
المخاطر على وحدة اليمن تتصاعد
محاولات محمومة للقفز على نتائج الحوار الوطني واستغلال الفيدرالية لتفكيك الدولة وتكريس الفوضى
تمسك الحراك الجنوبي بالانفصال وانتصارات الحوثيين وتربص نظام صالح يفرغ النظام الفيدرالي من مضمونه
رفض حزب صالح لنظام الإقليم والتمديد لمنصور هادي يهدد بعودة البلاد إلى المربع الصفر
سيطرة جماعة الحوثي على مرتفعات همدان سهل وصولها إلى صنعاء وانسحاب الجيش اليمني منها مثير للجدل
قرار مجلس الأمن بإدراج اليمن ضمن الفصل السابع والدعم الخليجي عوامل مهمة للحفاظ على وحدة البلاد
كأن الجميع في اليمن يعتقد أن مقررات الحوار الوطني الذي استمر لفترة طويلة بين شد وجذب يمكن أن يكتب نهاية للأزمة السياسية المشتعلة في البلاد منذ عقود، والمتمثلة في وجود نزعات انفصالية في الجنوب يقودها الحراك، وتمرد لجماعة الحوثي في الشمال وحرب مفتوحة مع القاعدة في الوسط والجنوب، وغياب للاستقرار السياسي والتوافق الوطني في العاصمة صنعاء؛ مما وضع البلاد في أتون أزمات متكررة لا تكاد تنتهي، من أزمة أو لنقل تصل لمسكنات لها حتى تندلع أخرى أكثر شراسة؛ مما يجعل وصول الفرقاء السياسيين في اليمن -وما أكثرهم- لتوافق وطني أمرًا شديد الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً، لاسيما أن أطرافًا فاعلة في الداخل لا يسرها الوصول بالبلاد لبر الأمان؛ بسبب الخلافات والصراعات السياسية والوصول لاستقرار الأوضاع.
تفكيك عناصر الأزمة
ويعتقد الجميع أن تقسيم اليمن لخمسة أقاليم وإنهاء عقود اللامركزية الشديدة، وتقليص سيطرة المركز على الثروة والسلطة يمكن أن يقلل من حدة الأزمة اليمنية، ويفكك واحدة من أهم عناصرها المتمثل في وجود مطالب بالانفصال في الجنوب وأداء دور مؤثر في صناعة القرار كما الحوثيين إلا أن ردود الأفعال على هذا التقسيم لم تكن إيجابية؛ حيث رفضها المؤتمر الشعبي العام وهو الشريك الأكبر في الحكم الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعَدِّه مفتاحًا لتقسيم البلاد في ظل غياب الاستقرار وتصاعد النزعات العرقية، وهو موقف شاطرته إياه قوى الحراك الجنوبي التي أكدت أن خيار الأقاليم لن يثني الجنوبيين عن الانفصال واستعادة دولتهم وإنهاء الاحتلال الشمالي.
ولم يكن الوضع أفضل حالاً في موقف جماعة الحوثي من خيار الاتحادية؛ حيث عَدَّتْ -رغم دعمها له خلال جلسات الحوار الوطني- أنه سيقسم اليمنيين إلى أغنياء وفقراء، متجاهلة ما أمنه له هذا التقسيم من هيمنة في إقليم (أزال) الذي يضم العاصمة صنعاء وصعدة وعمران وغيره، مسوغين موقفهم هذا بأنه حرمهم من منفذ بحري من خلال إلحاق محافظة (حجة) بإقليم (تهامة)، فضلاً عن افتقادهم لأي نفوذ في المناطق الغنية بالنفط في محافظة (الجوف) التي ألحقت بإقليم (سبا) بأسلوب يكرس نوعًا من ضعف فرص التنمية وتحسين مستوى غالبية سكان هذه المناطق في ظل وضع اقتصادي شديد الصعوبة أوصل أرقام البطالة مثلا إلى ما يقرب من 20% من جملة عدد السكان في البلاد.
فك الارتباط
وكأن خيار الفيدرالية وتقسيم البلاد إلى أقاليم الذي كان يراهن عليه بعضهم في اليمن وعلى رأسهم الرئيس عبدربه منصور هادي لتهدئة البلاد والحفاظ على وحدته لن يكون عامل استقرار كما يروج بعضهم؛ ففصائل عديدة داخل الحراك الجنوبي لا زالت تتمسك بخيار فض الارتباط بين عدن وصنعاء، وإعادة ضخ الدماء في عروق دولة الجنوب، فيما لم يعرف الهدوء طريقه إلى مناطق صعدة وعمران في ظل استمرار التوتر بين الحوثيين وبين مقاتلين قبليين سنة في عدد من مناطق صعدة حققت خلالها جماعة الحوثي انتصارات جعلتها تستولي على مناطق مرتفعة في همدان، وتقترب من العاصمة صنعاء؛ مما دفع الجيش اليمني للتدخل وفرض الهدوء في المنطقة عبر عقد اتفاق بين القبليين والحوثيين، وهو ما تلتزم به الجماعة التي استولت على مناطق انسحب منها الجيش فور توقيع الطرفين عليها
وأغضبت تحركات جماعة الحوثي أطرافا فاعلة في المؤسسة العسكرية اليمنية، منها قادة قوات الاحتياطي، وأعضاء اللجنة الأمنية الذين عَدّوا تحركات الحوثيين في مناطق قريبة من صنعاء وتفجير منازل في همدان تأكيدًا على عدم جديتهم في الالتزام بمقررات مؤتمر الحوار، وهو الغضب الذي ظهر بوضوح في تهديدات المستشار الإعلامي للرئيس عبدربه منصور هادي الثقافي (فارس السقاف) الذي أكد أن الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي، ولن تصمت طويلاً على التحركات العسكرية لجماعة الحوثي، بل إنه سار في الشوط لآخره بالتأكيد على وجود تفكير جدي في وسائل أخرى لتحجيم الحوثيين ومنعهم من نسف نتائج الحوار الوطني.
رفض التمديد
الوضع في الجنوب وصعدة لا يشكل عناصر الأزمة الوحيدة التي تواجه نتائج الحوار الوطني، بل إن النظام يواجه أزمة شديدة تتمثل في خروج أصوات من المؤتمر الشعبي العام الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي يطالب فيه بعدم التمديد للرئيس الحالي في منصبه، وهو ما ظهر بقوة في الانتقادات التي وجهها الرئيس السابق علي عبدالله صالح لـ(هادي) يتهمه بعدم التعامل معه تعاملا جيدا، وبالتراجع عن وعود قطعها على نفسه بعدم الإساءة لرجل حكم اليمن لأكثر من 33عاما وهو ما لم ينفذه هادي، بل شرع في حملة تطهير لمؤسسات الدولة لمقربين من صالح وعائلته.
كما أن الملف الأمني وعدم قدرة الدولة على حفظ الاستقرار وهو ما ظهر جليًا في هروب ما يقرب من 200من سجناء سجن صنعاء المركزي يعتقد أن أغلبهم من أعضاء القاعدة، وتصاعد الهجمات على مراكز للشرطة والجيش تمثل علامة استفهام على عمل الأجهزة الأمنية وما إذا كانت مرتهنة لأجندات داخلية تخدم الصراع بين هادي وأذناب النظام السابق، وهو ما كانت له انعكاسات على حالة من الاضطراب عانت منها جميع مرافق الدولة بعد الهجمات المنظمة على شبكات الكهرباء وأنابيب النفط وغيرها؛ مما كلف الموازنة العامة للدولة ما يقرب من مليار دولار خلال الفترة الماضية كانت يمكن توظيفه لمعالجة اختلالات هيكلية في المنظومة الاقتصادية اليمنية بما يحتم أن يضع الرئيس هادي ورئيس وزرائه محمد سالم باسندوه هذا الملف في مقدمة أجندتهم إذا كانوا جادين حقا في أن يعرف اليمن طريقه للاستقرار خلال الفترة القادمة.
الفصل السابع
ورغم أجواء التفاؤل السائدة داخل اليمن حاليًا بإمكانية نجاح النظام الفيدرالي في تحقيق الاستقرار، فإن من المهم القول: إن الصورة ليست وردية بالمرة؛ فهناك منغصات أخرى قد تقف حائلاً دون أن يجد هذا الأمر طريقه للتنفيذ بيسر لاعتبارات القبلية التي تسيطر على البلاد منذ سنوات طويلة، والتي دفعت المواطن اليمني لأن يكون ولاؤه للقبيلة في المقام الأول وليس الدولة، وهي ثقافة تحتاج لعقود حتى يعاد النظر لمفهوم المواطنة، ناهيك عن الأوضاع الأمنية في الجنوب التي مازالت قوى مؤثرة داخلها ترفع شعار الانفصال غير عابئة بتقسيم البلاد لأقاليم وإنهاء سطوة المركزية.
ولكن الصورة على تعقيدها لا تبدو قاتمة تمامًا؛ فقد استجد على مجريات الأحداث تطور شديد الأهمية تمثل في قرار لمجلس الأمن لوضع اليمن تحت الفصل السابع وتضمين القرار عقوبات صارمة ضد أي قوى تعرقل تنفيذ المبادرة الخليجية ومقررات الحوار الوطني، منها: عقوبات اقتصادية، وتجميد أموال، ومنع من السفر، وإدانة دولية، وهو ما أثار ابتهاج الرئيس هادي لاسيما أن القرار تزامن مع انتقادات وجهه له الرئيس السابق على عبدالله للرئيس هادي ورفضه تمديد ولايته وهي مواقف قد لا يعبأ بها هادي كثيرًا لكون القرار الأممي ضمن الفصل السابع، أسهم في ضخ الدماء في عروق الوحدة، وعقد من مهمة من يسعون للقفز على نتائج الحوار الوطني، سواء من جماعة صالح أم الحراك أو الجنوبيين.
مفترق طرق
ولكل ما سبق نؤكد أن الدولة الاتحادية الوليدة في اليمن مقبلة على اختبارات شديدة الصعوبة كما يؤكد السفير إبراهيم يسري -مدير إدارة الاتفاقيات والمعاهدات السابق بالخارجية المصرية- في ظل رفض بعض القوى الجنوبية للنظام الاتحادي وتبنيها لخيار الانفصال والانسلاخ فضلاً عن وجود طموحات طائفية لدى الحوثيين وسعيهم للعب دور مهم في الساحة، واستثمار انتصاراتهم في مناطق المواجهات في صعدة وعمران واقترابهم من مناطق حيوية من صنعاء.
وعَدَّ يسري أن خيار النظام الاتحادي يبدو فارقًا، فإما يبدأ باختيار المستقبل من خلال النظام الاتحادي الجديد ومعه ينعم اليمن بالاستقرار، أو يبقى في دوامة الصراعات التي ستقضي على ما تبقى من أمل بخروجه إلى بر الأمان مبديًا تخوفه كون البلاد معرضة لمؤامرة تقسيم عبر النظام الاتحادي، وجزء من مخطط دولي لسلسلة تقسيمات مماثلة في العراق ومصر وسوريا، متسائلاً عن دور الدول العربية للوقوف ضد هذا التقسيم قائلا: أين هي الجامعة العربية؟ وماذا تفعل لحماية دولها؟ موضحا أن هناك وثائق كثيرة عن مخططات التقسيم معلناً عنها فى الكونجرس الأمريكي.
وطالب يسري الدولة بأن تكون حاضرة بقوة لمحاصرة أي نزاعات في المناطق الشمالية التي تحكمها تناحر لا عرقية ومذهبية، ولا تراهن كثيرًا على دعم دولي، بل عليها التوجه بخطاب واضح للقوى اليمنية لإغرائها بالتراجع عن تنفيذ المخطط الانفصالي.
دعم إقليمي
وفي السياق عينه يرى الدكتور سعيد اللاوندي خبير العلاقات الدولية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أن خيار الدولة الاتحادية رغم أنه يقلل من المخاطر على وحدة البلاد إلا أن البلاد يجب أن تكون مستعدة للبناء على هذه الخطوة؛ حيث إن النظام الفيدرالي يواجه مخاطر من ناحية النزعات القبلية والعرقية والمذهبية، فضلاً عن أن القاعدة فد تكون من المستفيدين من هذا النظام كونها قد تستفرد بإقليم سبأ بعد التقسيم؛ مما يتطلب معه دور قوي من الدولة الاتحادية ولاسيما في الملفات الخاصة بأمن البلاد ووحدتها.
ونبه إلى أن الدعم العربي ولاسيما الخليجي سيكون من أهم العوامل المؤثرة في هذا السياق لإنجاح المبادرة الخليجية، والوقوف حائلاً دون نجاح مخططات تقسيم البلاد، سواء من جانب الحوثيين في الشمال أم من جانب الجنوبيين الذين لم يرض النظام الفيدرالي طموحاتهم رغم أنه يزيل أغلب المظالم التي اشتكوا منها طوال حكم صالح، ومنها سيطرة المركز في صنعاء على الثروة والسلطة، جاعلاً هناك دعمًا دوليًا قويًا لخيار الوحدة بعد إدراج اليمن في البند السابع من مقررات الأمم المتحدة بحيث يمكن فرض عقوبات على الطرف المهدد لوحدة البلاد بطريقة كبيرة.
وارتأى أن المصالحة الوطنية وتمكين جميع ألوان الطيف السياسي من المشاركة في صناعة القرار تعد من أهم العوامل الداعمة لوحدة البلاد، ولاسيما أن النظام الفيدرالي رغم ما عليه من علامات الاستفهام إلا أنه يبقي أحد الحلول التي تنقذ البلاد من خيار الانفصال مشددًا على أهمية الدعم الخليجي لتبقي اليمن بعيدة عن سطوة أي قوى إقليمية تريد أن يكون لها موطئ قدم في هذه المنطقة المهمة من العالم العربي، لتعوضها عن خسائر ستتعرض لها في مواضع أخرى.
لاتوجد تعليقات