رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: forqan 16 مارس، 2020 0 تعليق

سلامة الصدر


سلامة الصدر من أهم الموضوعات؛ لأنه يتعلق بأهم مضغة في الإنسان، المضغة التي قال فيها سيد الخلق: صلى الله عليه وسلم " ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»، وإذا كان العنوان سلامة الصدر؛ فإن النبيرضي الله عنه عندما تكلم عن التقوى، قال صلى الله عليه وسلم:" التقوى هاهنا وأشار إلى صدره».

     ومعلوم أن القلب في الصدر؛ فإذا سلم القلب سلمت الأعضاء، وقديما قيل: «المرء بأصغرية قلبه ولسانه»، يعني متعلق بهما، معقود فلاحه أو عدمه على القلب واللسان؛ فحديثنا عن القلب، أو الصدر؛ فلا فرق في الحديث بينهما، أو في المعنى بينهما، وعلى المرء أن يتعهّد قلبه، كيف كان العاقل من بني البشر يتعاهد جسده إذا اشتكى منه عضو؟ يذهب لطبيب ليعالجه؛ فإن أمراض القلوب أهم الأمراض التي يجب ألا يسكت عليها، وإنما يبحث عن علاج لها، وأمراض القلوب كثيرة، نسأل الله -عزوجل- أن يشفينا منها، وأن يباعد بيننا وبينها .

الكبر

     من أمراض القلوب الكِبر، وهو بطر الحق وغمط الناس، نسأل الله أن يُعيذنا وإياكم منه؛ فقد قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم : «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»، وقد ورد عن بعض السلف أنه قال: من ظن أنه خلا من الكبر فهو متكبر، وبذلك أكرر وأقول: إننا بحاجة لاستمرار تعاهد قلوبنا؛ فالمتكبر الحق، إنما هو الله رب العالمين؛ فإذا تكبر بعض البشر؛ فإنه منازع لرب العالمين -سبحانه وتعالى- في هذا الوصف؛ لذلك حرّم الله -عزوجل- على المتكبر الجنة، لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.

الحسد

     ومن الأمراض أيضا الحسد، والحسد تمنّي زوال نعمة الآخر، والحسد إذا دخل القلب أفسده، والحق أنه يفسده في الدنيا قبل أن يفسده في الآخرة، قبل أن يترتب عليه الفساد في الآخرة، الحاسد يتقطّع قلبه إذا رأى نعمةُ أنعم الله -عز وجل- بها على أخيه، وهذه مصيبة، إذا تأملت جيدا وجدّته سيئ الظن بالله -سبحانه وتعالى-؛ لأن الحاسد كأنه يظنّ أن نعمة الله واحدة لا يستحقها؛ فلماذا هذا أخذها وأنا لم آخذها؟ هكذا يظن؛ فيسيء الظن بالله -تعالى- وسوء الظن من أكبر مفسدات عقيدة الإيمان، والحسدُ كما تعلمون منه ما هو محمود، لكن ليس بالمعنى الذي سُقناه فيما سبق؛ وبذلك يسميه بعض العلماء بالغبطة، مع أنه ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «لا حسد إلا في اثنتين»، يعني إن كان الحسد جائزا؛ فلا يكون إلا في خصلتين اثنتين، تحسد رجلاً آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، كيف تحسده؟  هل تتمنى زوال نعمته؟  هذا لا يمدح ولا يشكر، إنّما يذم، إنما الحسد المقصود هنا هو تمنّي أن يكون لك مثل هذه النعمة لتعمل فيها بالعمل الطيب المبارك، وكذلك رجل آتاه الله القرآن؛ فيتلوه آناء الليل وآناء النهار، الذي أوتي القرآن لاشك أنه يُحسد، لكن كما قلنا أنه الحسد الممدوح المحمود إذا تمنيت أن تكون حافظا لكتاب الله، قارئا له مطبقا عاملا به، إذا تمنيت ذلك دون أن تتمنى زوال هذه النعمة عن صاحبه الذي أمامك، أو جارك، أو قريبك، أو الذي تعرفه دون تمني زوال النعمة عنه، هذا حسد محمود، ويسميه العلماء بالغبطة.

الغِل

     من أمراض القلوب الغِل، والغِل إذا دخل القلب أفسده، والغِلّ معروف عند عامة الناس، حتى إنك تجد العوام إذا رأوا تصرفا من شخص يريد أن ينتقم قالوا: هذا في قلبه غل، والرسول صلى الله عليه وسلم، كما تقول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها: «ما انتقم لنفسه قط»، إنما كان ينتقم لحرمات الله -سبحانه وتعالى- إذا ارتكبت، يغضب إذ انتهكت حُرمة من حرمات الله؛ فإنه لا يقوم لغضبه شيء، الانتقام ليس من أخلاق المسلمين، إنّما هو مرض يحل في القلب، يحتاج لمجاهدة، وتعاهد ويحتاج إلى طبيب القلوب، والحق أن طِبّ القلوب في كتاب الله -سبحانه وتعالى.

الغفلة عن العلاج الحقيقي

     وكثير من الأمراض العضوية أو القلبية، يعجز الناس عن علاجها وسبب العجز الغفلة عن العلاج الحقيقي الصحيح، الذي هو فيه الشفاء وليس الدواء، ونحن نفرّق بين الشفاء والدواء، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لكل داء دواء»، لكن في القرآن الله -عزّوجل- يقول عن العسل: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بهذه الحبة السوداء؛ فإنه فيها شفاء»، فهل هناك فرق بين الشفاء والدواء؟ الدواء قد يصيب الداء؛ فيذهبه -بإذن الله-وقد لا يصيبه، قد  تشرب الدواء وتتعالج به أو تحقن به وتمضي على ذلك أيام والمرض يبقى، وأما إذا قال الله شفاء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم شفاء فهو شفاء، لابد أن يأتي الله -عز وجل- بسببه الدواء، لابد أن يأتي الشفاء؛ فأقول: نحن كلنا -إلا من رحم الله- حتى لا نعمّم نغفل عن الشفاء الحقيقي، وهو اللجوء إلى الله ودعاؤه، ادعو الله أن يعافيك وأن يشفيك، وأن يذهب البأس الذي بك، وعلّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أنواعا من الرّقى، يُذهب الله بها هذه الأمراض.

حُبّ البغي

     ومن أمراض القلب حُبّ البغي، أي حب الظلم، والظلم وحبّه يتأتى من حب التملك والسيطرة، حب الرئاسة، والسيطرة على الناس؛ فيظلم بسبب هذا، والله -عزّ وجل- يقول «يا عبادي إنّي حرمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم  محرما فلا تظالموا»، أي لا يظلم بعضكم بعضا، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»، وقال: «يا عباد الله لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا».

أمور معينة على سلامة الصدر

     هناك أمور معينة على سلامة الصدر، أوّلها اللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى- بأن يُسلّمك ويُسلّم صدرك لكل مسلم، وتدعو الله بذلك، كما حثّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال: «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

إفشاء السلام

     منها أيضا إفشاء السلام، وقد قال صلى الله عليه وسلم : «لا تدخلوا الجنة» -وفي رواية لا تدخلون الجنة- فإذا كانت النون هنا ثابته جاءت لا هنا نافية – ولا تدخلوا الجنة تكون ناهية، لكنهم يقولون صيغته صيغة النهي، ومعناه النفي فآلت الروايتان إلى النفي لفظا ومعنى، «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»، إفشاء السلام على كل من لقيت من المسلمين، هذا مما يشيع المحبة بينك وبين إخوانك من المسلمين؛ فإذا وجدت المحبة وسادت وانتشرت تحقق الإيمان، وإذا تحقق الإيمان دخلنا الجنة .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك