
الصحابة -رضي الله عنهم- وبلا د الشام
- الشام كانت وجهة لكثير من الصحابة الذين كانوا يرافقون الجيوش لنشر الدين الحنيف وتعاليمه ونشر العلم النافع وتحفيظ القرآن الكريم
- القدس من أهم مدن الشام بل عاصمتها الدينية وفيها المسجد الأقصى القِبلة الأُولى ومَسْرَى الرسول صلى الله عليه وسلم
- فضائل الشام لا تعني أنّ الإقامة بها تُغني عن أداء الواجبات والأعمال الصالحات بل هي بيئة صالحة مُعِينة على الخير
- اختلط تراب بلاد الشام بدماء الصحابة فمنهم من استشهد ومنهم من مات ودفن بدمشق ومنهم من عرفت قبورهم ومنهم من لم تعرف لتقادم الأعوام
كانت الشام تضم بين صفوفها الكثير من الصحابة الذين كانوا يرافقون الجيوش لنشر الدين الحنيف وتعاليمه ونشر العلم النافع وتحفيظ القرآن الكريم، ونلقي الضوء على الدّافع لاختيارِ الصحابة -رضي الله عنهم- الشام خصوصا، وكذلك على بعض الصحابة الذين اختاروا الشام وجهةً لهم، ولماذا دمشق بالذات؟! تساؤل يتبادر إلى الذهن، ولذلك نوضح أسباب اختيار الصحابة الكرام للشام.
أولاً: التوجيه القرآني
لقد رَبَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين على تعاليم القرآن الذي كان له الدَّور الأساس في تعبئتهم التربوية والإيمانية، فوجدوا آياته تقصّ عليهم ما جرى للأنبياء -عليهم السلام- في «الأرض المباركة» بلاد الشام التي تتكرر في آيات كثيرة؛ نحو قوله -تعالى-: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} (الأعراف:137)، وقال -تعالى-: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 71)، وقال -تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} (الإسراء:1)، فالقدس من أهم مدن الشام، بل عاصمتها الدينية وفيها المسجد الأقصى القِبلة الأُولى ومَسْرَى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والمبارك حول الأقصى كل بلاد (الشام) التي كانت ولاية من دولة الإسلام.ثانياً: التوجيه النبوي
لقد صَحَّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أكثر من 20 حديثًا في فضل الشام، وجاء في بحث نافع بعنوان: «مكانة الشام ودمشق - قراءةٌ في الحديث النبوي» إلى أنه: «ورد في فضل الشام عموما ودمشق خصوصا من الأحاديث والآثار ما لم يَرِد في فضل مدينة أخرى من مدن الإسلام إذا استثنينا مكة المكرمة، والمدينة المنورة». وهذه جملة مِن الأحاديث:تَكفَّل الله بالشام وأهله
عَن عبدِ اللهِ بنِ حَوَالَةَ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «سيصيرُ الأَمْرُ إلَى أَنْ تكونوا جنودًا مجنَّدَةً، جنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيمنِ، وَجُنْدٌ بِالعِراقِ» قَالَ ابنُ حَوالَةَ: خِرْ لِي يَا رسولَ اللهِ إنْ أدركْتُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «عليك بِالشَّامِ، فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِليْها خِيرَتَهُ مِنْ عِبادِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتمْ فعليْكم بِيمنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِن اللهَ توَكَّل لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ» رواه أحمد وأبو داود وغيرهما. والغُدُر: أحواض الماء.هي حِصْن المسلمين
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ. مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ» رواه أحمد وأبو داود. وفي رواية الحاكم: «خير منازِلِ المُسْلمين» وصحَّحه، ووافقه الذهبي. والفُسطاط هنا: الحِصْن.الملائكة تحميها
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا عندَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «طُوبَى لِلشَّاْم». فَقُلْنَا لأي ذَلكَ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَالَ: «لأنَّ مَلائكةَ الرَّحْمن بَاسِطَةٌ أجْنحتها عليْها» رواه أحمد والتِّرمذي وقال: حَدِيثٌ حسن غرِيبٌ. وصححه ابن حِبان. وكلمة «طُوبى» بِوزْن بُشْرَى: أيْ حالَةٌ طيِّبة.هي الأقلّ فسادًا وبها الطائفة المنصورة
عَنْ معاوِية بْن قُرَّةَ عَنْ أبِيهِ - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلاَ خَيْرَ فِيكم. لا تزالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» رواه الترمذي وقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.مَن أقام بها بِنيّة الرِباط أُجِر
عن سَلمة بْن نُفَيْلٍ أنه أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي سَمَّنْتُ الْخَيْلَ وألْقيتُ السِّلاحَ ووضعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا؛ قلتُ: لا قتَالَ! فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الآنَ جَاءَ الْقِتَالُ! لا تَزَالُ طائفةٌ مِنْ أُمَّتي ظاهرينَ عَلَى النَّاسِ، يُزيغُ اللَّه قُلوبَ أَقْوَام فيُقاتلونَهمْ وَيَرزقهُمْ اللَّه منهم حتى يأْتي أَمْرُ اللَّهِ -عزَّ وجلَّ- وَهُم عَلَى ذلكَ، أَلا إِنَّ عُقْرَ دَارِ المؤمِنينَ الشَّامُ» رواه أحمد والنسائي بنحوه.آثار كثيرة موقوفة على الصحابة
هذه بعض الأحاديث النبوية المرفوعة، وهناك آثار كثيرة موقوفة على الصحابة، حتى اعتبره الإمام الشَّعْرانيُّ عهدًا نبويًّا فقال: «أُخِذَ علينا العهدُ العامُّ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُرَغِّب إخواننا التجّار الذين يُسافرون إلى الشامِ أنْ يجعلوا مُعظم نيَّتهم امثتالَ أمرِ الشارعِ في سُكنى الشَّامِ - فيُثابوا على ذلك - دون التجارةِ». وقد جمع هذه الأحاديث عشرات العلماء كابن عساكر في (تاريخ دمشق)، وأفردوها بالتأليف، وهذه نماذج مما طُبِع منها: (ترغيب أهل الإسلام في سُكنى الشام) للعز ابن عبدالسلام، و(فضائل الشام) لابن رَجَب الحنبلي، و(الإعلام بسَنِّ الهجرة إلى الشام) لبرهان الدين البقاعي، كلُّ هذا يفسِّر كثافة مشاركة الصحابة في معركة اليرموك (13هـ) التي اعتَرضت طريقهم إلى فتح الشام؛ حيث «كان في ذلك الجمع ألف رجل من الصحابة منهم مائة من أهل بدر» (البداية والنهاية: 9:7).تَنبِيه مُهِمّ
تَجدر الإشارة إلى أنّ فضائل الشام لا تعني أنّ الإقامة بها تُغني عن أداء الواجبات والأعمال الصالحات، بل هي بيئة صالحة مُعِينة على الخير، لذا قال سلمان الفارسي - رضي الله عنه - حين أُلِحَّ عليه بالقدوم إلى الشام: «إنّ الأرضَ لا تقدِّس أحدًا وإنما يقدِّس الإنسانَ عَمَلُه»، وقد اختلط تراب بلاد الشام بدماء الصحابة؛ فمنهم من استشهد ومنهم من مات ودفن بدمشق، ومنهم من عرفت قبورهم ومنهم من لم تعرف لتقادم الأعوام، وحق لدمشق أن تفخر حتى فيما حواه ترابها من أجساد طاهرة، ونذكر منهم ما يلي:أبو الدرداء الخزرجي الأنصاري - رضي الله عنه -
قال عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هو حكيم أمتي»، وقد ولي قضاء دمشق في خلافة عمر بن الخطاب توفي في خلافة عثمان - رضي الله عنه - عام 32 هـ وظل قبره معروفاً في مقبرة باب الصغير ولأبي الدرداء مسجد في قلعة دمشق فهو مقامه ومقره.اُبي بن كعب بن قيس الخزرجي الأنصاري - رضي الله عنه -
هو أول من كتب للنبي -عليه الصلاة والسلام- وكان من أصحاب العقبة، شهد بدراَ والمشاهد كلها، توفي عام 22 هـ في خلافة عمر، ودفن خارج باب شرقي، وقبره يزار، وبني عليه جامع. بلال بن رباح -رضي الله عنه - مؤذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مات في دمشق في خلافة عمر عن ثلاث وستين سنة وهو مدفون في باب الصغير، وعلى قبره قبة معروف بها.حرملة بن الوليد بن المغيرة المخزومي -رضي الله عنه -
هو أخو خالد بن الوليد - رضي الله عنه - مات بدمشق ودفن في غوطة دمشق بقرية دير حرملة.حجر بن عدي الكندي الكوفي - رضي الله عنه -
استشهد في عهد معاوية بن أبي سفيان عام 51 هـ مع عدد من الصحابة وقد استشهد في مرج عدرا قرب دمشق.دحية بن خليفة بن فضالة الكلبي - رضي الله عنه -
هو رسول النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابه إلى عظيم بصرى ليوصله إلى هرقل، وقد شهد موقعة اليرموك، ونزل دمشق، وسكن المزة بجوار دمشق وكان يضرب به المثل في حسن الصورة والجمال، توفي 50 هـ في المزة، ولايزال ضريحه في مقبرة المزة القديمة تقصده الناس بالزيارة.زيـــد بن ثـابت - صلى الله عليه وسلم -
كان زيد - رضي الله عنه - يكتب الوحي، وقد ولاه الخليفة عمر بن الخطاب على المدينة ثلاث مرات، وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - قد أمره بجمع القرآن في الصحف، ويقال إنه مدفون في باب السريجة في جامع باسمه.سهل بن الحنظلة بن ربيع الأنصاري - رضي الله عنه -
من بني الحارث من الأوس، كان ممن بايع تحت الشجرة، وهو عالم فاضل، سكن الشام ومات بدمشق في أول خلافة معاوية، ودفن في مقبرة باب الصغير.ضرار بـن الأزور- رضي الله عنه -
أحد الأبطال الكبار في صدر الإسلام، اشتهر بجهاده في حروب الردة تحت قيادة خالد بن الوليد، واستشهد في أثناء فتح دمشق، قبره خارج باب شرقي.فضالة بن عبيد الأنصاري- رضي الله عنه -
شهد غزوات الرسول كلها، وشهد فتح مصر، وسكن دمشق وولي قضاءها لمعاوية، وأمره على غزوة الروم في البحر، مات بدمشق عام 53 هـ ودفن في باب الصغير، وقد حمل جنازته معاوية وقال لابنه يزيد: أعِن بحمل نعشه فلإنك لا تحمل بعد مثله.
لاتوجد تعليقات