
القواعد الأصولية والفقهية المنظِّمة للعمل الخيري – قواعد التفاضل في برامج العمل الخيري
- الخير مراتب والمعروف مَرَاقٍ وكلّها يتدرّج العاملُ فيها ويتقلّب بحسب قدرته ووُسعه وعلمه بين أعلاها وأدناها والأصلُ في كلّ سالكٍ إلى الله قاصدٍ لخدمة الإسلام والمسلمين، وساعٍ في رفعة الأمّة الإسلاميّة
- الواجب إسناد كلِّ عملٍ إلى من يُحسنه أكثر من غيره ومراعاة التخصصات واعتبار المؤهّلات العلميّة والعمليّة عند إسناد الوظائف والمهمّات إلى أهلها وتوجيه الأفراد إلى المجالات التي تناسبهم بناءً عليها
تتضمّن هذه الحلقات تعريفًا مختصرًا بعلم القواعد الفقهية وعلاقته بغيره من علوم الفقه، وتنويهًا بأهميّته، كما يتضمّن تقرير أهميّة التأصيل الشرعيّ لمؤسسات العمل الخيري، في مجالاتها الإداريّة والعملية وأعمالها الميدانية، لا في أرضيّة العمل الخيريّ النظريّة العلميّة فقط، كما تتضمّن سردًا وشرحًا لأهمّ القواعد الفقهيّة التي يتّسع مجال تطبيقها وتكثر الأنواع المندرجة تحتها في مجال الأعمال الخيرية، واليوم نتحدث عن قواعد التفاضل في برامج العمل الخيري.
الخير مراتب، والمعروف مَرَاقٍ، وكلّها يتدرّج العاملُ فيها ويتقلّب بحسب قدرته ووُسعه وعلمه بين أعلاها وأدناها، والأصلُ في كلّ سالكٍ إلى الله وقاصدٍ لخدمة الإسلام والمسلمين، وساعٍ في رفعة الأمّة الإسلاميّة، أن يعتني بمعالي الأمور ويترفّع عن دناياها وسفاسفها، ويتطلّب من الخير أعلاه، ومن المعروف أرقاه، ويعتني بتمييز الفاضل عن المفضول، فيلزم الأعمال الفاضلة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولمّا كانت الأعمال الخيريّة ذات تأثيرٍ اجتماعيٍّ عام، فإنّ التزامَ القائمين على الأعمال الخيريّة باختيار الفاضل دومًا، من شأنه أن يزيد في بصمة المؤسّسات الخيريّة في الحياة العامّة، ويضاعف من قدرتها على النّفع والإصلاح والتأثير الإيجابيّ، ومن القواعد التي يُستعان بها على معرفة الوجوه الفاضلة من المفضولة في عمل الخير:1- النّفع المتعدِّي أفضل من القاصر
- التوضيح: يتناسب الثواب مع شيُوع الخير وانتشاره وكثرة المستفيدين منه، فإذا كان أثر الفعل يتعدَّى صاحبَه إلى غيره، فإنّ ثوابه يكون أكثر من ثواب الفعل الذي يقتصر أثرُه على فاعله فقط، فكلُّ مكلَّفٍ قادرٍ على بذل المال لحلّ أزمات المسلمين، واستنقاذهم من الخطر المحيط بهم في الحروب والنّكبات، فبذلُ ماله في هذا الوجه خيرٌ له من إنفاقه على نوافل عباداته، كالحجِّ والعمرة ونحوهما.
2- خير الأمور أوساطها
- التوضيح: إنّ الخير في الاعتدال في كلّ شيء، واختيار أواسط الأمور في أعمالنا الخيرية، ووجوهها المقترحة، ومجالاتنا التنمويّة، يحافظ على ثقة المتبرعين في المؤسسة الخيريّة طالما ثبتت واقعيّتها ومصداقيّتها باختيار المتوسّط من الأعمال التي يمكن الحفاظ عليها والاستمرار فيها، وترك تحميل المؤسّسة ما يفوق قدرتها الماليّة وطاقاتها البشريّة، الأمر الذي يفضي إلى خلل محتومٍ في العمل ونقصٍ في الأداء.
3- يقدَّم في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها
- التوضيح: هذه قاعدة تكشف المعيار الأهمّ الذي لابدّ من مراعاته عند اختيار من يراد توليته أو إسناد عمل إليه، وهذا يختلف باختلاف المهامّ والأعمال؛ إذ كلّ عمل يحتاج لمهارة معينة، فيقدَّم في كل عمل من كان أدرى وأقوم بمصالحه.
4- لكلّ عمل رجال
- التوضيح: لكلّ وظيفة رجل مناسب يقوم بها، ولكل مهمّة رجل مناسب ينفّذها، ولكلّ صنعة صانعٌ يتقنها، فالواجب إسناد كلِّ عملٍ إلى من يُحسنه أكثر من غيره، ومراعاة التخصصات، واعتبار المؤهّلات العلميّة والعمليّة والذهنيّة عند إسناد الوظائف والمهمّات إلى أهلها، وتوجيه الأفراد إلى المجالات التي تناسبهم بناءً عليها.
5- الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة
- التوضيح: الأصل في جميع صلاحيّات الوليّ الخاصّ أن تنتقل إلى السلطان بمقتضى ولايته العامّة عند غياب الأوّل، لكن إذا وُجدت الولاية الخاصّة، فتُقدَّم على ولاية السلطان أو نائبه؛ لأنّها ولايةٌ لمُختصٍّ بها، بينما ولاية السلطان تشملُ ذلك بطريق العموم، وما كان أقلّ اشتراكاً، كان أقوى تأثيراً وامتلاكاً، أي تمكُّنًا.
6- الأصل عند اجتماع الحقوق أن يُبدَأ بالأهم
- التوضيح: عند تزاحم الحقوق لا يقدَّم فيها أحد على أحد إلا بمرجّح ومقتضٍ يقتضي تقديمه، ويبرهن على أنّه أولى ممّا تمّ تأخيره عنه وتأجيله إلى ما بعده، فإنّه لا يجوز تقديم ما أخّره الله، ولا تأخير ما قدّمه، لا سيما عند ازدحام الحقوق، وتضاؤل القدرة عن الوفاء بها جميعاً، أو ضيق الإمكانات عن الوفاء بكلّ الحقوق في وقتٍ واحدٍ، وإن كانت تسع الجميع في الواقع.
لاتوجد تعليقات