رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 5 أغسطس، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: في إفْرَادِ الحَجّ

  • المُعتمر والمُفرد لا هَدْي عليهما لكن لا يمنع ذلك منْ أنْ يُهْدي المُفرد والمُعتمر اسْتحباباً
  • يستحب سوق الهدي للمُفْرد والمُعتمر فالنّبيُّ صلى الله عليه وسلم  ساق الهَدْي اسْتحبابًا
  • في الحديث وقوعُ الاجتهادِ في الأحكامِ بيْن الصَّحابةِ وإنكارُ بَعضِ المُجتهِدين على بَعضٍ بالنَّصِّ
 

عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَجِّ مُفْرَداً، وفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، وعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - أَفْرَدَ الْحَجَّ. الحديثان رواهما مسلم في الحج (2/904- 905) باب: في الإفْرَاد بالحَجِّ والعُمرة.

         يقول الصحابي الجليل ابن عمر -رضي الله عنهما-: «أهْلَلْنا مع رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحَجّ مُفرداً» أي: أنّه بدأ أولَ الحَجّ مُفْرداً، فلمّا أتى إلى الجِعْرانة، أدْخلَ عليها العمرة، فاعتمرَ أولاً، وبَقِي على إحْرامه، ولمْ يتحلّل إلا في يوم النّحر، وهذا يَردُّ على منْ يقول: إنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - كان مُفْرداً فقط.

أيِّ الحجّ أفضل؟

         وقد اختلفَ العلماء في أيِّ الحجّ أفضل: الإفْراد، أو التّمتع، أو القِرَان؟ وكلّ مَنْ قال بقولٍ منها، قال: إنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ ذلك، وظَهَر له هذا في بعض الأدلة فاعتمد عليه، أمّا الذي قال: إنّ التّمتع أفضل، فاعتمد على ظاهر بعض الروايات التي تقول: تمتع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعُمرة إلى الحج.

والرد على هذا القول:

  • الأمر الأول: أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - تمنّى لو أنّه تمتّع، فقال: «لو اسْتقبلتُ مِنْ أمْري ما اسْتَدْبرتُ، ما سقتُ الهَدي مِنَ المِيقات» فالذي يَسوق الهَدي مِنَ الميقات، هو القارنُ لا المُتمتّع.
  • الأمر الثاني: أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لما اعْتمر، لمْ يَتَحلّل إلا في يومِ النّحر، بعد أداء المناسك، فهذا يدلُّ على أنّه كان قارناً.

الذي يقول: إنّ الإفْراد أفْضل

        والذي يقول: إنّ الإفْراد أفْضل، اعتمد على أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان مُفرداً في حَجّه، وأنّ منْشأ الحج، أي: أصْل الحجّ في ذي الحليفة، كان إفراداً، وقد أهلّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجّ فقط منْ ذي الحليفة، كما هي أحاديث الباب. والصّوابُ والصّحيح: أنّه - صلى الله عليه وسلم - بدأ الحج مُفرداً، ثمّ أدخلَ عليه مِنَ الجِعْرانه العُمْرة، فكان أولاً مُفرداً، وقبل أداء الحجّ، أدْخلَ عليه العُمرة، فاعتمرَ أولاً ثمّ حَجّ. ومعلوم أنّ سوق الهدي على سبيل الاسْتحباب للمُفْرد والمُعتمر، فالنّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ساق الهَدْي اسْتحباباً؛ لأنّه نَوى الإفراد، ولكن سوق الهدي حَمَله على إدخال العمرة على الحجّ، فصَار قارنًا، وهناك اتفاقٌ بين أهلِ العلم: أنّ المُعتمر لا هَدْي عليه، وأنّ المُفردَ لا هَدْي عليه، لكن لا يمنع ذلك منْ أنْ يُهْدي المُفرد والمُعتمر اسْتحباباً، وقد قال أنس: «سَمعتُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يلبّي بالحجّ والعُمْرة جَميعاً»، وعبدالله بن عمر يقول: أنا كنتُ معه، وما كان يُلبّي إلا بالحج فقط.

تفسير هذا الخلاف

          وتفسير هذا الخلاف: أنّ عبدالله بن عمر حَكى ما قد سَمعه أولَ الأمْر، منْ ميقات ذي الحليفة، وأنس بن مالك كان يَأخذ بخِطَام ناقته في مناسك الحَجّ، ابتداءً مِن الجعرانة حتى قَضَى حَجّه، فسَمِعه يقول: «لبيك اللهُمّ عُمرةً وحجّة». فلمّا أدخلَ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - العُمرة على الحَجّ، سَمِعه أنسٌ فحَكى ما سمعه، وعبدالله بن عمر حكى ما سمعه أولاً، فكلّ واحدٍ مِنَ الصّحابة يحكي ما قد سمعه، وسيأتي الحديث. الرأيَ الصّحيح

في حَجّة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -

           قال النووي: «قدَّمْنا أنّ الرأيَ المُخْتار- بل الصّحيح- في حَجّة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان في أوّلِ إحْرامه مُفْرداً، ويحمل عليه حديث عبدالله بن عمر، ثمَّ أدخلَ العُمْرة على الحَجّ فصَارَ قَارناً، وهذا حديثُ أنس، وبهذا اتّفقت الرّوايات، وجمعنا بين الأحاديث أحْسَن جمع، فحديثُ ابن عمر مَحْمولٌ على أوّل إحْرامه، وحديث أنس مَحمولٌ على أواخره وأثنائه، وكأنّه لمْ يسمعه أولاً، ولا بُدّ مِنْ هذا التأويل أو نحوه، لتكونَ روايةُ أنسٍ مُوافقة لرواية الأكثرين، كما سبق بيان ذلك».

باب: القِرَان بينَ الحَجّ والعُمْرة

          عَنْ بَكْرٍ بن عبدالله: عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا. قَالَ بَكْرٌ فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ أَنَسٌ: مَا تَعُدُّونَنَا إِلَّا صِبْيَانًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا».

باب: في مُتْعُةِ الحجِّ

          عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - قَالَ: تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ الْقُرْآنُ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ، وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: تَمَتَّعَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ، وعَنْ جَابِرِ بْنِ عبداللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً.الأحاديث رواها مسلم في الحج (2/900) باب: جواز التمتع. في هذا الحَديثِ يَرْوي عِمْرانُ بنُ حُصينٍ - رضي الله عنه - أنَّهم تَمتَّعوا على عَهدِ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، والمَقصودُ بِالمُتعَةِ هنا: التَّمتُّعُ في الحَجِّ، بالعمرةِ مع الحجِّ، وفَعَلوه في حياتِه وَهوَ مَوجودٌ حاضِرٌ بيْنَهُم، ونَزَلَ القرآنُ بمَشروعيَّتِه، قالَ -تعالَى-: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} (البقرة: 196)، ولم يَنزِلْ قُرآنٌ يُحرِّمْه، فاستقَرَّ هذا الحُكمُ، وهو مستمِرٌّ، ولم يَنْهَ عنه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى مات.

قوله: «قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ»

        أي: فلا نَسخَ لهذا الحُكْمِ بعْدَ ذلك، مهْما قال رجُلٌ بِرَأيِه ما شاء، يعني: مِن تَرْكِه، أو ترك الأخذِ به، وأنَّ الرَّأيَ بعْدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - باختيارِ الإفرادِ بحَجٍّ فقطْ، لا يَنسَخُ ما سَنَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - مِن التَّمتُّعِ والقِرانِ. والرَّجلُ المَقصودُ هُنا هوَ: عُمرُ بنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه -، فَقدْ نَهَى عَنِ التَّمتُّعِ في الحَجِّ، وكان نهيُه عن ذلك على جِهةِ التَّرغيبِ للنَّاسِ، فيما يَراهُ الأفضلَ لَهُم بأنْ يُفرِدوا العُمرَةَ بِسَفرٍ، والحَجَّ بِسَفرٍ. قال ابن عبدالبر: لا خلافَ بين العلماء أنّ التمتع المراد بقول الله -تعالى-: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ} (البقرة: 196). هو الاعتمار في أشهر الحج. قال: ومِنَ التّمتع أيضاً: القِرَان؛ لأنّه تمتعٌ بسُقوط سَفَره للنُّسُك الآخر من بلده. قال: ومِنَ التمتع أيضاً: فَسْخُ الحج إلى العُمرة. انتهى

أوَّلَ مَن نَهى عن التَّمتُّعِ

         وكان أوَّلَ مَن نَهى عن التَّمتُّعِ: عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه -، في أيَّامِ خِلافتِه - رضي الله عنه -، وتابَعَه عُثمانُ - رضي الله عنه - في ذلك، وغَرَضُهم منه: الحثُّ على تَحصيلِ فَضيلةِ الإفْرادِ، وليَكثُرَ قصْدُ الناسِ بيتَ الله الحرام طوال العام، حاجِّينَ ومُعتمِرينَ، وليس إبطالًا للتَّمتُّعِ، وفي مسلمٍ: أنَّ ابنَ الزُّبَيرِ أيضًا كان يَنْهى عنها، وابنُ عَبَّاسٍ كان يأمُرُ بها، فسألوا جابرًا، فأشار إلى أنَّ أوَّلَ مَنْ نَهَى عنها كان عُمَرَ - رضي الله عنه .

فوائد الحديث

  • وقوعُ الاجتهادِ في الأحكامِ بيْن الصَّحابةِ، وإنكارُ بَعضِ المُجتهِدين على بَعضٍ بالنَّصِّ.
  • وفيه: إقرارٌ للقاعدةِ الفِقهيَّةِ: «لا اجتِهادَ مع ثُبوتِ النَّصِّ».
  • وفيه: جوازُ نَسخِ القُرآنِ بالقُرآنِ، ولا خِلافَ فيه، وجوازُ نَسخِه بالسُّنَّةِ، ووجهُ الدَّلالةِ منه قولُه: «ولم يَنْهَ عنْها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -»، فإنَّ مفهومَه: أنَّه لو نَهَى عنها، لامتنَعْتُ، ويستلزِمُ ذلك رَفْعَ الحُكمِ، ومقتضاه جوازُ النَّسخِ بالسُّنّة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك