ثانياً: (الله -تعالى- لم يرسل إلا بشرا رجالا)

        لقد تعلمنا ذلك من قصص الأنبياء في القرآن الكريم، فالله -تبارك وتعالى- لم يرسل ملائكة يهدون الناس، وقد كان ذلك من أهم أسباب تكذيب الكفار للمرسلين، وكانت هذه الحجة متكررة على ألسن الكافرين من زمن نوح إلى زمن محمد -صلى الله وسلم عليهم جميعاً.

ثالثاً: (عاقبة التكذيب لمنهج السماء)

       فالهلاك هو عاقبة التكذيب، لكننا إذا تأملنا قصص الهالكين من الأمم في القرآن، لوجدناهم قد رفضوا هداية الله لهم جملة وتفصيلاً، فقد انضم إلى الكفر سبب آخر في قصة لوط، وفي قصة شعيب، وفي قصة ثمود، وفي قصة فرعون، فلم يكن مجرد التكذيب بالتوحيد هو سبب الهلاك، ولكن أيضاً التكذيب بمقتضيات ذلك التوحيد، فكان التوغل في هدم القيم الأخلاقية وطغيان الشهوة، سبباً رئيساً في نزول العذاب على هؤلاء الهالكين.

رابعاً: (الله -تعالى- لا يتخلى عن رسله ولا عن أتباعهم)

        فعاقبتهم إلى النجاة، والنصر، ولكن قد يتأخر النصر عنهم لأسباب، هي في الغالب راجعة إلى فساد أتباع الرسل أو عدم اكتمال مقومات النصر عندهم، أو عند أكثرهم، فيكون ما يتعرض لهم مجموعهم من الشدة سببه ما عليه أكثرهم من الفساد، وإن ذلك يظهر بقوة فيما ورد في القرآن من قصص بني إسرائيل، ولذلك يكثر ذكرهم في القرآن لأخذ الحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه، فيصيب المسلمين ما أصاب السابقين.

خامساً: (تأكيد ما جاء في كتب أهل الكتاب وتصحيح ما جاء فيها من أخطاء)

       ولا سيما ما يتعلق من ذلك بالأنبياء -عليهم السلام-؛ فأكثر الأنبياء في القرآن هم الأنبياء الوارد ذكرهم عند أهل الكتاب، لكن القرآن يحفظ للأنبياء عصمتهم، ويصون مكانتهم، من التقولات الفاسدة التي تنسب إليهم الفسق والعصيان؛ فإن ما ورد عند الآخرين من ذلك إنما سببه رغبة المحرفين لكتبهم في تسويغ الفجور، وفعل المنكرات، حتى ما فعلوا شيئاً منها قالوا قد فعل ذلك الأنبياء حاشاهم.

سادساً: (بيان وجه الحق فيما التبس على أهل الكتاب)

      قال -تعالى-: {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، فالقرآن يؤيد ما كانوا عليه من الحق عقيدة أو شريعة، ويصحح لهم ما يحتاج من ذلك إلى تصحيح، كما كان في شأن مسألة رجم الزاني التي كانوا يخفون حكمها؛ فلما احتكموا إلى نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- في شأن رجل وامرأة منهما قد زنيا رفض -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يتابعهم على الباطل، وألزمهم إظهار الحكم الصحيح من كتابهم. ففي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل وامرأة من اليهود قد زنيا، فقال لليهود: «ما تصنعون بهما؟»، قالوا: نسخم وجوههما ونخزيهما، قال: {فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} (آل عمران: 93)، فجاؤوا، فقالوا لرجل ممن يرضون: يا أعور، اقرأ فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه، قال: «ارفع يدك»، فرفع يده فإذا فيه آية الرجم تلوح، فقال: يا محمد، إن عليهما الرجم، ولكنا نكاتمه بيننا، فأمر بهما فرجما.. الحديث».

سابعاً: (العلم بما كان للاستفادة منه فيما يكون)

        ولذلك قال -سبحانه-: {وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، فإذا حذر الله من أخطاء السابقين، التي كانت سبباً في فشلهم وفي تخلف عناية الله عنهم، فعلى المسلمين أن يفهموا ذلك عن الله، وأن يحذروا الوقوع فيما وقعوا فيه، وإذا أثنى -سبحانه- على قوم في القرآن وبين رشادهم، وحسن فِعَالِهم، واتباعهم، فعلى المسلمين أن يطبقوا ذلك في سلوكهم مع نبيهم، ومع تعاليم ربهم.

 ثامناً: (تثبيت المؤمنين)

        ولذلك قال -سبحانه-: {وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، أي أن هذا القصص إنما نزل لهم ليعلموا أن ما يصيبهم من شدائد دنيوية ليس خاصا بهم، إنما هو سنة جارية على أصحاب الحق في كل زمان ومكان، فقد وصلت الشدة بالأنبياء السابقين إلى حد استيئاس أتباعهم منهم والظن بهم أن الله قد تخلى عنهم، فإذا كان الأنبياء والرسل -وهم صفوة الله من خلقه وأحبهم إليه- قد أصابهم ذلك في سبيل دعوة الحق فلم تكن حياتهم رغدا، ولا نعيماً، وإنما كانت جهاداً وصبراً واستبسالاً وتحملاً لكل ألوان العذاب والتنكيل، فإنَّ هذا إن جرى على المرسلين، فما عسى أن يكون في حق من دونهم ممن يسير على نهجهم.

ملمح مهم ودرس عميق

       وهنا ملمح مهم ودرس عميق مفاده أن الشدة التي تلحق أتباع المرسلين قد لا تكون بسبب التقصير، كما بينا في السبب الرابع، ولكن لحِكَمٍ أخرى، قد يصعب فهمها عند الجيل الذي يتعرض للتعذيب والتنكيل، ومن ذلك مثلاً أن يكون في جانب أهل الباطل ناسٌ هم في علم الله سيكونون من خيرة أهل الحق، فيكون الصبر على الشدة التي يتعرض لها المؤمنون في الحاضر سبيلا في المستقبل لاكتمال الدين وقوة شأنه وتعظيم انتشاره، يظهر ذلك في قصة سيدنا محمد -[-، وهي مبثوثة في جميع القرآن، فما كل سورة من سور القرآن إلا فصل من فصول حياته -عليه الصلاة والسلام-، فإنك تجد مصداق ذلك واضحاً غاية الوضوح حين تجد أن أهم فرسان الإسلام الذين فتحت بهم العراق ومصر والشام وفارس وغير ذلك من البلاد هم الذين تأخر إسلامهم، وكانوا هم أو آباؤهم في عداد المشركين السامدين في الشرك المحاربين للدين المعذبين للمسلمين.    

من أهم غايات قصص الأنبياء

        من أهم غايات قصص الأنبياء في القرآن الكريم التأنيس والتثبيت للمؤمنين، وللنبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم -، حتى يعلموا أن ما هم فيه من شدة، هو سنة الله الجارية في السابقين، وإن لهذه الشدة حكماً وأسباباً، في علم الله -تعالى-، ومن هنا وعلى هذا النهج وفي ذلك السياق جاء قصص الأنبياء في القرآن الكريم، لا لمجرد القصص، ولكن لإعمال الفهم والتدبر والعلم والاعتبار، والتثبيت، وهكذا يتعين علينا حين نقرأ القرآن أن ندرك رسائله؛ فهي ليست لجيل دون جيل، بل هي رسائل الله للناس جميعاً في كل الأماكن والسنين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك