رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 29 نوفمبر، 2018 0 تعليق

روائع الوقف في الدعوة إلى الله

أوقف المسلمون على امتداد التاريخ الأوقاف على الدعاة، والمعلمين، ووسائل الدّعوة، كثيراً من الأوقاف التي كان لها دور مهم في إيجاد الاقتصاديات الثابتة والدائمة لكلّ مظاهر الدّعوة الإسلاميّة وأنواعها، الأمر الذي أدّى إلى استمرارها وتجدُّدها، وإلى قيام الدُّعاة بوظائفهم على الوجه الأكمل.

     فقد كفل الوقف للعديد من  العلماء، ودعاة الإصلاح، وروّاد التجديد، وحراس  العقيدة، فرص العيش الكريم، مع ضمان الاستقرار، وهدوء البال، وراحة الضمير، حتى انتشر الدُّعاة في أرجاء الأرض، من مدن وقرىً وبَوادٍ، ودخلوا كلّ الأماكن غير المألوفة التي يجتمع فيها النّاس، كالسجون وأشباهها.

كفالة الأوقاف للعلماء

شيخ الإسلام يحيى بن شرف النّووي: قال عن نفسه: «فلمّا كان لي تسع عشرة سنة، قدم بي والدي إلى دمشق سنة تسع وأربعين، فسكنت المدرسة الرواحية، وبقيت سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض، وكان قوتي بها جِرَاية المدرسة لا غير».

     الإمام أبو حامد الغزالي: قال متحدثاً عن نفسه، واصفاً ما لاقاه هو وشقيقه من ضيق ذات اليد وشظف العيش: «مات أبي وخلّف مقداراً يسيراً ففني؛ بحيث تعذّر علينا القوت، فصرنا إلى مدرسة نطلب الفقه، ليس المراد سوى تحصيل القوت، فكان تعلُّمُنا لذلك لا لله! فأبى أن يكون إلا لله». وقد كان لمثل هذه الأوقاف الأثر الأكبر في حفظ الدّين، واستمرار جهاد العلماء، وصيانة المجتمع الإسلاميّ من المعاصي والخرافة والبدعة؛ إذ لولا استمرار جهاد العلماء في الدّعوة، لأسرع الفساد والخلل إلى عقائد المسلمين وعباداتهم وأخلاقهم؛ لأنّ الذكرى تنفع المؤمنين، ولأنّ آفة العقل النّسيان، فلا بدّ من إقامة من يتفرّغ لهذه المهمّة الشريفة، والمنزلة المنيفة، فكانت الأوقاف هي روح هذا النّظام المبارك، وسنده الأوّل بعد الله -عز وجلّ.

العصا لمن لا يصلِّي

وهو من نوادر الأوقاف! فقد أوقف رجل من أهل نجد -لم يجد ما يوقفه قبل مماته- إلا شجرةً في صحن البيت، فجمع أبناءَه وأشهدهم على أنّه أوقف تلك الشجرة، لتُؤخذ أغصانها، ويُعمل منها العصيّ، ليُضرب بها من لا يصلي.

مسجد القطامي

     ومن أنفاس الخير المعاصرة، فقد أوقفت الفاضلة ملكة بنت محمد الغانم مسجد القطامي بالقرب من منزلها بالكويت، وأوقفت منزلين بقرب المسجد، أصبح أحدهما مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، والآخر مسكناً للإمام، وقامت بخدمة المسجد بنفسها طول حياتها، وقد كان ذلك عام 1834م.

رعاية المسلمين الجدد

     لم يقتصر دور الوقف في مجال الدعوة الإسلامية على بناء المساجد، أو غيرها من المظاهر الدعويّة المعتادة؛ فقد خصصت أوقاف كثيرة لهؤلاء الذين ارتضوا الإسلام ديناً، وكانت عوناً لهم على تثبيت إيمانهم وتأليف قلوبهم، وحمايتهم من الانتكاسات تحت ضغط الحاجات وتأثير الضّرورات.

صندوق للمهتدين إلى الإسلام

     ومن ذلك ما ورد في السجلّات الشرعية لمدينة (بورصة) التركية؛ فقد جاء فيها أن بعض الواقفين قد خصّصوا صندوقا للمهتدين إلى الإسلام من إيرادات الأوقـاف، وأنّ الوقفية التي تُعزى للأمير السلجوقي (شمس الدين آلتون أبا) الذي عاش في القرن الثامن عشر الميلادي, كان من شروطها: «أنّ من اهتدى من غير المسلمين من الغرباء وأهل هذه الديار وترك دينه الباطل، يُصرف لطعامه وملابسه وأحذيته وختانه ولتعليمـه قدراً من القرآن تصح به الصلاة خمسة أسـهم، من الخان المختص بمقام الدبّاغين الموسوم بالحديقة الجديدة، المحتوي على ثمانية عشر مسكناً وعلواً، الكائن بربض قصر مدينة (قونية)، في محلة تُعرف بالميداني».

     وجاء في وقفيّة سُجّلت قبل وقفية الأمير شمس الدين المذكورة آنفاً بنحو ثلاثمائة عام! وهي وقفية الحاج عوض -الذي كان وزيراً في عصر السلطان مراد الثـاني-: «ويُجمـع كـلَّ يـوم درهمان لمن يحتاج إلى مصلحته ممن يتمسك بعروة الإيمان، خارجاً مـن وادي الكفـر والطغيان، ويختار الهداية على الضلالة والعصيان».

شروط الواقف

     وتدلّ سجلات الوقف على أنّ شروط الواقف في إعطاء المهتدين من إيراد الوقف ما يحتاجون إليه من طعام وشراب وثياب ظلّ معمولاً بها نحو خمسة قرون, وكان المهتدي يأتي إلى المحكمة الشرعية إما منفردا, وإما مع من يعرفه, وإما مع من هداه إلى الإسلام, والقاضي كان يرسل المهتدي مع المحضر إلى متولي الوقف ليضمن إعطاءه المال, وكان ما يعطى للمهتدين يتفاوت بتفاوت ظروف كل مهتد, ومدى حاجته إلى المال.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك