رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حسن الأشرف-المغرب 11 أكتوبر، 2010 0 تعليق

التعليم الديني في المغرب بين الاتهامات وقلة الإمكانيات

 

أثار التعليم الديني، أو ما يسميه الكثيرون التعليم العتيق، جدالا واسعا في المغرب خاصة بعد الأحداث الإرهابية التي عرفتها البلاد في مايو 2003 وخلال شهري مارس وأبريل من عام 2007.

وقد  عد بعضهم هذا التعليم العتيق أساساً  لتبني مذاهب وأفكار بعيدة عن الخصوصيات والهوية المغربية والمذهب المالكي؛ مما يؤدي إلى ازدهار الفكر المنغلق غير المنفتح على ثقافات أخرى، في حين يعتبره آخرون محضنا يخرج العلماء والفقهاء وحصنا منيعا ضد التطرف الفكري والميوعة، وركيزة من ركائز الحفاظ على تعليم  إسلامي أصيل ينبذ العنف ويعتمد على ثقافة التسامح.

لكن التعليم العتيق في المغرب يظل ـ رغم هذا وذاك ـ  تعليما تعترضه العديد من المعوقات المادية والبشرية أيضا التي تعرقل مسيرته وتحول دون تحقيق أهدافه التربوية كلها.

سياق تاريخي

وبإلقاء نظرة تاريخية على التعليم العتيق في المغرب، يمكن التأكيد على أن وجوده ارتبط  بالفتح الإسلامي للمغرب الأقصى على يد عقبة بن نافع الفهري وبعده موسى بن نصير في العقد الثاني من القرن الهجري الأول.

 ويرتبط وجود التعليم العتيق بالبلاد، وفق منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب، بالحركة العلمية والفكرية التي عرفها المغرب «بفضل ما انطبع في نفس شعبه من دعوة الإسلام الصادقة إلى العلم والتعلم ابتداء من عهد المولى إدريس الأكبر سنة 175هـ، ومرورا بالدول المتعاقبة على الحكم في المغرب».

وبحسب المصدر ذاته، فإن المغاربة تنافسوا منذ ذلك الحين بإرادة كبيرة على بناء المدارس والمراكز العلمية إلى جانب ما أقاموه من بيوت العبادة والذكر، وأنفقوا عليها بسخاء من صميم أموالهم يوفرون لها بانتظام المؤونة الكافية عن كل واحد، ويهيئون بيوتا لإيواء الطلبة يجعل فيها كل منهم ما يكون معه من المتاع والكتب في أمن تام، وبذلك أصبحت إقامة هذه المدارس وعمارتها بطلبة المعارف ميدان فخر واعتزاز».

وكان لانتشار هذه المدارس الفضل الكبير بعد الله تعالى في حفاظ  المغرب على إجادة حفظ القرآن الكريم بمختلف الروايات، واستحضار الأحكام الشرعية عبادة ومعاملة حتى أصبح العالم والفقيه عبارة عن مكتبة متنقلة يفقه الناس في أمور الدين.

واستطرد منشور الوزارة بأن الإقبال على هذه المدارس ازداد، وازدهرت العلوم والمعارف العربية والإسلامية في كل من مناطق تافيلالت وسوس جنوب المغرب، والتي كانت دائما في مقدمة أطراف المغرب تصلها شعلة من الأضواء المرسلة من الخليفة عمر بن عبد العزيز لبث الدين في إفريقية سنة 100هـ،  كما ازدهرت العلوم أيضا بمناطق الريف وجبالة، وفي سبتة التي كانت تضاهي فاس والأطلس الكبير، وفي غيرها من المناطق التي كانت مقياس الشعور بالحضارة في المغرب.

وخرَّجت هذه المدار س العتيقة أجيالا من العلماء الكبار الذين بصموا ببصمتهم التي لا تمحى حضارة الأمة الإسلامية ومسارها الفكري والثقافي والعلمين ومنهم: القاضي عياض السبتي، وابن غازي المكناسي وابن مرزوق التلمساني والشيخ أحمد زروق وأبو موسى الجزولي، وأبو يحيى الكرسيفي وابن سليمان الروداني وغيرهم كثير.

لكن بحلول القرن الثالث عشر هجريا، أصاب الفتور هذه المدارس العتيقة، فتضاءل عددها وضعفت الهمم من جراء الاحتلال الفرنسي والإسباني للبلاد، وبذلك لم يكد يحل العام الهجري 1345هـ الموافق 1925م حتى قلت المدارس وتأثرت مجالس الدراسة بأطوار الحياة أيما تأثر.

وكاد دور هذه المدارس التي كانت في مجملها روافد للمعاهد والكليات أن يندثر بفعل الاستعمار الذي كان من جملة أغراضه القضاء على كل مظهر من مظاهر الحضارة الإسلامية والحركة الفكرية، وفق تعبير منشور وزارة الأوقاف.

إحصائيات ومناهج

واستطاع المغرب بعد طول فتور لدور المدارس العتيقة بالمغرب أن يبعث الحياة في شرايينها وينفض عنها غبار النسيان والضعف، فصار لها  الحضور البهي والتأثير الإيجابي في نفوس كثير من الشباب وأفضت إلى تكريس نزعة التدين والتمسك بكتاب الله تعالى والعيش على نهجه وهداه.

ويبلغ عدد المدارس العتيقة (الدينية) في المغرب 494 مدرسة، يشرف على التعليم فيها من الفقهاء 1531أستاذا، وتضم  21651 طالبا، في حين يبلغ عدد الكتاتيب القرآنية -التي تندرج ضمن مؤسسات التعليم العتيق- حوالي 299083 كُتَّابا قرآنيا، ويدرس فيها 10183 تلميذا.

ويعاني التعليم العتيق من صعوبات جمة في تمويله؛ حيث لا تتعدى المدارس العتيقة التي تنفق عليها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وفق إحصائيات لهذه الأخيرة،  خمس مدارس من أصل 499 مدرسة عتيقة، وهي جامع القرويين بفاس والمدرسة القرآنية لمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، ومدرسة سيد الزوين ومعهد ابن عطية بطنجة ومدرسة سيدي محمد بطنجة، غير أن هذه المدارس الثلاث الأخيرة  تحتاج تأهيلا رغم تمويلها من طرف الوزارة بنسبة كاملة.

أما بالنسبة للتعليم العتيق الخاص فهو ينقسم إلى صنفين: تعليم خاص بمدارس محتضنة، وتبلغ حوالي 156 مدرسة عتيقة، تسلم الوزارة منحا لبعض تلاميذها وطلبتها، كما تخصص مكافآت لأساتذتها، وتوفر رابطة علماء المغرب والسنغال منحا لطلبتها خاصة الأفارقة من السنغال وساحل العاج والغابون وغينيا وغيرها، كما يوفر المحسنون بقية الحاجيات المادية لها لتغطية ميزانيتها ومنحا لطلبتها المغاربة وبهذه المدارس المحتضنة 6795 طالبا ممنوحا، و467 أستاذ مكافأً.

والصنف الثاني: تعليم عتيق خاص يتولاه المحسنون يوفرون ميزانيته كاملة، ويتعلق الأمر بحوالي 338 مدرسة عتيقة لا تتوصل بأية منح أو مكافآت، بها 14856 طالبا غير ممنوح، و 1064 أستاذا بدون مكافأة؛ وهذه الإحصائيات تعني أنه لولا تمويل بعض المحسنين لما كان للتعليم العتيق بالمغرب استمرارية.

وبالنسبة للمناهج التربوية والتعليمية بهذه المدارس، تؤكد المادة 4 من القانون المنظم للتعليم العتيق بالمغرب على أن «برامج التعليم الأولي العتيق تُدرس بالكتاتيب القرآنية، وبرامج التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي بالمدارس العتيقة، وبرامج التعليم النهائي بجامع القرويين والجوامع الأخرى ومؤسسات التعليم النهائي العتيق». وتضيف المادة من هذا القانون رقم 1301 أنه «يجب أن تتضمن البرامج الدراسية المطبقة بمؤسسات التعليم العتيق حصصا إلزامية من المواد المقررة بمؤسسات التعليم العمومي في حدود الثلثين من الحصص المخصصة لهذه المواد بما في ذلك مواد اللغات والرياضيات والرياضة البدنية كلما أمكن ذلك. وتتوج الدراسة بطور التعليم الابتدائي بشهادة التعليم الابتدائي العتيق، وبطور التعليم الإعدادي بشهادة التعليم الإعدادي العتيق، وبطور التعليم الثانوي بشهادة باكالوريا التعليم الثانوي العتيق، وبطور التعليم النهائي بشهادة العالمية في التعليم العتيق».

شبهات واقتراحات

ويرغب البعض ممن يسعون لمحاربة التعليم الديني بالمغرب في ترويج فكرة ارتباط هذا النوع من التعليم بما يذاع أحيانا في البلاد من فكر متطرف غير متسامح وابتعاد عن الخصوصية المغربية والمذهب المالكي الذي يتبعه المغاربة منذ قرون، ولعل مرد هذه الاتهامات هو الخلط الحاصل لدى هؤلاء المشككين في الربط  بين الدين والتطرف والإرهاب، وهو ربط لا يحصل حسب الدكتور خالد الصمدي «إلا في ذهن من يقصد ذلك»، ويضيف الخبير الدولي في مناهج التربية والتعليم وإدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في المنظومة التربوية في حوار مع موقع رابطة علماء المغرب أن «العلوم الشرعية هي حصيلة تعامل العلماء مع مصادر الوحي, وبالتالي فهي تقدم لمتعلميها الحصانة الشرعية والمفاهيم الإسلامية الصحيحة، التي تمكنه من أن يعايش الناس بالحسنى «، مسوغاً أن «ضعف اهتمام الناس بهذه العلوم وضعف التكوين الشرعي هو الذي يؤدي إلى ظهور مفاهيم متطرفة مخالفة للمقاصد الشرعية».

ويحدد خالد الصمدي بضعة اقتراحات من شأنها أن «ترقى بالتعليم الديني إلى المستوى المرغوب من الجودة حتى يسد الثغرات الحاصلة في حاجة المجتمع إلى متخصصين في العلوم الشرعية، قادرين على إنتاج خطاب إسلامي معاصر وواقعي، ومنها: اختيار الملتحقين بالتعليم العتيق بناء على معايير علمية وأخلاقية صارمة، وتطوير مناهج التعليم العتيق لتجمع بين العلوم الشرعية والإنسانية واللغات ومهارات التواصل الفنية واللغوية، وتأهيل المدرسين وفق أحداث النظريات التربوية الحديثة وتحفيزهم معنويا وماديا، ثم تشجيع الالتحاق بالتعليم العتيق من خلال الدعم المادي والمعنوي للملتحقين به وفتح آفاق اندماجهم في الحياة العامة».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك