
الشباب المسلم – 1250
من آثار التدين والالتزام
إنَّ الملتزم هو ذلك الشاب المستقيم على الشرع والعامل به، والمُتَّبع لسُنّة نبيه - صلى الله عليه وسلم - قولا وعملاً، وهذه هي حقيقة الالتزام، ولا شك أنَّ سعادة الإنسان مرتبطة بهذا التدين والالتزام، لأن الله -سبحانه- لا يرضى لعباده إلا ما فيه خيرهم وصلاحهم، ولهذا التدين آثار على حياة الإنسان نذكر منها ما يلي:
- أول تلك الآثار أن هذا التدين يُعرِّفُ الإنسان بحقيقة نفسه، ومكانته في هذا الوجود، فهو مخلوق لله، خلقه -سبحانه- في أحسن تقويم، وكرَّمه الله على سائر مخلوقاته، فإذا عرف الإنسان حقيقة نفسه سار في حياته على هدى ونور من ربه، قال -تعالى-: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الملك:22) وهذا الاهتداء لا يحصل إلا لمن كان على دين قويم.
- ومن أهم آثار التدين والالتزام أنه يُعرِّف الإنسان أن لهذا الكون خالقًا ومدبرًا، وأن ما من شيء في هذا الكون إلا بأمره -سبحانه-، كما قال -سبحانه-: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}(الأعراف:54).
- ومن آثار التدين أن يعرف الإنسان الغاية من وجوده في هذه الحياة، وهي عبادة الله وحده، وأنه لم يُخلق عبثًا ليلعب ويلهو، ويأكل ويشرب، بل خُلق للعبادة قبل كل شيء، قال -سبحانه-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56)، وقال -تعالى-: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} (المؤمنون:115)، فإذا عرف المؤمن الغاية التي لأجلها خُلق، والهدف الذي يحيا له، عاش حياة مطمئنة ومستقرة، مصداق ذلك قوله -تعالى-: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (يونس: 62-64).
معاملة الناس باللطف
قال ابن القيم -رحمه الله-: «فليس للقلب أنفع من معاملة الناس باللطف، فإن معاملة الناس بذلك: إما أجنبي فتكسب مودته ومحبته، وإما صاحب وحبيب فتستديم صحبته ومحبته، وإما عدو ومبغض، فتطفئ بلطفك جمرته، وتستكفي شره، ويكون احتمالك لمضض لطفك به دون احتمالك لضرر ما ينالك من الغلظة عليه والعنف به».
السعادة الحقيقية
السعادة الحقيقية لا تعني التفوق المادي ونحوه، وإنما السعادة الحقيقة يحياها من التزم دين الإسلام حق الالتزام، يشهد لهذا واقع الناس اليوم، فإن كثيرًا ممن لا يدين بهذا الدين يشعر بالفراغ الروحي، وبفقدان الأمن والاستقرار النفسي، وقد ذكر -سبحانه- في كتابه الكريم أن حصول الأمن إنما يحصل لعباده الذين أمنوا به واتبعوا سبيله، فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الأنعام:82)، فمع الإيمان الحق يكون الأمن والاطمئنان، ومع الإعراض يكون الضنك والشقاء، قال -تعالى-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه:124).
صفات الشاب الملتزم
إن الصفات التي يجب أن يتحلى بها كل شاب ملتزم ومستقيم كثيرةٌ جدًا من أهمها الهدي الظاهر، كإعفاء اللحية، وتقصير الثياب والمحافظة على الصلاة في المساجد، واجتناب الملهيات وغيرها، ومجالسة أهل الخير والاستقامة، وملازمة مجالس العلماء، لكن هل هذه الأمور تكفي وحدها؟
إنَّ هذه صفات ظاهرة، يجب على الملتزم أن يتحلى بها، ولكن هناك صفات أخرى يجب ألا تفارق كل شاب ملتزم، حتى يكمل التزامه، ويصدق تدينه، ويكون من المستقيمين حقًا، من أهمها ما يلي:
- حسن الخلق ومعاملة الناس بالحسنى، قال -تعالى-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159)، وعن أبي ذر رضى الله عنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».
- ومن تلك الصفات التأدب مع الغير، ولاسيما الأبوين، وذلك ببرهما وطاعتهما في غير معصية، وهذا أمر واجب، وأن يكون واصلاً لأرحامه، ومؤديًا لحقوقهم التي عليه تجاههم، وكذلك تأدبه مع جيرانه وعدم إيذائهم ومعرفة حقهم، وصدق الحديث معهم ومع غيرهم.
- ومن صفات الشاب الملتزم: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله ! ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
التفريط في الآخرة
قال الشيخ عبدالرزاق عبدالمحسن البدر: كم يحصل للمرء من ندامة على ما يقع منه من تفريط في بعض مصالحه الدنيوية، والجاد من الناس يعمل بجد حتى لا تقع له هذه الندامة، لكنَّ الكثير منهم يغفل عن العمل الجاد للدار الآخرة فيبوء في ذلك اليوم بندامة وحسرة لا تجدي {حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا}.
التدين بدين الإسلام
إذا كان التدين عمومًا حاجة إنسانية، وفطرة فطر الله الناس عليها، فإن التدين بدين الإسلام هو الذي لا يقبل الله من عباده غيره، ولا يرضى الله لعباده سواه، قال -تعالى-: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}(آل عمران:19) وقال أيضًا: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ( آل عمران: 85).
زمن الرفق

قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: هذا العصر عصر الرفق والصبر والحكمة، وليس عصر الشدة، الناس أكثرهم في جهل، في غفلة إيثار للدنيا، فلابد من الصبر، ولابد من الرفق حتى تصل الدعوة إليهم، وحتى يُبلَّغ الناس وحتى يعلموا دين الله عزوجل.
الأمور التي يُستجلب بها التوفيق
مما ينبغي أن يعتنى به الشباب معرفة الأمور التي يُستجلب بها التوفيق ومن أهم هذه الأمور:
- النية الصالحة التي هي أساس العمل وقوامه وصلاحه.
- كثرة الدعاء والإلحاح على الله؛ فإن من أُعطي الدعاء فقد أعطي مفتاح التوفيق وبابه.
- وصدق التوكل على الله جل وعلا.
- إصلاح النفس بالعلم؛ فإن العلم نورٌ لصاحبه وضياء، فما أُتي من أتي في هذا الباب إلا من إضاعته لعلم الشريعة التي هي أعظم أبواب التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة.
- مجاهدة النفس على العبادة والطاعة فرضها ونفلها.
- ملازمة أهل الصلاح والاستقامة، والبُعد عن أهل الشر والفساد؛ فإن من فتح على نفسه باب مجالسةٍ لأهل شرٍ وفساد فتح على نفسه من باب الخذلان والحرمان شيئا عظيمًا بحسب حاله من هذه المجالسة.
لاتوجد تعليقات