رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد الحاجي 7 ديسمبر، 2015 0 تعليق

ترشيد الاستهلاك بين الأصالة والمعاصرة!

عدت الشريعة الاستهلاك المنضبط بضوابط الشريعة تقربا إلى الله

التوسط في الإنفاق وترشيد الاستهلاك يؤديان إلى نشوء فائض من الأموال لدى الفرد ولدى الدولة

الترف والنعيم يقتلان في النفوس الدفاع عن العرض والأرض، وعند ذلك تصبح البلاد لقمة سائغة بفم الأعداء

شنت الشريعة الإسلامية حربا عنيفة على الربا والمرابين؛ لأنها تؤدي إلى غلاء الأسعار، وتعرقل الإنتاج، وتحدث تفككا اجتماعيا في المجتمع

 

عرف الإسلام أهمية ترشيد الاستهلاك منذ بدء هذه الرسالة السمحة، فدعا أبناءه إلى اتخاذ الترشيد منهاجا لحياتهم، وجعله أحد أهم السلوكيات الحياتية، والقيم الاقتصادية التي لا غنى عنها للمسلم إذا أراد أن يستن بالهدي القرآني والمنهج النبوي.

وفي الاقتصاد الوضعي يستهدف الاستهلاك تحقيق المنفعة للفرد، دون النظر إلى كونها مشروعة أو غير مشروعة، وبالتالي فللفرد الحرية التامة في توزيع دخله بين السلع، حسبما يروق له، دون قيود، أو حدود، أو دون تدخل من أحد، وبغض النظر عن كون هذا الاستهلاك ترفيا أو غير ترفي، مبدّدا للموارد أو غير ذلك.

 

     وبالتالي، لا يقف الاستهلاك عند حد معين، بل يتعدى ذلك للوصول إلى أكبر قدر ممكن من لذات الدنيا، وهذا يؤدي إلى فرط الإنتاج الكمالي، ويصبح الفرد لاهثا وراء النزوات والشهوات، وتكون النتيجة أن يصبح المجتمع «مجتمعا استهلاكيا»! أما الاقتصاد الإسلامي فإنه يحمل طابع الوسطية؛ ولذلك شنّت الشريعة الإسلامية حربا عنيفة ضد الذين يضيقون على أنفسهم، ويبتعدون عن نعم الله، ويحرّمون المباحات، بدعوى الزهد والتبتل والبعد عن مفاتن الدنيا وزخارفها، علما أن الله تعالىقال: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا} (النساء:160).

الترشيد عبادة

وهكذا عدت الشريعة الاستهلاك المنضبط بضوابط الشريعة تقربا إلى الله سبحانه؛ حيث عدته نوعا من أنواع العبادة، واستجابة لنداء الحقتبارك وتعالى: {يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} (البقرة:172).

فالاستهلاك المنضبط هو في الواقع استجابة لأوامر الله، مع الشكر الخالص لله سبحانه، دليل ذلك ما ورد في مسند أحمد، قول الرسولصلى الله عليه وسلم : «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده».

     المهم في المسألة ألا يصبح الاستهلاك أمرا ترفيا، ولا يؤثر على سلوكات المجتمع وأخلاقياته، كأن يصبح للتفاخر والتباهي؛ ومما يؤسف له أن هناك توجها واضحا لتوجيه حركة الاستهلاك، وذلك من خلال إيقاظ حاجات جديدة لدى الناس تتناسب مع المعروض للبيع! بل هناك ما هو أسوأ؛ حيث يتم تصنيع سلع تتلف بسرعة، مما يضطر المستهلك لشراء البديل عنها.

استراتيجية الرغبة

     وهناك دراسات معمقة تعتمد على علم النفس وغيره، تستهدف تقصي الرغائب لدى الإنسان، «استراتيجية الرغبة»، وتعتمد على توظيف كل ما له علاقة بالبيع والشراء، وهذا الدور يقوم به الإعلان، ولاسيما عبر وسائل الإعلام، أما الأموال التي تصرف في هذا المجال فحدّث ولا حرج، وسيتحمل المستهلك تلك الكلفة البالغة الارتفاع؛ لأن نفقات الإعلان تضاف بجملتها إلى ثمن السلع.

الأثر السلبي للإعلانات

     والأنكى من ذلك، أن كلفة الإعلانات تحرم المجتمع أموالا ضخمة، كان الأجدر أن توظف في معالجة مشكلاته، وفي تنميته وتطويره، فبعد دراسات، وإحصاءات، تبين أن ميزانية الإعلان التجاري في فرنسا تعادل نصف مردود ضريبة الدخل، ولو أن تلك الأموال أنفقت على المجالات الخدمية، لكانت المحصلة إقامة الآلاف من المدارس، ودور الحضانة، والمشافي، والمساكن، ونحو ذلك.

التنعم بالاستهلاك

     وفي الواقع فإن كل المخلوقات التي أوجدها الله في هذا الكون ما وجدت إلا من أجل التنعم باستهلاكها، مع الانتفاع بها، وهذا ما يحث عليه الجانب الاقتصادي في الإسلام؛ حيث يعلن عن هدف الاستهلاك بأنه «التنعم بمناهج الحياة، والترفيه عن النفس في الإطار السوي المستقيم، وضمن الاعتدال والتوازن»، وعلى حد تعبير العالم المصري البهي الخولي، فإن منطق ثقافة الروح يقضي أن هذا الكون وخيراته ظاهرة وباطنة ما أودعت فيه إلا لمقاصد جليلة، أرادها الخالق العظيم، ومنها أن يقوم الإنسان بعمارة هذا الكون بالصورة المثلى، ومن ذلك استهلاكه لهذه الخيرات.

مصداق ذلك قوله -سبحانه- في معرض الحديث عن ضوابط الاستهلاك: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} (الأعراف:31).

هذا فضلا عن أن يكون هناك توازن بين المنفعة الفردية وبين منفعة المجتمع، مصداق ذلك قوله سبحانه: {والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل والمحروم} (المعارج:25).

الآثار الايجابية للترشيد

     والأّهم من ذلك أن تكون لتقييد الاستهلاك وضبطه آثار عظيمة على تربية الفرد والجماعة، مثال ذلك التربية الاجتماعية التي تتمحور حول ألا يستأثر الأغنياء بكل شيء، بينما يحرم الفقراء من كل شيء؛ لأن ذلك يؤدي إلى الحقد والحسد والضغينة، ورحم الله الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبدالعزيز، لما علم أن أحد أولاده قد اشترى خاتما بألف درهم، كتب إليه مستنكرا: «بلغني أنك اشتريت خاتما فصه بألف درهم، فإذا جاءك كتابي هذا فبعه، وأطعم بثمنه ألف جائع، واشتر خاتما فصه من حديد، واكتب عليه: رحم الله امرءا عرف قدره نفسه»!

     وكذلك التربية الخلقية؛ بحيث يبتعد المؤمن عن التنعم والترف والحرام، ويعيش المسلم التكافل الاجتماعي مع أفراد مجتمعه، وقد ذكر الحاكم في مستدركه أن عمر بن الخطاب رأى في يد جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- درهما، فسأله: ما هذا الدرهم؟ قال: أريد أن أشتري به لأهلي لحما قرموا إليه، أي: اشتدت شهوتهم له، فقال عمر: أكلما اشتهيتم اشتريتم؟! ما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لابن عمه وجاره؟! أين تذهب عنكم هذه الآية: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} (الأحقاف: 20).

التربية الاقتصادية

     أما التربية الاقتصادية، فتكون بالتدريب على التقليل من الاستهلاك، وبالتالي تدريب الأفراد والأمة على الاستهلاك العقلاني، عسى أن تتوافر الأموال الضخمة، مصداق ذلك ما ورد في مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «من فقه الرجل قصده في معيشته».

ولا ينبغي أن نغفل دور التربية العسكرية والسياسية؛ لأن الترف والنعيم يقتلان في النفوس الدفاع عن العرض والأرض، وعند ذلك تصبح البلاد لقمة سائغة بفم الأعداء.

     وكذلك دور التربية الصحية والجسدية، وذلك من خلال التقليل من الطعام؛ لأن الإسراف فيه يؤدي إلى التخمة التي يرافقها كثير من الأمراض، وصدق القائل: «المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء». هو (الحارث بن كلدة) طبيب عربي جاهلي مشهور بحكمه.

أهم مستويات الاستهلاك

     هناك ثلاثة مستويات للاستهلاك، مستوى حد الكفاف، أي الحاجات الأساسية والضرورية للإنسان، وهي الطعام والشراب والكسوة والمسكن، وبالتالي فهي تتعلق بالكليات الخمس، حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، هذا الحد يعد الحد المتدني من الحياة المعيشية لأفراد المجتمع ولا تقر الشريعة بهذا المستوى؛ لأنها تعده حالة طارئة على المجتمع المسلم، مصداق  ذلك قول عمر رضي الله عنه : «إني حريص على ألا أدع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضها لبعض، فإن عجزنا تأسينا في عيشنا حتى نستوي من الكفاف».

مستوى الحاجات الأساسية

      أما المستوى الثاني: فهو المستوى الذي تشبع فيه جميع الحاجات الأساسية المشروعة للإنسان، مصداق ذلك قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى. فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى. إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} (طه: 116-119).

ويلاحظ من الآيات أنه -سبحانه- تكفل لهما بما يلبي بعض الغرائز الظاهرة، كاللباس، والطعام، كما تكفل لهما بإشباع بعض الغرائز الباطنة كالعطش.

     ولهذا تختلف حاجات الكفاية من إنسان لآخر، ومن زمان لآخر، ومن مكان لآخر، لكن أهم تلك الحاجات هي الزواج، وتوفير كتب العلم وما يتعلق بذلك، وتوفير سبل العلاج، ووسائل الانتقال والركوب، وتوفير حرفة نافعة أو عمل مناسب، فضلا عن وسائل الإنتاج اللازمة.

مستوى الرفاهية

     وأما مستوى الرفاهية فيعني مستوى التوسع والراحة والدعة والتنعم في وسائل العيش، لكن ضمن ضوابط الشريعة الإسلامية؛ حيث لا يستغرق الإنسان في الرفاهية إلى درجة العبادة، بل عليه أن يصل إلى أكبر قدر ممكن من المنفعة، دون الاعتداء على الآخرين، وعليه ألا يجعل ذلك غاية تستعبده إلى حد اللهاث وراء آخر الصرعات  والموضات، إنما الحل يكمن في الوسطية؛ بحيث لا إفراط ولا تفريط، فلا ابتعاد عن الدنيا إلى حد إهمال كل شيء، ولا انغماس في ملذاتها ومتعها إلى حد الاستغراق، مصداق ذلك ما ورد في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أُعطي رضي، وإن لم يُعط لم يرض».

تعس: (شقي). القطيفة: (ثوب له أطراف لم تنسج). الخميصة: (ثوب من صوف).

عقلنة الاستهلاك

من روائع الشريعة الإسلامية أنها تقوم على الواقعية، بعيدا عن المثاليات والتحليق في الهواء الطلق؛ لذلك وضعت بعض النقاط المضيئة في سياق ضبط الاستهلاك وعقلنته.

- منها معرفة مدى حرية الأفراد في ممارسة عملية الاستهلاك، فبينما يذهب النظام الاقتصادي الرأسمالي إلى مطلق الحرية للفرد؛ بحيث ينفق ما يشاء، دون أن يتدخل أحد في ذلك، يذهب النظام الاقتصادي الإسلامي إلى ضبط الاستهلاك بضوابط الشريعة، مثل عدم استهلاك المواد المحرّمة، كالخمر والخنزير ونحوه؛ لأن كل فرد مسؤول عن تصرفاته الاستهلاكية،قال الله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى} (النجم:39-41).< ومنها التركيز على الترشيد والاعتدال، بمعنى أن على الفرد ألا يتخلى عن أي شيء من دخله، إلا إذا اعتقد أن الإنفاق في صالحه، أما الاعتدال والوسطية -وهما من خصائص الشريعة- فيعنيان: معرفة الإمكانات المادية المتاحة، وإنفاقها على المتطلبات الأساسية الضرورية.

     هذا إلى جانب تحريم الإسراف والترف؛ بحيث لا يجوز بذل المال إلا فيما ينبغي، ولا يجوز تجاوز الحد في الإنفاق، ولا يجوز الإنفاق في وجوه المعصية، وإلا تكون الحال كما قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (القصص: 58).

الحض على الإنفاق

     وقد حضّ الإسلام على الإنفاق وأباح الاستهلاك، وإلا آل الحال إلى الركود الاقتصادي والبطالة، ومصداق ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (البقرة:267)، ولهذا حرم الله -سبحانه- اكتناز الأموال؛ لأن في الاكتناز مضارا اقتصادية كبيرة، لكن الإسلام لم يترك للفرد حرية أن يستهلك كل ما هب ودب! ولم يدعه ينفق ما يشاء، إنما رسم له حدودا وأمره ألا يتعداها، فالاستهلاك هو الوسط بين التقتير والإسراف، قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} (الإسراء:29).

وثمة مسلمات في موضوع ترشيد الاستهلاك أهمها:

1- تفاوت الثروة أمر طبيعي، وهو حكمة من حكم الله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (النساء:32).

2- العمل والسعي يحققان الأهداف، كما قال الله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} (الرعد:14)، وورد في صحيح مسلم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : «عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له».

3- الأهداف التي تتجاوز الإمكانات، وقد ورد في سنن ابن ماجة قول علي رضي الله عنه : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم  وبيده عود، فنكث في الأرض ثم رفع رأسه وقال: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار»، فقيل: يا رسول الله، أفلا نتكل؟ قال: «لا.. اعملوا ولا تتكلوا فكلّ ميسّر لما خُلق له»، ثم قرأ قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (الليل:5-10).

4- للدولة دور كبير في مسألة ترشيد الاستهلاك، ويتجلّى ذلك في مواطن عدة، منها الحَجْر، وهو المنع من التصرّف في المال، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } (النساء: 5).

وقد يكون الحجر للصغر، وتارة يكون للجنون، وتارة للفلس، وتارة لسوء التصرف، وبالتالي فإذا لم يحافظ الفرد على المال، وبذره هنا وهناك، انتقلت ملكيته إلى الجماعة.

- إن التوسط في الإنفاق وترشيد الاستهلاك يؤديان إلى نشوء فائض من الأموال لدى الفرد ولدى الدولة؛ بحيث تحدث الزيادة في الإنتاج على الاستهلاك، وهنا يأتي دور الدولة؛ لتتدخل في تشجيع الادخار الفردي والجماعي، ومن ثم توجيه هذا الفائض نحو الاستثمار لخلق سلع جديدة، يستفيد منها المجتمع، ويسد ثغرات كانت لديه، وإذا بقي المال الفائض دون استثمار سمي اكتنازا -الادخار الاحتياطي- لكن الدولة الإسلامية تشجع الادخار الذي يؤدي إلى خلق مزيد من الاستثمارات.

وأهم الضوابط التي تحمي المستهلك، وتبعده عن الوقوع في المحظورات:

أ- الحرب العنيفة على الربا، وهي أي فائدة تدفع عن المال المقترض بنسبة تزيد على النسبة التي يحددها الشرع أو القانون، أي إنما تمثل الربح غير المشروع الذي يكسبه الدائن من المال الذي يقرضه للغير.

وقد شنت الشريعة الإسلامية حربا عنيفة على الربا والمرابين؛ لأنها تؤدي إلى غلاء الأسعار، وتعرقل الإنتاج، وتحدث تفككا اجتماعيا في المجتمع.

ب- التحذير الشديد من الاحتكار، سواء على مستوى الفرد أم الجماعة أم الشركات العملاقة، وفي مسند أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم : «من احتكر على المسلمين طعاما، ضربه الله بالإفلاس والجذام»؛ ذلك لأنه يؤدي إلى الكسب غير المشروع؛ حيث تنقضّ فئة قليلة على أقوات الناس؛ مما يحدث ضائقات وأزمات بين الناس.

ج- التحذير من بعض أنواع البيوع المحرمة، كالغبن، والتغرير، والتدليس، وبيع الثمار قبل بدو صلاحها، وبيع الكلب، والخنزير، والميتة، والخمر، ونحو ذلك، والحل الوحيد يكمن في تكاتف القوى وتضامنها لحماية المستهلك، وذلك من خلال مقاطعة جمهور المستهلكين لمن اشتهر بذلك.

د. التسعير، ويعني إلزام الناس بألا يبيعوا سلعهم إلا بالسعر الذي أقرته الدولة حماية للمستهلك؛ لأن التسعير يقضي على الاحتكار، ويقف في وجه التجار الجشعين، ويضبط عملية المضاربة والمنافسة في الأسعار، وما إلى ذلك.

هـ- النهي عن الربح غير المشروع، كالاستغلال، والاحتكار، والمغالاة في الربح؛ لذلك فعلى الدولة أن تتدخل لوضع حد للأرباح الفاحشة؛ وذلك حماية للمستهلك، وحفاظا عليه.

     وفي القرآن الكريم نماذج لترشيد الاستهلاك، مثال ذلك ما قامت به الدولة في عهد نبي الله يوسف  -عليه السلام-بإرشاد الأمة إلى ضغط الاستهلاك في سنوات الازدهار والرخاء، وذلك من أجل مواجهة السنوات العجاف، من خلال إعطاء كل من يأتي ليكتال لأهله تعيينا محددا، وهو حمل بعير واحد لكل رجل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك