رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد سلطان السلطان 4 ديسمبر، 2024 0 تعليق

خواطر  الكلمة الطيبة – المؤمن مرآة أخيه

  • المؤمن ينصح أخاه ويعينه على الخير هكذا المؤمنون فيما بينهم ينصحون لهم ويعلمونهم ويوجهونهم إلى الخير
  • المؤمن مرآة أخيه فإذا رأى شيئا يشينه نبهه برفق وحكمة مظهرًا المودة والنصح حتى يزيل ذلك الشيء الذي يشينه وينقصه
 

روى الإمام البخاري في كتابه الماتع (الأدب المفرد)، وما أحوج الأمة لمثل هذا الكتاب! والإمام البخاري -رحمة الله عليه- ما اكتفى بما ألفه في صحيح البخاري فأفرد هذا الموضوع في كتاب منفصل سماه: (الأدب المفرد)؛ لأن هؤلاء العلماء وهؤلاء المحدثين يعلمون أن قضية الآداب والأخلاق إنما هي قضية عظيمة في دين الله -عز وجل.

        ولأهمية هذه القضية تجدها في أبواب العلم كافة، ففي باب العقيدة: تزكية النفس أي: أن تكون موحدا لله -عز وجل-، وفي باب الاقتداء: أن تكون مقتديا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي باب الصحابة -رضي الله عنهم-، أن تكون مثلهم في باب المعتقد وباب العمل، وكذلك في باب المعاملات التي تتحدث عن معاملة الوالدين والأرحام والجيران والإحسان إليهم، أو التعامل مع خلق الله -عز وجل- في البيع والشراء والعقود، وهذا أيضا يحتاج إلى أخلاق، واختصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا كله كما جاء في حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».

باب: المؤمن مرآة أخيه

         والإمام البخاري بوب باب (المؤمن مرأة أخيه) واستدل عليه بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمِنُ مرآةُ المؤمنِ إذا رأى فيهِ عَيبًا أصلحَهُ»، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - شبَّه الإنسان بصاحبه بالمرآة، كأنه لو نظر في المرآة ووجد شيئا غير صالح أصلحه، فضلا عن أن الإنسان مرآة أخيه أعظم من مرآة وجهه؛ لأن المرآة الحقيقية إذا التفت الإنسان فلا يستطيع أن  يرى ظهره، لكن صاحبه يراه من الأمام ومن الخلف ومن جميع جوانبه فيحميه فهو ظهر له؛ فإذا رأى عيبا أصلحه، فمرآة الأخوة أعظم بكثير من المرآة الحقيقية؛ ولهذا حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصحبة الصالحة فقال: «لا تُصاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، ولا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»، حتى ولو كان من الأرحام، فما بالك لو كان أبعد! كأن يكون جارا أو زميلا وغير ذلك؛ لأن الصاحب المؤمن يكون أشد منك على نفسك، فإذا وجدك تغرق في الآثام والشهوات ينصحك، وبفضل الله نصيحته تجعلك تنجو وتسلك طريق صراط الذين أنعم الله عليهم وبعدها يكون هو سبب في دخولك جنة الله -سبحانه وتعالى.

سيرة الصحابة -رضي الله عنهم

          وإذا قرأت جيدا في سيرة الصحابة تجد هذا المثل واضحًا، كيف كان يحرص بعضهم على بعض وينصح ويهدي بعضهم بعضًا؟ فانظر إلى الصحابي عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: «بَايَعْنَا رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في العُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وعلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وعلَى أَلا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ، وعلَى أَنْ نَقُولَ بالحَقِّ أَيْنَما كُنَّا، لا نَخَافُ في اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ»، وهذا حق المسلمين بعضهم على بعض، فواجب على المسلم ألا يقصر في النصحية مع أولاده وإخوانه وجيرانه وأهله وزملائه في العمل، فمن الناس من يرى تقصير صاحبه بعينه ولا يخطو خطوة النصيحة إليه والله المستعان، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»؛ فلا تقصر في النصحية لأخيك، وأقول لك ابدأ أول الطريق بالاختيار الصحيح (الصاحب الصالح) ليكن لك مرآة؛ فيصلحك إذا رأى منك اعوجاجا عن الطريق الصحيح.

أهمية الصحبة الصالحة

         خاطب الله -تعالى- نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف: 28)؛ أي: جالس الذين يذكرون الله ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه، ويسألونه ويدعونه في الغداة والعشي، سواء كانوا فقراءَ أم أغنياءَ، وقال -تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 119)، فهذا التوجيه الرباني والإرشاد الإلهي، فيه حث للمؤمن أن يعيش في بيئة يكون فيها الصدق سائدًا، والبر مسيطرًا؛ فإن فساد البيئة الفكرية والخلقية يؤدي إلى عموم الفساد، والبيئة الصالحة تهذب أفرادها، وتجعل الشر يختفي، والخير يظهر. وقد ضرب - صلى الله عليه وسلم - مثلًا للجليس الصالح والجليس السوء، في أن الأول ينتفع به في كل الأحوال، وأن الثاني يضر صاحبه فقط، ففي الحديث عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً». والغرض من ضرب هذا المثل، هو النهي عن مجالسة من تؤذي مجالسته في دين أو دنيا، والترغيب في مجالسة من تنفع مجالسته فيهما، ولهذا، فإن المسلم عليه أن يتحرى بغاية جهده مصاحبة الأخيار؛ لأنها تجعل الشرير خيرًا، كما أن مصاحبة الأشرار قد تجعل الخيِّرَ شريرًا، قال بعض الحكماء: من صحب خيرًا أصابته بركته، فجليس أولياء الله لا يشقى، ولو لم يكن إنسانًا، مثل كلب أهل الكهف، فإن الله -تعالى ذكره- في كتابه العزيز، فقال: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} (الكهف: 18)، ثم إن العاقل يلزم صحبة الأخيار؛ لأن مودة الأخيار سريع اتصالها، بطيء انقطاعها، ومودة الأشرار سريع انقطاعها، بطيء اتصالها. هذا، وإنه من ثمرات ملازمة الصالحين ومحبتهم، النزول منزلتهم يوم القيامة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟ قَالَ: حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا، بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك