رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر التربوي 5 مايو، 2025 0 تعليق

المرأة والأسرة – 1261

من أسس استقرار الأسرة المسلمة

من أهمِّ مراحل تكوين الأسرة في الإسلام مرحلة الاختيار، وهو أهم عنصر في ترسيخ استقرار الأسرة المسلمة؛ فإذا ما تلاقت الطباع، وتوافقت النفوس، كان ذلك عاملا قويا لمجتمع أمتنِ روابطَ بين أُسَره، وأَشَد صلةً وأُلفة بين أفراده.

        وأخطر شيء في حياة الشاب اليوم هو اختيار الزوجة الصالحة، وأخطر شيء في حياة الفتاة هو اختيار الزوج الصالح؛ فالإسلام يأمر الرجل أن يكون هدفه نبيلًا، وغايته شريفة، فيَطلُب المرأة، ويختارها لدينها، ولوَرَعِها ونُبلها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «تُنكح النساء لأربع: لمالها ولحَسَبها، ولجمالها ولدِينها، فاظفَر بذات الدين تَرِبَتْ يداك»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «الدنيا متاع، وخيرُ متاعها المرأةُ الصالحة»، وليس معنى ذلك أنْ يتغاضى عن جمال المرأة، كلاَّ بل أمرنا الإسلام أن نتزوج الجميلات، ولكن الجمال المقرون بالخلق والدين، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ المغيرة بن شعبة - وقد خطب امرأة ليتزوَّجها - أن ينظر إليها، وقال له: «أنظرت إليها؟»، قال: لا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «انظر إليها، فإنه أحرى أن يُؤدَمَ بينكما»، وكذلك أمر المرأة أن تقدم معيار الدين إذا تقدم لها من يخطبها فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خَطَب إليكم مَن تَرْضَوْنَ دِينَه وخُلُقَه، فزَوِّجُوه. إلا تفعلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ»؛ ذلك لأن في صلاح الدين والخلق سعادة الدينا والآخرة.

أهمية تربية البنات

       لا يقلُّ أمر الاهتمام بتربية البنات عن تربية البنين، بل خُصَّت البنات برعاية مميَّزة؛ لما للمرأة - عمومًا - من أثر كبير على سائر المجتمع إن هي صلحت في نفسها، وتشبَّعت بالأخلاق الإسلامية التي تنبت معها منذ صِغَرها، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من يلي من هذه البنات شيئًا، فأحسَنَ إليهنَّ، كُنَّ له سترًا من النار»، ومن عظيم الإحسان للبنات، تعليمهن أخلاق الإسلام في اللباس، والكلام، والمشي، والخروج، والتعامل مع القرناء في المدرسة، وفي الشارع العام، ومع الجيران، وكيف تحرص على حيائها، وتعتزُّ بدينها، وتهتمُّ بحجابها، وستر جسدها، وكل ذلك داخل ضمن قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} (الأحزاب: 59).

الأُسْرَة نواة تكوين المجتمع

       الأُسْرَةَ في الإسلامِ هي مَحْضَنُ التَّرْبِيَةِ، وَمَهْدُ التَّعْلِيمِ، وَالمَرْعَى الأَوَّلُ في حَيَاةِ كُلِّ فَرْدٍ، وَكُلَّمَا قَوِيَتْ هَذِه اللَّبِنَةُ كانَ البِنَاءُ رَاسِخًا مَنِيعًا، وَكُلَّمَا ضَعُفَتْ كَانَ الْبِنَاءُ وَاهِيًا، وَالأُسْرَةُ هِيَ الَّتِي تَرْسِمُ شَخْصِيَّةَ الابْنِ والبنت جَادَّةً أَوْ ضَعِيفَةً، وَتَضْبِطُ لُغَتَهُ سَلِيمَةً أَوْ مَشُوبَةً، وَتُحَدِّدُ سُلُوكَهُ مُهَذَّبًا أَوْ شَائِنًا، وَتُشَكِّلُ أَخْلاقَهُ نَبِيلَةً أَوْ وَضِيعَةً وَتُوَجِّهُ إِمْكَانَاتِهِ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً، فيكونون لمجتمعاتهم إمَّا دعائمَ بناءٍ أو معاولَ هدمٍ.

من السنن الغائبة

       من السنن الغائبة والمستغربة التي هجرها أكثر المسلمين أن يختار الرجل لابنته إذا وجد كُفئًا، وقد جاء ذكر هذه السنة في القرآن الكريم حين عرض الشيخ الصالح ابنته على موسى -عليه السلام- في قوله -تعالى-: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} (القصص: 27)، فصاحب «مَدْيَنَ» يعرض ابنته على موسى -عليه السلام-، وقد جاء غريبًا مهاجرًا، ولم يتحرج من هذا العرض، ولم يشترط في موسى أن يكون من قومه أو وطنه أو جلدته، وإنما اكتفى بشرط هو الدين والخلق والكفاءة.

أهمية تعليم الطفل القرآن

       أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعليم الصغار كتاب الله، حفظًا، وتلاوةً، واعتناءً، وتقديرًا، وهو داخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُكم مَنْ تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَه»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة»، قال السيوطي -رحمه الله-: «تعليم الصِّبيان القرآن أصلٌ من أصول الإسلام، فينشؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكُّن الأهواء منها، وسوادها بأكدار المعصية والضلال»، وقال ابن خلدون -رحمه الله-: «تعليم الولدان للقرآن، شعار من شعائر الدين، أخذ به أهالي الملَّة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده، بسبب آيات القرآن، ومتون الأحاديث، وصار القرآن أصلَ التعليم الذي بُني عليه ما يحصُل بعدُ من الملَكات»، ولذلك قال عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: «من قرأ القرآن قبل أن يحتلم، فهو ممن أُوتي الحُكْم صبيًّا»، هذا فضلًا عن تربية الولد صاحب القرآن، الذي سيكون خلفًا بارًّا صالحًا، يذكر والديه بالدعاء الصالح بعد وفاتهما، بل قد يكون سببًا في دخولهما الجنة.

أهمية دور الأسرة في التربية

       إذا كان الفرد هو اللَّبِنة الأساسية في بناء المجتمع، فإن الأُسرة هي الخليَّة الحيَّة في كيانه، والفرد جزء من الأُسرة، يأخذ خصائصَه الأُولى منها، وينطبع بطابعها، ويتأثَّر بتربيتها، قال -تعالى-: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} (آل عمران: 34)، فإذا صلَحَت الأسرة صلح الفرد، وإذا صلح الفرد صلحت الأُسرة، وصلح المجتمع، فالأسرة هي التي يتشرَّب منها الفردُ العقيدةَ والأخلاق، والأفكار والعادات والتقاليد، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مولودٍ إلاَّ يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه وينصِّرانه ويمجِّسانه، كما تُنتَج البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تحسُّون فيها من جدعاء؟»، وقد أوجب التشريعُ الإسلامي أن تسود الأسرةَ التربيةُ الدينية الصحيحة، التي تغرِس في النفوس العقائدَ السليمة الراسخة، وتربيها في جوٍّ من الإيمان الصحيح.

تيسير أمر الزواج

       الزواج عبادة وطريق لكسْب الحسنات؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وفي بُضْع أحدكم صدقة»، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وِزْر؟»، قالوا: بلى، قال: «فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر»، ومَن رغب عن سنتي، فليس مني؛ فالزواج أمر تعبُّدي ينتج عنه أولاد وأسرة صالحة؛ ولذلك أوصى الإسلام بالتيسير في أمر الزواج، وإزالة كل العقبات التي تواجه الزواج من تكلفة ومؤنة، وما نسمعه من أعباء كماليات وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان.  

حقيقة القوامة في الإسلام

         جاءت القوامة لتنظِّم العلاقة داخل الأسرة الواحدة، باعتبار أنَّ الأسرة مؤسَّسة، تجمع بين عددٍ من الأعضاء داخلها، وهم: الزَّوج والزَّوجة والأبناء، والإسلام دين يحثُّ على النِّظام، ويدعو إلى التَّنظيم في كلِّ شيءٍ، حتى إنَّنا مأمورون إذا كنَّا على سفر أن نختار من بيننا أميرًا نُؤَمِّره علينا؛ ليضمن لنا عدم الفُرقة والتَّفرُّق في السَّفر، ويعمل على توحيد الكلمة والتَّوجُّه، فما بالنا بمؤسَّسةٍ هي نواة المجتمع ووحدة بنائه؟! فكان لابدَّ من قائدٍ يقود مسيرتها، ورئيسٍ يتحمَّل مسؤوليَّتها؛ لأنَّ في صلاحها صلاحَ المجتمع، وفي فسادها فسادَ المجتمع، والعقل والمنطق يقضيان بأنَّ الأصلح والأجدر للقيام بهذه المهمَّة هو الرَّجل لا المرأة؛ لِما يتمتَّع به من قدرات ومواهب وحريَّة في الحركة والتَّصرُّف أكثر من المرأة.  

القوامة ليست رمزًا للتَّسلُّط

        القوامة ليست رمزًا للتَّسلُّط، أو وسيلةً لحجر الزَّوج على عقل زوجته وفكرها، وما تمتلكه من مواهب وقدرات، كما أنَّ القيِّم في الأُسرة ليس مديرًا يُصدر الأوامر وينتظر التَّنفيذ، فالشَّريعة تُنكر على الرَّجل القيِّم في بيته أن يتَّخذ قرارًا مصيريًّا بشأن أحد أفرادها دون موافقة صاحب الشَّأن نفسه، فحرَّمت الشَّريعة عليه أن يُزوِّج ابنته دون رضاها وقبولها التامِّ لِمَنْ يتقدَّم للزَّواج بها، كما أنَّ الشَّريعة دعت إلى الأخذ بمبدأ الشُّورى في البيت، فالشُّورى ليست مقتصرةً على الحياة السِّياسية؛ لأنَّ الآيات التي تأمر بالشُّورى جاءت عامَّة، لم تخصَّ أمرًا معيَّنًا من أمور الحياة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك