رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 27 أبريل، 2025 0 تعليق

السنن الإلهية (38) من آثر الحق.. أرضاه الله

- كلمة {سنن}  بتصريفاتها، وردت في ست صيغ: {سنة الله}، {سنتنا}، {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا}، {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ من قَبْلُ}، {سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ}، {سنن}، فأضفت مرة إلى رب العزة {سُنَّةَ اللَّهِ}، ومرة إلى من جاء بها وهم المرسلون {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا}، ومرة ثالثة إلى من  خوطب بها وهم أقوام الرسل أو الأولون {سنن الذين من قبلكم- سنة الأولين}، ووردت في خمسة مواضع بتأكيد أنها لا تبديل لها ولا تحويل. - تصنيف جميل، وتعلم أن السنة الإلهية يمكن أن تأتي بلفظ {تأذن ربكم}، و{كتب الله}، و{حقا علينا}، {وعاقبة المتقين}، و{عاقبة الظالمين}، وغيرها من الصيغ التي تحتاج إلى تتبع في كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. كنت وصاحبي في طريقنا لتهنئة صديق لنا بمناسبة زواج ابنه. - آمل ألا نصادف زحاما بشريا كما حصل الأسبوع الفائت في حفل زفاف ابن صديقنا مشاري. - لنحتسب الأجر، والتيسير من عند الله. - ماذا عن سنة الله فيمن آثر الحق على الخلق؟! يقول ابن القيم: «لقد جرت سنة الله التي لا تبديل لها، أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاة الحق، أن يسخط عليه من آثر رضاه ويخذله من جهته، ويجعل محنته على يديه؛ فيعود حامده ذاما، ومن آثر مرضاته ساخطاً فلا على مقصوده منهم حصل، ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل، ومن آثر رضا الله كفاه الله مؤنة غضب الخلق، وإذا آثر رضاهم لم يكفوه مؤنة غضب الله عليه، مع أن رضا الخلق لا مقدور، ولا مأمور ولا مأثور فهو مستحيل» (مدارج السالكين 2/300). والمؤثر لرضا الله متصد لمعاداة الخلق وأذاهم وسعيهم في إتلافه ولابد، هذه سنة الله في خلقه، وإلا فما ذنب الأنبياء والرسل والذين يأمرون بالقسط من الناس والقائمين بدين الله الذابين عن كتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - عندهم؟ فمن آثر رضا الله فلابد أن يعاديه رذالة العالم وسقطهم وجهالهم وأهل البدع والفجور منهم وأهل الرياسات الباطلة، وكل من يخالف هديه، {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} (التوبة:62). كتب معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- إلى عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه، ولا تكثري علي، فكتبت عائشة -رضي الله عنها- إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس. والسلام عليك» {رواه الترمذي وصححه الألباني}، وفي رواية ابن حبان في صحيحه: «من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله -تعالى- عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط اللهُ عليه ، وأسخط عليه الناس». أدركنا المكان الذي نريد، بدا المكان مزدحما، نظر إلي صاحبي أن نعود. - بل احتسب ولنبارك لصاحبنا. اضطررنا أن نوقف مركبتنا بعيدا نسبيا لكثرة الحضور، كان هناك طابور طويل من المهنئين، لم نقف معهم، دخلنا القاعة، لمحنا شقيق صاحبنا، فأخذ بيدينا، وتخطى الجموع، لنهنئ صاحبنا، وتناولنا شيئا من المقبلات وعدنا إلى مركبتنا. - لقد  يسر الله لنا، الحمد لله، لنتابع حديثنا: - نعم كثيرا ما يضطر العبد أن يختار بين أمرين، فالواجب أن يختار ما فيه رضا الله -عز وجل-، وإذا كان الأمران مباحين، اختار أيسرهما، كما في الحديث عن  عروة عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: « ما خُيِّرَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بيْنَ أمْرَيْنِ إلَّا اخْتارَ أيْسَرَهُما ما لَمْ يَأْثَمْ، فإذا كانَ الإثْمُ كانَ أبْعَدَهُما منه، واللَّهِ ما انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ في شيءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ قَطُّ، حتَّى تُنْتَهَكَ حُرُماتُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ » {متفق عليه وهذا لفظ البخاري}. - إن إيثار الحق على الخلق، يورث الطمأنينة، والفوز في الدنيا والآخرة، أي شيء أعظم من رضا الله على العبد، ثم بعد ذلك ينال محبة الله، إن كان هذا ديدنه، إيثار الحق على الخلق، ومن نال حب الله أحبه أهل السماوات وأهل الأرض رغما عنهم. قال ابن القيم: «وسنة الله في خلقه أن يرفع من يقدم الحق على الخلق ويذلهم له، بحسب صبره وتقواه وتوكله وإخلاصه، وإذا كان لا بد من الألم والعذاب، فذلك في الله وفي مرضاته ومتابعة رسله أولى وأنفع منه في الناس ورضائهم وتحصيل مراداتهم، فإذا تصور العبد أجل ذلك البلاء وانقطاعه وأجل لقاء المبتلي -سبحانه- هان عليه ما هو فيه» (شفاء العليل 1-246). لقد حضرتني للتو الآية من سورة الأحزاب في قصة أم المؤمنين زينب  بن جحش الأسدية -رضي الله عنها- ابنة عمة النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} {الأحزاب:36}. يقول ابن عباس - رضي الله عنه -: «انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب على فتاة زيد بن حارثة، فدخل على زينب بنت  جحش الأسدية فخطبها، قالت: لست بناكحته، فقال - صلى الله عليه وسلم -:  فانكحيه، فقالت يا رسول الله أؤمر في نفسي؟ فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: رضيته لي يا رسول الله منكحا! قال:  نعم، قالت: إذن لا أعصي رسول الله، قد أنكحته نفسي...»، ومكثت مع زيد سنة واحدة، ولم يتوافقا فطلقها، ثم تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمر الله، فعوضها الله لطاعتها لأمر الله أن زوجها بخير البشر؛ لتكون أما للمؤمنين، وكانت تفتخر بعد ذلك على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات. (البخاري). - كلام جميل، والعكس صحيح، اسمع ما يقوله الإمام ابن القيم -رحمه الله-: «ما أكثر ما يقدم العبد ما يحبه هو ويهواه أو يحبه كبيره أو شيخه أو أهله على ما يحبه الله -تعالى-، فهذا لم تتقدم محبة الله -تعالى- في قلبه جميع المحاب، وسنة الله -تعالى- فيمن هذا شأنه أن ينكد عليه محابه وينغصها عليه، فلا ينال شيئاً منها إلا بنكد وتنغيص، جزاء له على إيثاره هواه وهوى من يعظمه من الخلق، أو يحبه على محبة الله -تعالى-، قد قضى الله -عز وجل- قضاء لا يرد ولا يدفع: أن من أحب شيئا سواه عذبه به، ولا بد وأن من خاف غيره سلطه عليه، وأن من اشتغل بشيء غيره كان شؤما عليه، ومن آثر غيره لم يبارك له فيه,، ومن أرضى غيره بسخطه أسخطه عليه». (الوابل الصيب 1-1).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك