رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 19 فبراير، 2025 0 تعليق

السنن الإلهية (31) نولّه ما تولّّى!

- كلما أظهر العبد افتقاره بصدق إلى الله كان دعاؤه أرجى بالإجابة. - ماذا تعني بهذه العبارة؟ كنت وابني معاذ بانتظار أول ولد ذكر له، وزوجته أخلت منذ صلاة الفجر وتجاوزت الساعة العاشرة صباحا، فكان يدعو الله قلقا، أن ييسر الأمر. - في الحديث عن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دعوات المكروب، الله رحمتك أرجو؛ فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، أصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت» (صحيح الجامع). فالعبد يذكر نفسه دائما، أن يتولى الله شأنه كله، هدايته، وعافيته، ورزقه، وثباته على الحق، وصلاح ذريته، وطيب عيشه، وحسن خاتمته، فيحقق قوله: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، فلا يكون في قلبه ملجأ غير الله -عز وجل. - هذه حقيقة يغفل عنها الإنسان معظم الوقت، ويتذكر بعضهم في المصيبة والكرب. - وهنا تختلف مواقف الناس بحسب درجات إيمانهم، ومن أعظم ما يجب أن يوكل العبد إلى الله الهداية والثبات على الحق. يقول -عز وجل-: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115)، هذه الآية فيها تحذير شديد أن يبحث المرء عن الهداية في غير الكتاب والسنة بفهم الصحابة -رضي الله عنهم-؛ ذلك أن من يختار غير هذه السبيل، يتركه الله -عز وجل- لاختياره! ومن يتخل الله عنه، يهلك. كنت أحاول أن أصرف ذهن معاذ عما كان يشغله. - وهذا معنى قوله -تعالى-: {يُضِلُّ مَن يَشَاءُ}؟ - نعم، فالله -عز وجل- يهدي من سلك سبيل الهداية، ومن أعرض عنها، يتركه لاختياره، وهذا هو الضلال والهلاك، فالعبد هو السبب، يقول الله -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (الصف:5). قال صاحب المنار، والذي أريد توجيه الأذهان إلى فهمه هو أن هذه الجملة مبينة لسنة الله -تعالى- في عمل الإنسان ومقدارها أعطيه من الإرادة والاستقلال والعمل بالاختيار فالوجهة التي يتولاها في حياته، والغاية التي يقصدها من عمله يوليه الله إياها، ويوجهه إليها، أي: يكون بحسب سنة الله -تعالى- واليا سائرا على طريقها فلا يجد من القدرة الإلهية ما يجبره على ترك اختياره لنفسه، ولو شاء الله -سبحانه- لهدي الناس جميعا بخلقهم على حالة واحدة في الطاعة كالملائكة، ولكنه -سبحانه- شاء أن يخلقهم على ما نراهم عليه من تفاوت في العمل، كل فرد بحسب ما يرى أنه  خير له وأنفع في عاجله أو آجله أو فيهما جميعا. سألني: - وماذا تعني بـ(صاحب المنار)؟ - هو الشيخ (محمد رشيد رضا، ولد في قرية القلمون (لبنان) عام 1865، وهي قرية تبعد عن طرابلس الشام خمسة كيلو مترات، وانتقل إلى مصر عام 1898م، واستقر في القاهرة؛ حيث أصدر مجلة المنار، وتوفي عام 1935م، ويعد من علماء السلف المعاصرين. لنرجع إلى حديثنا، قاطعني. - اسمح لي أن أسأل الممرضة عن وضع (لولوة). لم ينتظر ردة فعلي، غاب دقيقتين. - تقول: إن الدكتورة معها، وتبدأ عملية الولادة القيصرية. - ستكون الأمور بخير -بإذن الله- فاستعن بالله وأوكل الأمر إليه. - ونعم بالله! تابعت حديثي محاولا إلهاءه. - فالعبد الذي يختار أن يتولى المنهج العقلي والمنطق يتركه الله لمنهجه، وهذا لا شك أنه على ضلال وهو يحسب أن منهجه أرقى منهج للبشر: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} (النمل:24)، وهذه الآية نزلت في وصف قوم ملكة سبأ، كانوا يعبدون الشمس! ويحسبون أنهم مهتدون، وكذلك من كانوا يعبدون الأصنام، وكذلك من يتبعون الأبراج، ويظنون أن الأبراج تؤثر على شخصية الإنسان، وطبعه، وأخلاقه، وتوافقه مع زوجه، ونجاحه في عمله، هؤلاء تولوا الأبراج والنجوم فتركهم الله لما اختاروا فضلوا عن السبيل. قاطعني: - ولكن أعرف كثيرا ممن يطلعون على هذه الأمور من باب التسلية والفضول. وهذا باب خطر، وسبيل يزينه الشيطان  أقله يخدش التوحيد، وربما أنقصه. لم يخف استغرابه من حدة إجابتي. - اسمع هذه الأحاديث: «عن ابن عباس - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» (صحيح أبي داود). وفي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين  يوما»، هذا إذا سأله دون أن يصدقه! أما إذا صدقه، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه: «من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» (السلسلة الصحيحة). قال ابن تيمية -رحمه الله-: «والمنجّم والعرّاف يدخل في اسم الكاهن»، وعن عمر - رضي الله عنه - قال: «تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق ثم أمسكوا»، من تولى الأبراج، تركه الله لهذا العلم، فلم يوفق، ومن تولى علم الطاقة تركه الله لهذا العلم  فلم يوفق، ومن تولى علم المنطق والفلسفة، تركه الله لهذا العلم فلم يوفق، الهداية والخير والنجاح والفلاح، أن يتولى المرء كتاب الله -عز وجل-، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - بفهم الصحابة -رضي الله عنهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك