
الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون الخليجي الحلقة (21)العوامـل الاقتصـادية للإرهـاب
لا شك أن الهاجس الأمني أخذ يحتل المرتبة الأولى على الأصعدة جميعها على مستوى العالم ولاسيما في منطقة الخليج الملتهبة، التي تتصارع على رمالها جميع الدول الكبرى، ويتنافس على ثرواتها كل طامع وحاقد، لقد شاهدنا خلال السنوات القليلة الماضيةنشوء العديد من الحركات الإرهابية والمتطرفة التي لم نسمع بها من قبل وممارستها لأبشع الجرائم بحق الإنسانية من تفجير المساجد والمجمعات التجارية، ونحر البشر وإشاعة الفاحشة وغيرها من الجرائم البشعة التي يشيب لها الولدان. وإيمانا من مركز ابنخلدون للدراسات الاستراتيجية بأهمية التركيز على موضوع الأمن وبيان انعكاساته على جميعها نواحي الحياة فقد أفرد المركز هذه الدراسة المهمة بعنوان: (الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون ودور العلماء) التي تتناول الكثير من المواضيع المتعلقةبالأمن على مستوى الخليج العربي والدول العربية، وتربط الدراسة ما بين الإيمان بالله -تعالى- وتطبيق شريعته وما بين الإعداد المادي والمعنوي، والأخذ بجميع الأسباب الممكنة لتحقيق الأمن.
استكمالا لما بدأناه في الحديث عن العوامل الاقتصادية وكيف عزز الإسلام أهميتها في المجتمع المسلم، وبعد أن تعرضنا للوضع الاقتصادي حاليا في العالم العربي والإسلامي نتكلم اليوم عن نتائج ضعف الاهتمام بالعوامل الاقتصادية في العالم العربي، وكيفاستطاعت المنظمات الإرهابية الدخول من هذه البوابة الاقتصادية في الهيمنة على شباب المسلمين؟ وما الحلول المقترحة لوقف الإرهاب في الدخول من البوابة الاقتصادية؟
نتائج ضعف الاهتمام بالعوامل الاقتصادية في العالم العربي
نتج عن ضعف الاهتمام بالعوامل الاقتصادية في العالم العربي كما ذكرنا في البند ثالثا التالي:
- انتشار الفقر في العالم العربي، بما يمثل أعلى المعدلات العالمية في الفقر ومعدل الدخل الفردي.
- ضعف التعليم وهناك 100 مليون أمي عربي.
- سوء توزيع الثروة على مستوي الأفراد في الدول العربية وفيما بين الدول العربية كما في الجدول أعلاه حول معدلات الدخل الفردي.
- اقتصاديات هزيلة غير منتجة ومستوى متدن في التجارة العالمية.
- نتج عنه ضعف الرفاه الاقتصادي وضعف توفر أساسيات الحياة.
- إهمال حماية المستهلك وانتشار الاحتكار وضعف جودة السلع، سواء المستوردة أم المنتجة محليا، وأصبحت الأسواق العربية سلة للمنتجات المخالفة لأنظمة الجودة وقياساتها العالمية؛ بسبب الفوضى الاقتصادية وضعف الرقابة.
- العناية الصحية في العالم العربي في أدناها؛ إذ يشير تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2012، أن الإنفاق الصحي للفرد في الولايات المتحدة الأمريكية بلغ دولار4126، بينما بلغ في اليمن 19 دولاراً والسودان 26 دولاراً، ومصر 59 دولاراً والمغرب 63دولاراً والكويت 1178 دولاراً، وقطر وهي الأعلى في العالم العربي 1696 دولاراً.
- باختصار ضعف الاهتمام في العالم العربي بالاقتصاد نتج عنه ظواهر سلبية عديدة كما ذكرنا أعلاه؛ مما يسبب بيئة مناسبة لنشأة التطرف والإرهاب.
الإرهاب والعوامل الاقتصادية
لا أستطيع القول: إن نشوء الجماعات الإرهابية سببه العوامل الاقتصادية، ولكنه أحد الأسباب الرئيسة والمهمة، بناء على العوامل الآتية:
1.سخط الشعوب العربية من الأوضاع السيئة للمعيشة والتعليم والصحة والسكن وغيرها أدى إلى حدوث ما يسمى بثورات الربيع العربي، مثلما حدث لبوعزيزي الشاب الجامعي الذي لم يجد وظيفة فأصبح بائعاً للخضار، وحين أتلفت البلدية بسطته أحرق نفسه، وبدأت حينها ثورة الشعب التونسي، وهكذا في مصر وليبيا وغيرها من الدول العربية التي ترى شعوبها ثرواتها الكبيرة تبدد بالفساد، وهي تعاني الجوع وقلة السكن، وقلة العناية الصحية؛ مما تسبب بيئة خصبة للسخط الشعبي ونشوء الأفكار الإرهابية.
2.استغلال الجماعات الإرهابية لهذه الأوضاع الاقتصادية السيئة في توفير الخدمات الصحية والتعليمية، وتوفير الدخل لكسب الأفراد، ومن ثم توظيفهم في خدمة أهداف الجماعات الإرهابية؛ فقد استطاعت جماعة داعش الإرهابية من خلال الرواتب والدعم الاقتصادي الذي تقدمه لأفرادها من هجرة آلاف العرب لها، ونقلت وكالات الأنباء في مقابلات مع أكبر تجمع عربي لهذه الجماعة من التونسيين الذي يبلغ عددهم ثلاثة آلاف، أن من أهم أسباب هجرتهم وانتمائهم لهذه الجماعة أنهم كانوا يعانون من بطالة كبيرة في بلدهم، واستطاعت هذه الجماعة أن توفر لهم الدخل الممتاز للانضمام لها، والهجرة من تونس إلى سوريا والعراق.
كما نقلت أيضا وكالات الأنباء انضمام كثير من الأوربيين المسلمين إلى الجماعات الإرهابية في العالم العربي؛ مما أثار استغراب الكثير كيف يذهبون من بيئة اقتصادية وصحية وتعليمية متطورة إلى جحيم الحروب؟ وعندما سئلوا وعملت الدراسات وجد أنأغلبهم أبناء المهاجرين العرب والمسلمين إلى الدول الأوروبية والغربية الذين يعانون من أوضاع معيشية سيئة، فضلا عن تعرضهم للتمييز العنصري؛ فوجدوا في ساحات الحروب والجماعات الإرهابية الطريق إلى التعبير عن غضبهم من دولهم ومحاربتهم فيالشرق الأوسط من خلال الجماعات الإرهابية؛ فالعامل الاقتصادي هو السبب الرئيس في هجرتهم الأولى وهجرة أبنائهم في الثانية.
3. ارتفاع معدلات البطالة في العالم العربي تجعل الشباب صيداً سهلاً للجماعات الإرهابية؛ حيث يمكث الجامعي من خمس إلى عشر سنوات لانتظار الوظيفة، وهذا وقت فراغ كبير يجعل هؤلاء الشباب عرضة للإغواء الإرهابي.
4. عدم قدرة الشباب على الزواج وارتفاع تكاليفه، وعدم القدرة على توفير السكن جعل الجماعات الإرهابية تستغل هذه الظروف بتوفير الزواج للشباب بأسعار خيالية.
5.سوء استغلال الغرب لثروات المسلمين وفي الدول العربية ولاسيما الثروات الطبيعية بأرخص الأثمان من خلال الفساد الاقتصادي، جعل الشعوب العربية تسخط على الغرب والدول الأوروبية وأمريكا ولاسيما عندما يشاهدون دعمهم السخي لإسرائيل ودولشرق آسيا وبناء اقتصاداتهم من أموال المسلمين والعرب، وضعف الدعم الاقتصادي للدول العربية يؤجج العاطفة الإرهابية لدى الشباب، ويكون سبباً خصباً لجذب هؤلاء الشباب إلى العمل الميداني الإرهابي في شتى دول العالم.
6.ارتفاع معدلات الفساد الاقتصادي والمالي في العالم العربي، ومشاهدة المجتمعات والشباب المتعلم لفئة قليلة من المجتمع تستولي على ثروات دولهم، ويستمتعون بالخدمات الراقية والسكنى الفارهة دون ملايين من الشعوب التي تعاني سوء التغذية وسوءالخدمات الصحية والتعليم.
7. سوء أوضاع المهاجرين المسلمين والعرب في الدول الأوروبية كما ذكرنا أحد العوامل في استغلال الإرهابيين لهذا السخط من هؤلاء المهاجرين وتوظيفه في خدمة أهدافهم الإرهابية.
الحلول المقترحة
1) بدء الاهتمام من المفكرين والباحثين المسلمين بالاقتصاد الإسلامي وتطبيقاته المعاصرة، وإنشاء مؤسسة بحثية عالمية لدراسة الاقتصاد الإسلامي وبحوثه.
2) من المهم جدا عمل مشروع (مارشال) اقتصادي خاص بالدول العربية للتنمية والرعاية الصحية والغذاء، وتوفير الأعمال وتطوير بيئة الأعمال العربية، وتعزيز دور مؤسسة المشاريع الصغيرة التي أقرها مؤتمر القمة العربية الاقتصادي في الكويت، وتوفيرالوظائف للعمالة العربية في دولها من غير هجرة إلى الدول الأخرى.
3) إنشاء منظمة غذائية كبرى للاهتمام بزراعة الأراضي العربية الكبيرة التي لم تستغل وهي كما ذكرنا تمثل 70% من حجم الأراضي الصالحة للزراعة، وأيضا يكون دور هذه المنظمة توزيع الغذاء في العالم العربي ولاسيما أن هناك ملايين العرب جوعىولا يصلهم الغذاء الكافي.
4) هناك 100 مليون أمي عربي، وهؤلاء بحاجة إلى الرعاية التعليمية، وهنا ننصح أيضا بإنشاء منظمة التعليم العربية الدولية، وتهتم هذه المنظمة بتوفير التعليم المجاني للعرب والأسر والأطفال ولاسيما أن هناك 6 ملايين طفل عربي لم يحصلوا على فرصةالتعليم.
5) إنشاء شركة التأمين العربية لمواجهة البطالة، وهذه دورها إعطاء العاملين العرب الذين لم يحصلوا على رواتب على رواتب مؤقتة تكفلهم العيش الكريم إلى حين حصولهم على الوظائف.
6) دعم منظمة العمل العربية بالوسائل لتوفير الوظائف للعمالة العربية، وأن توفر مركز معلومات عن العاملين العرب تمهيدا لحصولهم على الوظائف.
7) يقترح أن تفتح الدول العربية الغنية ولاسيما الدول الخليجية مكاتب تنموية في الدول الفقيرة العربية، على أن تشرف عليها بنفسها من خلال اتفاقيات سياسية في مؤتمرات القمة العربية؛ لضمان وصول هذه المساعدات إلى الشعوب العربية وليس إلى حسابات السياسيين والمتنفذين العرب.
8) إنشاء مركز دراسات الإرهاب الاقتصادي لعمل دراسات اقتصادية علمية حول دور الإرهاب في الاقتصاد.
9) فتح مكتب اقتصادي عربي محايد للاتصال في المنظمين إلى الجماعات الإرهابية لإعطائهم وظائف ورواتب وعيش كريم، وأيضا منع من يريد الانضمام إلى المنظمات الإرهابية بتوفير الوظائف لهم والتعليم والرعاية الصحية.
بهذه الاقتراحات سوف نقضي -بإذن الله- على البيئة المتهيئة للإرهاب، وجذب الشباب العربي بتوفير التعليم والرعاية الصحية والوظائف لهم وأسأل الله أن يحفظ أمتنا وشباب المسلمين.
لاتوجد تعليقات