رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. ياسر حسين محمود 4 مارس، 2024 0 تعليق

الشرك ينافي الإيمان

إذا تأمل الإنسان عقائد العالَم، عَلِم فضل الله عليه بالتوحيد ونبذ الشرك، وكان أحرص شيء على شكر هذه النعمة بالثبات عليها والدعوة إليها، ومحاولة إخراج الناس من ظلمات الجاهلية، وبذل الجهد لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه، {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}.

        وأكثر الناس لا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل ودعوتهم إلى التوحيد، بل {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) ‌وَجَعَلُوا ‌لِلَّهِ ‌أَنْدَادًا ‌لِيُضِلُّوا ‌عَنْ ‌سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} (إبراهيم: 28-30). ومع الأسف وُجد في المسلمين في عصرنا الحالي مَن يعتقد أن الله جعل بعض صفات الربوبية في بعض أنبيائه وأوليائه، وأن ذلك هو من المعجزات والكرامات، وليس كذلك؛ فإن الله -سبحانه- لا شريك له في ربوبيته، وأما ما يحتج به أهل الضلال من أن عيسى -عليه السلام- يخلق الطير، فهذا ليس بصحيح، وإنما معنى قوله -تعالى-: {أَنِّي ‌أَخْلُقُ ‌لَكُمْ ‌مِنَ ‌الطِّينِ ‌كَهَيْئَةِ ‌الطَّيْرِ} (آل عمران: 49): أنه يشكِّلها كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربِّه -عز وجل- في وعيد المصورين: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ‌ذَهَبَ ‌يَخْلُقُ ‌كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً» (متفق عليه)، فعيسى -عليه السلام - لم يجعل الطين طيرًا، وإنما نفخ فيه بأمر الله، فجعلها الله -عز وجل- كذلك. وكيف يستقيم ذلك مع قول الله -عز وجل-: {وَلَئِنْ ‌سَأَلْتَهُمْ ‌مَنْ ‌خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (الزخرف: 87)، وقوله -تعالى-: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ‌خَلَقَهُنَّ ‌الْعَزِيزُ ‌الْعَلِيمُ} (الزخرف: 9)؟! لقد كفروا بنعمة الله بالتوحيد، حين اعتقدوا أن الله يجعل صفات الربوبية لأوليائه، وكذلك اعتقادهم في الأولياء أنهم قادرون على قبض الأرواح وعلى ردِّها، وعلى شطب الأرزاق ومحوها؛ فإن ذلك من أنواع الشرك في الربوبية التي يكفر مَن قال بها بنعمة الله بالتوحيد. وكذا مَن يقولون بوجود مَن يُشرِّع مِن دون الله -سبحانه وتعالى-، ومن يعتقدون أن القوانين الوضعية، أنسب للناس في هذه الأزمان من شريعة الله -سبحانه وتعالى-؛ فهذا من أقبح الشرك في الربوبية. وكذلك الشرك في الألوهية بصرف العبادة مِن: ركوع، أو سجود، أو دعاء، أو استعاذة، أو استغاثة، أو ذبح أو نذر، أو حب عبادة وهو خوف مع ذلٍّ وانقياد، أو خوف عبادة وهو خوف سري يدعو إلى طاعة باطنة، ويتقرَّب بهذا الخوف إلى مَن يخاف، أو حَلِف، أو غير ذلك؛ فهذا أيضًا من الشرك الذي يكفر به مَن كفر بنعمة الله -سبحانه وتعالى. وكذلك الشرك في الأسماء والصفات: بأن يعتقد للمخلوقين صفة الخالق -عز وجل-: كالسمع المحيط، والعلم بالغيب، والقدرة التامة، والبصر المحيط، أو ينفي صفات الرب -سبحانه وتعالى-، ويشبهه بالجمادات أو المعدومات؛ فأنواع الشرك تنافي الإيمان بالله -عز وجل. وكذلك مَن وصف الرب بصفات النقص: كمَن ينسبون له التعب، ومَن ينسبون له الصاحبة والولد، ومن ينسبون له الجهل، وعدم القدرة، كل ذلك من الشرك في الأسماء والصفات، وكل ذلك ينافي الإيمان بالله؛ إذ إن كثيرًا مِن الناس يظن أن الإيمان هو اعتقاد وجود الله حتى لو عبد غيره وأشرك به! وهذا في الحقيقة قول غلاة الجهمية والمرجئة، وهو مِن أفسد الاعتقاد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك