
بعد التفجير الثاني على التوالي.. من يعبث بأمن السعودية؟
أحمد الكوس: أمة الإسلام مستهدفة من أعدائها ولاسيما أهل السنة منها، الذين تكالب عليهم الأعداء من كل صوب وحدب
النائب الحمدان: لم يعهد على مر تاريخ أهل السنة والجماعة من حكام ولا من علماء استباحة دماء المخالفين أو إقصائهم ولا إعمال السيف فيهم
النائب الجيران: هذا العمل الإرهابي يُدار من أعداء الإسلام والمسلمين الساعين للفوضى وبثها في بلاد المسلمين
الشيخ فتحي الموصلي: لابد من حلول جذرية وتوجيهات شرعية ومعالجات عملية يقوم بها أهل الاختصاص وبتوجيه صناع القرار
لم تكد تهدأ نيران التفجير الأول الذي استهدف أحد مساجد القطيف بالمملكة العربية السعودية قبل نحو أسبوعين، ولم تكد تجف دماء القتلى حتى وقعت مجزرة أخرى مروعة, راح ضحيتها عدد من الأبرياء في مسجد آخر بالدمام، بعد أن قام انتحاري بتفجير نفسه قرب بوابة المسجد الذي يقع في المنطقة الشرقية بالمملكة.
وفي بيان وقع عليه 92 عالمًا من علماء الشريعة في المملكة العربية السعودية حذَّر من الأعمال الإجرامية والتفجيرات التي تنفذها جماعات (إرهابية) تستهدف أمن المملكة وبلاد المسلمين، وأكد العلماء أن الهدف من كل هذه الجرائم والفتن التي تستهدف الأمة هو إثارة الفتن والصراعات داخل مجتمعات المسلمين الآمنة، واستغلال العدو للغلاة في تحقيق أهدافه الخبيثة، فقد أصبحوا مطايا يوظفون لصالح الأعداء علموا أم لم يعلموا.
ابتزاز أهل السنة
و قال البيان: إن « هذه الأحداث يتم توظيفها لابتزاز أهل السنة بأفعال من يحسبون عليهم وليسوا في الحقيقة منهم، ووضع أهل السنة موضع الاتهام، ووصمهم بتهمة التكفير، وعدم التفريق بينهم وبين الخوارج أهل الغلو مع أن أهل السنة في عامة بلاد المسلمين هم أكثر ضحايا هذا الغلو.
تنامي الـمد الصفوي
كما أكد البيان على أن هذه الجرائم تأتي في الوقت الذي يجتمع فيه كيد الأعداء من الشرق والغرب، ويتنامى فيه المد الصفوي متحولاً من تصدير الثورة إلى تصدير الإفساد والعنف، والسعي لاستثمار العواطف غير المرشدة من بعض شباب الأمة، وحسن نية من يقوم ببعض هذه الأعمال، أو تسمية هذا العمل بالجهاد في سبيل الله، هذا ولاشك لا يصحح العمل، ولا يعذر أصحابه، وقد أخبرنا الله -عز وجل- أن الأخسرين هم: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًاْ}(الكهف: 104).
لا مجال للاعتذار
كذلك أكد البيان على أنه لا مجال للاعتذار لهذه الأعمال الشنيعة باجتهاد أصحابها؛ فالاجتهاد له أهله، وله مواضيعه، أما دماء المسلمين وأموالهم العامة أو الخاصة، وأمنهم فلا يسوغ إهدارها بدعوى الاجتهاد، ولا مجال للاعتذار لهذه الأعمال بما يحصل للأمة من أزمات ومصائب، وعدوان من قوى الكفر والاستكبار؛ فإصلاح ذلك إنما يكون بالسبل الشرعية.
ثم عدد البيان أهم المفاسد المترتبة على هذه الأعمال الإجرامية وهي:
• إثارة الفتن والصراعات داخل مجتمعات المسلمين الآمنة.
• استغلال العدو للغلاة في تحقيق أهدافه الخبيثة، فقد أصبحوا مطايا يوظفون لصالح الأعداء علموا أم لم يعلموا.
• توظيف هذه الأحداث في ابتزاز أهل السنة بأفعال من يحسبون عليهم وليسوا في الحقيقة منهم، كما في استغلال الأعداء لهذه الأحداث في المطالبة بتغيير المناهج، أو التضييق على وسائل الإعلام التي تحارب العقائد المنحرفة، أو وضع أهل السنة موضع الاتهام مع أن أهل السنة في عامة بلاد المسلمين هم أكثر ضحايا هذا الغلو.
• استغلال أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين لهذه الأحداث للطعن في الدين، والجرأة على أصوله ومحكماته، ووصم أهل السنة بتهمة التكفير، وعدم التفريق بينهم وبين الخوارج أهل الغلو.
• الجرأة على أهل العلم والمصلحين، واتهامهم، والطعن في نواياهم، وتسفيه مشاريعهم الدعوية، والإزراء بجهودهم في نصرة الدين والمستضعفين من أهله.
• التغرير ببعض الشباب المستقيم وحرفهم عن جادة النفع مسوِّلين لهم أن السير على طريق الغلاة ومناهجهم الفاسدة هو طريق الغيورين وسبيل نصرة الدين.
• فتح الذريعة لمحاصرة الأعمال الدعوية والخيرية، والتضييق عليها باسم مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه.
• تشويه شريعة الجهاد التي بين منزلتها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله» (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والنسائي وصححه الألباني)، حتى أصبح من يتحدث عن هذه الشعيرة العظيمة أو يدعو إليها أو يذكر فضائلها متهماً بالإرهاب ودعم أهله عند كثير من ضعفاء البصائر.
• إعاقة الجهاد الشرعي، والفت في عضد المجاهدين، والتسبب في تأخير نصرهم، وقطع الإمدادات عنهم.
• تعريض عدد من الصالحين الذين لا صلة لهم بالغلو من قريب ولا من بعيد للظلم والمضايقات.
التحذير من الغلو في الدين
ثم حذر العلماء في نهاية البيان من الغلو في الدين، ودعا العلماء من زلَّت قدمه على طريق الغلاة أن يقف مع نفسه ويحاسبها، وأن يكون جريئًا على مراجعة حاله، مبادرًا بالتوبة إلى الله، وأن يعلم أن ما قد يلحقه من ضيق وأذى برجوعه عن الباطل، خير من أن يلقى الله -عز وجل- بدماء معصومة وأنفس محترمة قد انتهكها.
واجب حكام الـمسلمين
كما دعا البيان حكام المسلمين إلى أن يجففوا منابع هذا الفساد بالتحاكم إلى شرع الله، وحمل الناس على المعروف، ونهيهم عن المنكر، والتعامل الشرعي مع مثل هذه الأفكار عن طريق العلماء الربانيين الذين بنور علمهم تزال ظلمات الجهل وتنكشف الشبهات عند من اغتر بالغلاة أو استخفه رأيهم.
الذنوب والفساد في الأرض
وفي نهاية البيان دعا العلماء عموم المسلمين إلى التوبة إلى الله -عز وجل- وإصلاح أحوالهم؛ مبينين أن الذنوب من أكبر أسباب ظهور الفساد واختلال الأمن، مؤكدين في الوقت نفسه على أن محكمات الدين لا يجوز أن تمس ولا أن يستهان بها.
أمة الإسلام مستهدفة
وفي السياق ذاته أشار د. أحمد الكوس أن أمة الإسلام مستهدفة من أعدائها ولا سيما أهل السنة منها، الذين تكالب عليهم الأعداء من كل صوب وحدب، ولا سيما منطقة الخليج التي مازال بها بقية باقية متمسكة بدينها وحريصة على شريعة ربها، لذلك حرص هؤلاء على إثارة الفتن والنعرات والقلاقل في الجزيرة العربية وعلى رأسها بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية، ولا شك أن جميع تلك الفرق المنحرفة من الخوارج والصفويين وغيرهم واجتمعت كلمتهم على الكيد لأهل السنة ولا سيما في منطقة الخليج، وأحداث التاريخ القديم والحديث تؤكد ذلك.
كما حذر الكوس الشباب المتحمس من الانضمام أو الارتباط بمثل هذه الجماعات التكفيرية؛ لأن ذلك يحقق أهداف أعداء الإسلام، ويكون هؤلاء الشباب هم الضحية وهم وقود هذه الفتن والمؤامرات؛ لأن هذه الأفعال الإجرامية التخريبية التي ترتكب باسم الجهاد تضر بمصالح المسلمين، ولا يفعل هذه الأفعال إلا من نزعت من قلبه الرحمة والدين والإيمان، ولا يفعلها إلا الجهلة.
وعن دور العلماء في مثل هذه الفتن أشار الكوس أن دور العلماء كبير ومسؤليتهم عظيمة وعلى علماء أهل السنة والجماعة التعاون والاتفاق وإيجاد مشاريع عملية لمواجهة المخططات التي تستهدف عقيدة المسلمين ووحدتهم وأمنهم، وعليهم تبيين هذه الأخطار التي تحدق بالأمة الإسلامية، وتحذير الشباب الذين يغرر بهم، ويتم استغلال حماستهم والزج بهم في آتون هذه الفتن مستغلين حبهم لهذا الدين ورغبتهم في نصرته بأي طريق كان.
قتل للمسلمين وغدر بهم
وفي تصريح له أكد النائب حمود الحمدان أن التفجيرات الأخيرة في السعودية التي استهدفت مسجد العنود وقبلها القديح قتل للمسلمين وغدر بهم وسعي في خراب المساجد ومحاولة لزعزعة الأمن ودق إسفين الفرقة والخلاف بين الشعب السعودي، وأوضح أن المملكة العربية السعودية أكبر من أن تحقق التفجيرات الإرهابية أهدافها في إشعال الحرب الطائفية في هذا البلد الآمن.
التساهل في الدماء
وقال: إن التساهل في الدماء يجر الويلات على الأمة كلها، لافتاً إلى أن هذا الفكر الضال هانت عليه نفسه فأزهقها بسبب الجهل وارتباطهم بعلماء الانترنت، مستغرباً كيف نريد منهم تعظيم الدماء والرحمة بالخلق؟!
وشدد على أنه على مر تاريخ دول الخلافة الإسلامية التي قادها أهل السنة والجماعة لم يعهد من حكام ولا من علماء تلك الدول استباحة دماء المخالفين أو إقصائهم ولا إعمال السيف فيهم.
ودعا الحمدان الشعب السعودي إلى التماسك واللحمة، وألا تزيدهم مثل هذه الأعمال الإرهابية إلا تماسكا والتفافا حول قيادتهم في صف واحد؛ لأن الفعل غير المدروس يحقق ما يريده الإرهابيون من فتنة وحرب أهلية.
براءة الإسلام
وفي السياق ذاته صرح النائب د. عبد الرحمن الجيران أن هذا الحادث الآثم يأتي ليؤكد براءة الإسلام من هذا العمل المشين الذي استهدف الآمنين في محاوله لإثارة الرعب والإرجاف في الأرض وإشاعة الفساد، وأدعو سلطات الأمن السعودي إلى تتبع رؤوس الفتنه وإيقاع أقصى العقوبات بهم.
وأكد أن هذا العمل الإرهابي يُدار من أعداء الإسلام والمسلمين الساعين للفوضى وبثها في بلاد المسلمين، وأدعو الجميع إلى أخذ الحيطة والحذر والحرص على وحدة الكلمة ووحدة الصف.
العبرة بكلام العلماء
وفي تصريح خاص للفرقان أكد الشيخ فتحي الموصلي المستشار بالوقف السني بمملكة البحرين على أنه في النوازل الكبرى، والأحداث الجسيمة تكون العبرة بكلام العلماء الراسخين في العلم، الذين ينطلقون في تأصيلاتهم الشرعية من دراية بالواجب، وتصورٍ للواقع، وتقدير للمصالح والمفاسد، ومعرفة دقيقة بذرائع الشر والفساد وما يؤدي إلى الإخلال بالضرورات الشرعية والمصالح العامة؛ لا سيما إذا تعلّق الأمر بإثارة الفتن وسفك الدماء والاستهانة بأمن البلاد والعباد.
لهذا جاء بيان كبار العلماء في المملكة العربية السعودية جوابًا شرعيًا على الأحداث، وتحذيرًا واضحًا من التفجيرات الأخيرة التي تعد انتهاكًا خطيرًا لتعاليم الشريعة، وتجاوزًا صارخًا لضرورات الدين ومصالح الأمة؛ فالإرهاب، وإثارة الفتن، وصناعة الفوضى، والاستخفاف بأمن الناس ودمائهم، وتفريق كلمة المسلمين، والخروج على أولياء أمورهم، كلها سلوكيات مريبة ومنحرفة تريد بالبلاد والعباد الشر والدمار.
بيان تاريـخي
ثم أكد الشيخ على أن هذا البيان يعد بيانًا تاريخيًا مستندًا على أدلة قطعية ومصالح ضرورية ومقاصد شرعية، جاء من علماء موثوق بعلمهم وفقههم وتجاربهم ونصحهم ودرايتهم بالواقع. ثم وجه الشيخ دعوته للشباب قائلاً: أدعو العقلاء من الشباب إلى لزوم ثغر العلماء وعرض تصرفاتهم على التأصيل الشرعي، لا على التأصيل البدعي، وعلى النظر المصلحي لا على النظر العاطفي.
لابد من حلول جذرية
وعن وسائل العلاج لهذه الظاهرة أكد الموصلي على أن ظاهرة العنف والإرهاب في المجتمعات هي ظاهرة قديمة متجددة؛ لا تزول بالمسكنات الوقتية، ولا بالحلول الشكلية ولا بمجرد التحذيرات الرسمية؛ بل لابد من حلول جذرية وتوجيهات شرعية ومعالجات عملية يقوم بها أهل الاختصاص بالتعاون مع المجتمع، وبتوجيه صناع القرار حتى يكون العلاج من خلال عمل متكامل وجهد متواصل؛ إذ ترك معالجة هذه الظاهرة بطريقة ارتجالية أو انفعالية أمر خطير يهدد أمن المجتمع والأفراد.
دور الـمؤسسات
وأكد الموصلي على أن يكون دور المؤسسات في التعامل مع هذه الظاهرة دورًا تكامليًا من خلال إيجاد مشاريع مشتركة وفاعلة لتشخيص أسباب الظاهرة ووضع الحلول السريعة الطارئة والحلول الطويلة الثابتة، ولهذا لابَد من تفعيل دور المراكز البحثية المتخصصة في التشخيص والمراقبة والرصد وتقديم الحلول والمقترحات والتوصيات وإعانة الجهات المختصة على المعالجة الصحيحة والفاعلة؛ إذ الداء العضال لا يزول إلا بجهود كبيرة وتخصصات دقيقة وسنين من العمل طويلة.
لاتوجد تعليقات