رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 28 مايو، 2025 0 تعليق

الدنيا دارُ امتحان ومَيْدانُ ابتلاء

       إنَّ هذه الحياة الدنيا دارُ امتحان ومَيْدانُ ابتلاء، وما من عبد في هذه الحياة إلا وهو مبتلى، ثم إلى الله -جل شأنه- المرجع والمآب {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (النجم:31)، يقول الله -تبارك وتعالى-: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء:35).

        والابتلاء في هذه الحياةِ الدنيا تارة يكون بالرخاء والنعمة، وتارة يكون بالشدة والمصيبة، تارة يكون بالصحة وتارة يكون بالمرض، تارة يكون بالغِنى وتارة يكون بالفقر؛ فالمؤمن عرضة للبلاء في هذين البابين: باب الشدة وباب الرخاء، وهو من خيرٍ إلى خير في كل ابتلاءاته، ولهذا ثبت في المسند من حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «عَجَبًا لِلْمُؤْمِنِ! لَا يَقْضِي اللَّهُ لَهُ شَيْئًا إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ»؛ وقوله: (شَيْئًا) يتناول كل ابتلاء سواء كان شدة أم كان رخاء.

          والمؤمن الموفق إذا ابتلاه الله -جل وعلا -بالشدة والعسر، والمرض والفقر، ونحو ذلك من الابتلاءات تلقاها بالصبر؛ فيفوز في هذا النوع من الابتلاء بثواب الصابرين، وإذا ابتلاه الله -جل وعلا- بالرخاء واليسر، والصحة والعافية، والغنى والسعة، فإنه في هذا النوع من الابتلاء يكون شاكرا لله -جل شأنه- فيفوز بثواب الشاكرين، يوضح ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث صهيب بن سنان - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، فهو في مقام الضراء يفوز بثواب الصابرين، وفي مقام السَّعَة والرخاء يفوز بثواب الشاكرين؛ متقلبًا في هذه الابتلاءات بين صبر وشكر، وقد قال الله -تعالى- في أربعة مواضع من القرآن الكريم {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}؛ فذكر -جل شأنه- هذين المقامين العظيمين مقام الصبر على البلاء، ومقام الشكر على النعماء.

         وينبغي للمؤمن أن يعلم أن توسيع الله -جل شأنه- على بعض الناس في مالٍ أو صحةٍ أو تجارةٍ أو ولد أو غير ذلك من أنواع الإنعام ليس دليلا قاطعا على رضا الله عنه وإكرامه له، وكذلك ليس التضييق على العبد والتقتير عليه في ماله أو في صحته أو في سائر أحواله دليلا على عدم رضا الله عنه أو إهانته له ؛ فهذا ظن يظنه بعض الناس نفاه الله -جل وعلا- في قول الله -سبحانه وتعالى-: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} (الفجر:15-16)، قال الله -تعالى- نافياً هذا الظن {كَلَّا}: أي ليس الأمر كما يظنون، وليس الشأن كما يزعمون؛ فمن وسّع الله عليه في المال والصحة والولد وغير ذلك، ليس ذلك دليلا على رضا الله عنه وإكرامه له، وكذلك من ضيق عليه ليس دليلا على إهانة الله -جل وعلا- له؛ بل كل منهما مبتلى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك