
الخلق والدين من أهم صفات الزوج الصالح
من الصفات الرئيسة التي رسمها النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل الصالح، أن يكون مشهوداً له بالخُلق والدين، فإن جمع الرجل بينهما استحقّ أن يُزوّج إذا سأل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خطبَ إليكم مَن ترضَونَ دينَه وخلقَه، فزوِّجوهُ، إلَّا تفعلوا تَكن فتنةٌ في الأرضِ، وفسادٌ عريضٌ»، وجاء في تحفة الأحوذي أنّ المقصود من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خطبكم من ترضون دينه وخلقه» أي: إذا خطب من فتياتكم رجلٌ قد استحسنتم دينه، ورضيتم معاشرته فزوّجوه، ولبيان الخُلق والدين في الزوج لابدّ من تفصيلٍ في هاتين الصفتين كما يلي:
التوحيد
التوحيد هو أصل الدين وأوّله، وهو الفارق بين الإيمان والشّرك، والمؤمن الموحد مقصود لذاته، كون عبادته صحيحةً، وأخلاقه متينةً، سهل التعامل والتعاون معه، مدركٌ لمتطلبات الحياة الزوجية، بعيدٌ عن الأوهام، والبدع، والفواحش، وكبائر الإثم، كما أنه يحكّم شرع الله في حياته، وشؤونه في بيته، ومع زوجته، فمن اقترنت من النساء برجلٍ موحّدٍ تطمئنّ لدينه، وإيمانه، فإنّها بذلك قد اختصرت من حياتها جانباً كبيراً من المشكلات والخلافات الزوجية، التي قد تنشأ بينهما.
التقوى
وهي الغاية التي ينشدها كلّ مسلمٍ في حياته، وقد وعد الله -تعالى-أهل تقواه أن ينزّل عليهم بركاتٍ من السماء والأرض، كما في قوله -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}، وحتى تستقرّ التقوى في قلب العبد، فلابدّ من صفتين رئيستين قبل ذلك، هما: الخوف من الله -تعالى-، والحياء منه، فالحياء يمنعه من ارتكاب المعاصي، والخوف منه يدفعه إلى الترفّع عن أي ظلمٍ قد يقع منه على أحدٍ، وهاتان الصفتان تتحققان فيمن وقرت تقوى الله في قلبه، وهو ما تحتاجه الزوجة في حياتها الزوجية، فالزوج التقيّ يحبها، ويصونها، ويحفظها، ويكرمها، ويرعى مشاعرها، ويصبر على أخطائها، ولذلك فعندما جاء رجلٌ إلى الحسن البصريّ، يسأله عن صفات الرجل الذي يرضاه لابنته، قال: «ممّن يتقي الله، فإن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها».
الأمانة
الأمانة كذلك من أهمّ الصفات التي ينبغي أن تتوفر في الزوج، فالمرأة تحتاج الرجل الأمين الذي يقبل على عائلته متحمّلاً مسؤوليتها على أكمل وجهٍ، فلا يتهرّب ولا يقصّر في قضاء حوائجهم، وهو كذلك أمينٌ على زوجته، يعفّها، ويحبّها، ويغار عليها، ومن ثمّ يربّي أبناءها وهو مدركٌ أنّه المسؤول عن رعيّته.
اقتضت حكمة الله -تعالى-أن يخلق الناس مختلفين في الميول والاتجاهات والأمزجة، قال -تعالى-: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}، ومن هنا فقد حث الإسلام على مخاطبة الناس على قدر عقولهم، وعلى مقدار ما يستوعبون ويفهمون، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: « ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة» رواه مسلم.، فالإسلام قد أقر الفروق الفردية بين الأشخاص والأفراد، وإن كان هذا الكلام ينطبق على المجتمع المسلم كله فهو كذلك ينطبق على الأسرة المسلمة، فعلى الوالدين أن يعلما أن هناك فروقاً فردية بين الأبناء، فمنهم سريع الاستجابة، ومنهم بطيء الاستجابة، ومنهم الهادئ ومنهم كثير الحركة، فلا يعامل الأبناء كلهم معاملة واحدة، ولا يخاطبون بأسلوب واحد، قيل لأحد الحكماء: أي الأولاد أحب إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفى، والمسافر حتى يعود.
كيف تكونين صديقة لابنتك؟
البداية الصحيحة لإقامة علاقة متينة من الحب والود بين الأم وابنتها تأتي من إدراك الأم لحجم دورها الكبير في حياة ابنتها؛ فهي معلمتها الأولى التي تساعدها على المُضيِّ قدمًا في حياتها بنجاح وتميز، وهي التي تورثها العديد من القيم والفضائل التى تكوّن القاعدة الأخلاقية في شخصيتها، فالأم يجب أن تقيم علاقة صداقة مع ابنتها، تكون الأم فيها المثل الأعلى والقدوة الحسنة؛ ومن ثم تصبح حكيمة في التعامل مع ابنتها. فتكون رقيقة ولينة في الأوقات التي تقتضي ذلك، وتكون حازمة وشديدة في أوقات أخرى، ومن الوسائل التي تعين الأم على ذلك ما يلي:
(1) أظهري لها اهتمامك
أحياناً تنشغل الأم عن ابنتها، مكتفية بأن كل شيء على ما يرام من شؤونها الدراسية والصحية، بينما تحتاج الفتاة إلى مساحة أكبر من اهتمام الأم، وإلى كل ما يعبر عن هذا الاهتمام، مثل: الجلسات المتكررة التي تتجاذب فيها الأم مع ابنتها أطراف الحديث، حول كل ما يشغل بال الفتاة ويهمها؛ لأن الفتاة في هذه المرحلة لا يرضيها إلا أن تشعر أنها في مقدمة اهتمامات أمها، وتحتاج الفتاة إلى وجودها بجوارها لوقت كافٍ على مدار اليوم والليلة، حتى يتحقق التواصل الفعلي بينهما.
(2) امنحيها الكثير من الثقة بنفسها
أحياناً يكون أسلوب الأم في التوجيه وإبداء الملاحظات جارحًا، يعتمد على النقد المستمر، دون أن تقدم تفسيرًا أو نصيحة عملية للفتاة، مما يصيبها بالإحباط، ومن ثم تضعف العلاقة والتواصل بينها وبين أمها؛ لأنها سوف تتحاشى الكلام، أو أخذ رأي أمها حتى لا تسمع ما يؤذيها غالبًا، بينما الأم هي أقدر الأشخاص على تدعيم ثقة الفتاة بنفسها، وتعليمها كيف تحب نفسها وتقدرها.
(3) اجعليها مستشارتك
اطلبي من ابنتك الرأي والمشورة في إطار الأمور التي تريدين لها أن تتدرب على تكوين الرأي الصائب فيها، هذا الأمر يدعم الثقة والمحبة بينكما إلى أقصى حد، وبالطبع ستطلب ابنتك أيضا منكِ المشورة في شؤونها، ولا يخفى أن من أفضل العوامل المهمة لكي تكسب الأم ود ابنتها هو تبادل الرأي والمشورة بينهما، فتقدم الأم لابنتها الخبرات التي تعدها أمًا للمستقبل، وتتعلم الابنة من خلال هذه المشاورات: طريقة التفكير السليم، وكيفية أخذ القرار والاستفادة من التجارب السابقة، وإذا حدث خلاف، فلتتناقش معها بود، وتقنعها بأسلوب منطقي، وتشركها معها في الأعمال المنزلية، وتشاركها في هوايتها.
صغيرتك قد كبرت وصارت فتاة
عزيزتي الأم، إنّ صغيرتك قد كبرت وصارت فتاة، وهذه الفرحة تستوجب أن تطور الأم أسلوب تعاملها مع ابنتها؛ بحيث يتناسب مع مراحل النمو التي تجتازها، مع الحفاظ التام على الثوابت التي تحفظ للعلاقة طبيعتها، مثل: الحب، والاحترام، والتقدير، وصيانة مكانة الأم، مع السماح لها بنمو شخصيتها، وأن تكون لها وجهة نظر خاصة بها، مادامت في إطار قيمنا الإسلامية والمجتمعية الصحيحة.
سمية بنت الخياط.. أول شهيدة في الإسلام
هي سمية بنت خياط، وهي أول شهيدة في الإسلام وهي سيدة جليلة ذات إيمان قوي، هذه الصحابية الجليلة لم تكن ذات حسب ولا نسب، ولا جمال بل كانت عبدة ضعيفة، وأمة لأبي حذيفة بن المغيرة. وعندما جاء ياسر بن عامر - رضي الله عنه - من اليمن إلى مكة وأقام بها، فحالفه أبو حذيفة بن المغيرة وزوّجه سمية بنت خياط -رضي الله عنها-، ولما ولدت سمية عمارا أعتقها أبو حذيفة، ثم لما جاء الله بالإسلام، أسلم ياسر وسمية وعمار، وقيل: إن سمية سابع سبعة في الإسلام. عن مجاهد -رحمه الله- قال: أول من أظهر الإسلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر الصديق، وبلال بن رباح، وصهيب، وخباب بن الأرت، وعما بن ياسر، وسمية أم عمار -رضي الله عنهم أجمعين.
إسلامها
أسلمت سمية بنت خياط عندما جاءها عمار من دار الأرقم بن أبي الأرقم وهو مسرور، يتلو عليها آيات القرآن { يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}، فبايعت الرسول - صلى الله عليه وسلم - هي وابنها عمار فور سماعهما بدين الإسلام، وقد ذاقت هي وعائلتها أقسى أنواع العذاب في سبيل ذلك.
جهادها
كانت سمية بنت خياط -رضي الله عنها- بعد إسلامها تُعَذّب في الله -عز وجل- لترجع عن دينها، فلم تفعل ولم تضعف، وكانت يومئذ كبيرة ضعيفة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمر بها وبزوجها وابنها عمار -رضي الله عنهم- وهم يُعَذبون في رمضاء مكة، فيقول لهم: «صبرا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة». وبقيت سمية -رضي الله عنها- ثابتة على موقفها تحت وطأة العذاب الشديد، وروي أنه مرة واحدة فقط انهالت دموعها، وظنّ جلادها أنها تبكي ألما وقهرا، لكنها كانت تبكي على ابنها عمار الذي كان يُعَذّب أمامها، وكانت تردد وتقول له: «إياك والكفر يا عمار!» حتى استشهدت -رضي الله عنها.
استشهادها
سمية بنت خياط هي تلك الشهيدة التي زحفت نحو الموت دون أن تتنازل عن إسلامها لأبي جهل، وظلت على رفضها، حتى مرّ بها أبو جهل فطعنها في قُبلها (موضع عفافها) فماتت -رحمها الله ورضي عنها وأرضاها-، وكان ذلك قبل الهجرة كما قال جابر- رضي الله عنه - :»يقتلونها فتأبى إلا الإسلام»، ولما قُتِلَ أبو جهل يوم بدر قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمار - رضي الله عنه - : «قَتَلَ الله قاتل أمك»، فرضي الله عنها وأرضاها.
لاتوجد تعليقات