رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ياسر برهامي 15 أكتوبر، 2017 0 تعليق

صفات جيل النصر المنشود

بينت لنا سورة الحشر صفات جيل النصر المنشود، التي هي صفات الصحابة -رضوان الله عليهم- من المهاجرين والأنصار، السابقين إلى الله ورسوله، الذين قام الإسلام على أكتافهم، ونقلوا إلينا القرآن والسنة غضين طريين كما أنزلا، وأتوا بالإسلام إلينا على طبق من ذهب؛ فهم مصابيح الدجى وأعلام الهدى، بهم استنارت قلعة الدين، وابتهجت طائفة المؤمنين، وزلزل الكفار، ودحر الأشرار، فصبرهم على الجوع والعطش وإيثارهم وحب بعضهم بعضاً، وتضحيتهم بالمال والنفس والولد لإعلاء كلمة الله غير خاف على أحد؛ لذلك كان لابد أن نعرف صفات هذا الجيل وواجبنا نحوهم، لعلنا نقتدي بهم وبآثارهم.

أهمية الحديث عن صفات جيل النصر

     كلما اشتد الصراع بين الحق والباطل تضرع المؤمنون إلى الله -سبحانه وتعالى- يدعونه -عز وجل- أن ينصرهم، وأن يعلي الحق، ويظهر دينه بهم، فلزمهم أن يبحثوا في أنفسهم عن الصفات التي يجب أن يتصفوا بها؛ لكي يحقق الله -سبحانه وتعالى- وعده لهم، فإنما جعل -سبحانه وتعالى- وعده مشروطاً باتصافهم بصفات معينة، وليس وعداً مطلقاً لكل متسم باسم الإسلام أو الإيمان، أو لكل منتسب إلى الدعوة والدين والجهاد، ولكن ذلك لمن شابه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وصار منهم وإن لم يلحق بهم، قال الله -عز وجل-: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} (الجمعة:3)؛ فهم منهم؛ لأنهم على طريقتهم، ولهم بعض من صفات الصحابة -رضي الله عنهم- ذلك الجيل الفريد، جيل النصر الذي مكن الله -عز وجل- به لدينه، الذي جعله سبباً لانتصار الإسلام وانتشاره في مشارق الأرض ومغاربها، ولاشك أن الله -سبحانه وتعالى- إذا اختار قوماً لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم -، ولإقامة أول مجتمع مسلم في الأرض؛ فإنهم لابد أن يكونوا خير الناس، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، وقال الله -عز وجل- مادحاً إياهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110).

     هؤلاء الذين ذكرهم الله -سبحانه وتعالى- قبل وجودهم بقرون وأجيال، وربما بمئات أو آلاف السنين، فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الفتح:29).

     وقال -عز وجل- في خطابه لموسى -عليه السلام- قبل وجود أجداد عدة من أجداد أجداد أجداد الصحابة، فقال سبحانه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف:156-157).

الوصول إلى حقيقة العبودية

     نحتاج دائماً إلى أن نعرض أنفسنا على هذه الآيات؛ لأن المواجهة الحالية التي بين الإسلام وبين قوى الكفر المتحزبة المجتمعة على الصد عن سبيل الله، وصرف الناس عن دين الله لا يمكن أن تنتصر إلا بمن كانت صفتهم وأحوالهم قريبة من صفات الصحابة رضي الله عنهم؛ وذلك أن ظهور الإسلام في مواجهة هذه القوى كلها والمنافقين والمشركين لا يمكن أن يكون بغير الوصول إلى حقيقة العبودية والإيمان والعمل الصالح الذي وعد الله -عز وجل- أهله بالاستخلاف في الأرض، فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (النور:55).

النصر الذي يتطلع إليه المسلمون

     ولذلك فإننا لا نشك لحظة واحدة في أن النصر المنشود الذي يتطلع إليه المسلمون، وهو نصر يريدونه حاسماً، وعودة للإسلام على خلافة راشدة على منهاج النبوة، لا نشك أن ذلك النصر يمكن أن يحدث على أيدي من يسبون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ويبغضونهم، فضلاً عمن يكفرهم ويلعنهم، ونعوذ بالله من سوء حالهم.

     لذلك أتوقف لحظات مع صفات جليلة وصف الله -عز وجل- بها المهاجرين والأنصار؛ لنزن أنفسنا بها، وننظر ما نصيب كل واحد منا من هذه الصفات، فإن الله ذكرهم بصفاتهم؛ لكي يعلم أن الاقتداء بهم في هذه الصفات هو الذي يحبه الله -سبحانه وتعالى-، وهو الذي شرعه.

الفيء تعريفه وصفات أصحابه

     ذكر الله -تعالى- في الآيات التي من سورة الحشر لمن يكون الفيء؟ والفيء: هو المال المأخوذ من الكفار بغير قتال، وسمي فيئاً؛ لأن أصل هذا المال خلقه الله -عز وجل- ليستعين به الناس على العبودية لله -سبحانه وتعالى-، فلما استغله الكفار في معصية الله والكفر، والشرك به، أخذه الله -عز وجل- منهم ورده إلى المسلمين، وأفاءه عليهم، فإن المال مال الله يعطيه -سبحانه وتعالى- لمن يشاء، وهو يبتلي العباد بهذا المال وبغيره من أمور الدنيا ليمتحنهم فيها، فنزع الله -عز وجل- ذلك المال من الكفار وأفاءه على المسلمين، وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم -؛ لينفقه في الوجوه التي أمره -عز وجل- أن ينفقه فيها؛ فكانت هذه الأوصاف التي ذكر الله -عز وجل- في المهاجرين والأنصار والذين جاءوا من بعدهم مبينة لمن يعيد الله -سبحانه وتعالى- هذا المال إليه، لمن يفيء الله -عز وجل- الأمر إليه؛ ولذلك نرى فيها تبشيراً لمن شابههم في صفتهم، وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «ومن تشبه بقوم فهو منهم» نرى فيها تبشيراً بأن يفيء الله -سبحانه وتعالى- على من تشبه بهؤلاء الصحابة مثلما أفاء عليهم، وأن ينصرهم كما نصرهم، وأن يؤيد من كان على طريقتهم كما أيدهم، وإن كنا بالتأكيد نجزم بأن أحداً لا يلحق بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؛ فهم سادة الأمة، وهم أساس البناء، الذين تحملوا فترات الإحراق، التي كانوا فيها يمثلون الإسلام على وجه الأرض كلها، كان أحدهم ربما يكون سبع الإسلام، أو ثمنه مدة من الزمن؛ فكان الواحد منهم يمثل جزءاً كبيراً من الدين -رضي الله تعالى عنهم.

فضل الصحابة وفضل حبهم

     نحن نعلم فضل الصحابة الكرام -رضي الله تعالى عنهم-، ونعلم فضل حبهم ومتابعتهم، وأن أفضلهم بعد النبي -صلى الله عليه وسلم - أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة وهم: طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ثم أهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، وكذلك يشهدون بالفضل لأهل بيعة العقبة -رضي الله تعالى عنهم-، ويعرفون فضل {مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} (الحديد:10)، وأصح الأقوال في هذا الفتح: أنه صلح الحديبية، فمن أسلم وهاجر وجاهد ونصر الدين قبل صلح الحديبية أعظم درجة من الذي أسلم وهاجر ونصر الدين بعد صلح الحديبية الذي سماه الله فتحاً.

ويعتقد أهل السنة: أن الله -عز وجل- اطلع على أهل بدر فقال: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم -.

     ويعتقدون قول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة إن شاء الله»، وهم يعرفون فضل المهاجرين، ويقدمونهم على الأنصار كما قدمهم ربهم -سبحانه وتعالى- في كل المواطن التي ذكر فيها المهاجرين والأنصار، فهم أساس البناء الذي تحمل فترات الشدة، التي كان الإسلام فيها مضطهداً في الأرض كلها، فرضي الله -تعالى- عنهم.

وللحديث بقية إن شاء الله

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك