رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 8 مايو، 2017 0 تعليق

الأربعون الفلسطينية (الْحَديثُ التَّاسِعُ وَالثَّلاثُون) الشَّجَرُ وَالْحَجَرُ يَفْضَحُ الْيَهُودَ فِي فِلَسْطِين

 

كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها، صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم، فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاء نشرح هذه الأحاديث في هذه السلسلة المباركة، واليوم مع شرح الحديث التاسع والثلاثين:

     عن أبي هريرة أن رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَقومُ السَّاعةُ حتَّى يقاتِلَ المسـلمونَ اليهـودَ، (وفي رواية عن ابن عمر: تقاتلون)، (وعنه: تُقاتِلُكُم اليهود فتسلطون عليهم)، فَيقتُلُهُمُ المسـلمونَ,حتَّـى يختبـئَ اليـَهُـوديُّ مِـن وَراءِ الحَـجَـرِ والشَّجَرِ، (وفي رواية: فلا يبقى شيءٌ مما خَلَقَ اللهُ يَتَوارَى بِهِ يَهودِيٌّ إلاَّ أَنطَقَ اللهُ ذلكَ الشَّيءَ، لا حَجَرَ، ولا شَجَرَ، ولا حائِطَ، ولا دابَّةً)، فَيقولُ الحجَرُ أَو الشجر، (وفي رواية: المدر)، يا مُسـلِمُ! يا عَبدَ اللـهِ! (وفي رواية: تَعالَ)، هَذا يَهودِيٌّ خَلفِي,(وفي رواية: ورائي)، (وفي رواية: تحت)، (وفي رواية: عندي)، فَتَعالَ فاقتُلْهُ، إِلاَّ الغْرقَدَ(وفي رواية: إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق)؛ فإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ اليهودِ».

شرح الحديث

الرسول -صلى الله عليه وسلم - يصف المعركة الأخيرة والفاصلة بين الحق والباطل، بين المسلمين واليهود، وهي معركة الإبادة الحقيقية لليهود؛ التي ستستأصل بها شأفتهم كليًا، وهي المعركة التي بها ستنادي كل موجودات الأرض بفضحهم وكشف مخبئهم، إلا شجر الغرقد.

     إنه الغضب القدري والكوني الذي يلاحق يهود آخر الزمان من كل مكان واتجاه، ومن كل مخلوق حي أو جماد نقمة على اليهود وثأرا منهم, فلن يبقى لهم نصير، بل ينطق الله كل شيء؛ ليكشف سرهم ويفضح أمرهم، حتى الغرقد من عرف حقيقته وما عليه من أغصان طويلة مليئة بالشوك المدبب والكثيف وبشكل مخيف، أيقن أنه ليس المكان والقرار الآمن لهم بل هي حيلة من لم يجد حيلة غيرها، وأنهم يلجؤون إليه على مضض؛ لأنه سيمزق أجسادهم حين يضطروا أن يختبئوا فيه أو عنده، وسيتحاملون على جراحاتهم ونزف دمائهم حتى يقضي الله -تعالى- أمره فيهم.

قوله: لا تَقومُ السَّاعةُ: وهو من أشراط الساعة الكبرى وفي آخر أيام الدنيا يكون ما سيخبر عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم -.

 قوله: حتَّى يقاتِلَ المسـلمونَ اليهـودَ: وفي رواية: عن ابن عمر: تقاتلون، وأخرى «تُقاتِلُكُم».

     قوله: ستقاتلون: الخطاب موجه للصحابة، غير أنه عام لإخوانهم المسلمين من بعدهم الذين سيكونون آخر الزمان. قال الحافظ: وفي قوله -صلى الله عليه وسلم - « تقاتلون اليهود» جواز مخاطبة الشخص، والمراد من هو منه بسبيل؛ لأن الخطاب كان للصحابة، والمراد من يأتي بعدهم بدهر طويل، لكن لما كانوا مشتركين معهم في أصل الإيمان، ناسب أن يخاطبوا بذلك.

والمراد بقتالهم حال نزول عيسى بن مريم عليه السلام، ويكون اليهود مع الدجال. والمعنى لـ«يقاتلكم اليهود»: أن من هو منهم في الذمة فسينقضون الذمة ويقاتلون، فيباح حينئذ قتالهم.

قوله: «فَيقتُلُهُمُ المسـلمونَ: فيه إشارة إلى بقاء دين الإسلام، إلى أن ينزل عيسى عليه السلام، فإنه الذي يقاتل الدجال، ويستأصل اليهود الذين هم تبع الدجال».

قوله: حتَّـى: تكرر في روايات أخرى قوله «حتى», «حتَّى يقاتِلَ المسـلمونَ اليهـودَ» و«حتَّـى يختبـئَ اليـَهُـوديُّ»، ومعلوم أن «حَتَّى» في اللغة للغاية, ويدل أن القتال يقع ويستمر قبل مجيء الدجال إلى أن يأتي زمانه، وفيه استمرار للنصر على اليهود مذ بُدئ بقتالهم.

     قوله: يختبـئَ اليـَهُـوديُّ مِـن وَراءِ الحَـجَـرِ والشَّجَرِ: وفي رواية: «فلا يبقى شيءٌ مما خَلَقَ اللهُ يَتَوارَى بِهِ يَهودِيٌّ إلاَّ أَنطَقَ اللهُ ذلكَ الشَّيءَ، لا حَجَرَ، ولا شَجَرَ، ولا حائِطَ، ولا دابَّةً» وعلى ما يبدو أن قائد اليهود في هذه المعركة سيكون الدجال، كما جاء في حديث، ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «ينزل الدجال في هذه السبخة، بِمَرّقاة، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه، وإلى أمه، وابنته، وأخته، وعمته، فيوثقها رباطًا، مخافة أن تخرج إليه، يسلِّط الله المسلمين عليه، فيقتلونه، ويقتلون شيعته، حتى إن اليهودي ليختبئ تحت الشجرة أو الحجر، فيقول الحجر أو الشجر للمسلم: هذا يهودي تحتي فاقتله».

قوله: فَيقولُ الحجَرُ أَو الشجر: وفي رواية «المدر» فيقول الشجر والحجر يا مسلم..: وهذا يكون في زمن عيسى بن مريم -عليه السلام- حتى لا يبقى شيء مما يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء.

قوله: يا مُسـلِمُ، يا عَبدَ اللـهِ: فيه دليل وتأكيد أن هذه الجمادات وسائر النباتات وغير ذلك هو من حلف المسلمين في ذلك الزمان، وأن الأرض كلها لفظت اليهود وتوحدت ضدهم.

 قوله: هَذا يَهودِيٌّ خَلفِي: وفي رواية «تَعالَ»، وفي رواية «ورائي»، وفي رواية «تحت»، وفي رواية «عندي» تعدد الألفاظ بتعدد الجهات إفادة أخرى ألا مناص لليهود من الاختباء بناحية دون غيرها، وأنهم فقدوا المأوى والنصير تماماً.

     قوله: فَتَعالَ فاقتُلْهُ: يبدو والله أعلم أن المناداة على الحقيقة وليس على المجاز؛ فتنادي هذه الجمادات والأشجار بصوت يسمعه المسلم وبلغة يفهما لتدل على مخبأ اليهود، وهذا وعد الله -عز وجل- يجب اعتقاد أنه حق، قال ابن حجر: «ظهور الآيات قرب قيام الساعة من كلام الجماد من شجر وحجر، وظاهره أن ذلك حقيقة، ويحتمل المجاز، بأن يكون المراد أنه لا يفيدهم الاختباء، والأول أولى. وأما كون الحجر يدل على اليهود ؛ فلأن شؤم غدرهم أوجب أن نمت الحجارة بأخبارهم».

    قوله: إِلاَّ الغْرقَدَ؛ فإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ اليهودِ: وفي رواية «إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق» وقوله: (إلا), استثناء، والغرقد نوع من شجر الشوك معروف ببلاد بيت المقدس وصغيرها عوسجة فإذا عظمت صارت غرقدة، وهو: ضَرْب من شجر العِضَاه وشَجَر الشّوك، والغَرْقَدَة واحدتُه، ومنه قيل لمَقْبَرة أهل المدينة: (بَقِيع الغَرْقَد) لأنه كـان فيه غَرْقَدٌ وقُطع. وجمعه غراقد.

     ولا ينبت إلا في الأرض السبخة عالية الملوحة، وصفة هذا الشجر أنه من العائلة الرطراطية صغيرة الأزهار وأشواكها حادة تؤذي من يلمسها، ولها أوراق لحمية سميكة بعض الشيء شكلها غير منظم ويصل ارتفاعها إلى المترين، رأيت كثيرًا من أهل فلسطين في هذا الزمان يستعملونه بوصفها سياجاً يحيط مزارعهم وبيوتهم لما يتمتع به هذا النوع من الشجر بالقدرة على الحجز الجيد الذي يحمي من خلفه ويؤذي من أراد اختراقه.

وفي الحديث ظهور الآيات قرب قيام الساعة من كلام الجماد من شجر وحجر، وظاهره أن ذلك ينطق حقيقة ويحتمل المجاز بأن يكون المراد أنهم لا يفيدهم الاختباء.

     وقد تأملت هذا النوع من الشجر فوجدته بئس المأوى لهم، فمثلهم مثل المستجير من الرمضاء بالنار، وألا حيلة لهم سوى أن يختبئوا عند من لا يشي بهم للمسلمين فإذا تأملنا وصف هذا الشجر وحال من اختبأ به أو عنده أنه سيصيبه منه أذى الشوك الكثيف الذي يملأ أغصانه الطويلة وأنها لا محالة تؤذي وتنهش جسد كل من اقترب منها؛ فما بال اليهود إذا اختبئوا فيه؟ ولاسيما إذا علمنا أنها في بعض البلدان وفلسطين بخاصة يجعل من هذا الشجر سياجاً يحيط به المزارع وبعض البيوت ليحميها من تسلل الأخرين، فهنيئًا لهم من مخبئ يضطرون للاختباء به مع ما يصيبهم من جراحات ينزفون بسببها الدم، ويحبسون معها صوت أنينهم وآهاتهم حتى لا نسمعهم حينها، حتى يموتوا نزفًا بإذن الله.

      كما لا يمكن استعجال استنطاقها في زمان قبل زمانها، ولا أرى من الفقه إنزال هذا الحديث على صراعنا الحالي مع اليهود واستعجال بشارة نطق الحجر والشجر في فضح اليهود، كما أنه -والله أعلم- أن يهود اليوم ليسوا هم الذين سيتبعون الدجال، بل ستزول دولتهم، ويعودون مرة أخرى إلى الشتات، أما يهود أتباع دجال آخر الزمان فسيكون أغلب أتباعه من يهود أصبهان كما جاء في حديث أَنس بن مالك أنّ رسول اللَّهِ -[- قال:  يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ».

ولا يعني ذلك ألا يتحقق نصر قبل هذه البشارة على اليهود؛ فليس ثمة مانع أن تقع الغلبة على اليهود قبل آخر الزمان.

فإن غَرْس هذا المفهوم في أذهان الناس في اتكالهم على أحاديث آخر الزمان فيه نوع من التقاعس عن العمل لمقاومة اليهود واسترداد الأقصى، وأن عيسى -عليه السلام- آخر الزمان سيكفينا مؤونة مقاتلة يهود، وأن الحجر والشجر وقتها سيكون حليفًا مهمًا للمسلمين.

     قال الشنقيطي: لا مانع من وقوع ذلك النصر عليهم إلى نزول عيسى -عليه السلام-: (حتى يقول الحجر..). وجاء في قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}  (الأعراف: 167)، ما يدلل على أن اليهود في ألوان من العذاب إلى يوم القيامة، ولنا أن نستخلص أقوال نخبة من المفسرين لهذه الآية لنجد أن هذه الحقيقة شاخصة أمامنا، قال الطبري: في قوله: «ليبعثن عليهم»، يعني: علم ربك، ليبعثن على اليهود من يسومهم سوء العذاب.

قال ابن كثير في تفسير قوله -تعالى-: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ} أي: على اليهود {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} أي: بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر الله وشرعه واحتيالهم على المحارم.

قال القرطبي: ومعنى «يَسُومُهُمْ» يذيقهم، قيل: المراد بخت نصر. وقيل: العرب. وقيل: أمة محمد -صلى الله عليه وسلم - وهو أظهر، فإنهم الباقون إلى يوم القيامة.  وقال الزحيلي في الوسيط: هذه الآيات إخبار لرسول اللّه -صلى الله عليه وسلم - بما أوجبه اللّه على بني إسرائيل من ألوان العذاب المعنوي والمادي قبل مجيء الإسلام.

وقال أبو بكر الجزائري في (أيسر التفاسير): السياق في شأن اليهود، فقد أمر -تعالى- رسوله أن يذكر إعلامه -تعالى- بأنه سيبعث بكل تأكيد على اليهود إلى يوم القيامة من يذلهم ويضطهدهم عقوبة منه -تعالى- لهم على خبث طواياهم وسوء أفعالهم.

     نستخلص من جملة أقوال المفسرين المتقدمين منهم والمتأخرين, لهذه الآية أن المقصود بها اليهود، وأن إذلالهم وعذابهم والغلبة عليهم ستكون عبر مراحل التاريخ إلى قيام الساعة، وأن ما جاء في حديث الباب المقصود به مقيد لخاتمة المعارك مع اليهود آخر الزمان، وقد اختص الله هذه المعركة أن الشجر والحجر ونحوه سيكون حليفًا مهمًا للمسلمين، وأن إبادتهم ستكون في هذه المعركة الخاتمة، وليس ثمة مانع أن تقع لهم الغلبة تلو الغلبة قبل هذا الميعاد والله -تعالى- أعلى وأعلم.

من فوائد الحديث

1- «حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر»: ذلك يقع قبل الدجال وهو من علامات نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم - أن يخبر عما سيقع. وهو إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم - بما سيقع في مستقبل الزمان.

2- إلا الغرقد استثناء من كل شيء من حجر وشجر فهذا النوع من الشجر فقط الذي سيتستَّر على اليهود وسيكون الحليف الوحيد لهم آخر الزمان، وفيه عبرة لمن يلهثون وراء سراب اليهود يرجون رضا أمة لفظتهم الأحياء والجمادات في الأرض إلا شجر الغرقد الذي لا يثمر ولا يأتيك منه إلا الشوك والأذى.

3- فيه دليل على أن سائر الأشجار والأحجار سيكونون مع جيش الإسلام وفي حلفه ضد اليهود في المعركة الفاصلة بين الحق والباطل.

4- إن معركتنا مع اليهود آخر الزمان ستكون معركة إسلامية صرفة لا حزبية فيها ولا قومية؛  لأن الحجر والشجر سينادي: يا مسلم وليس يا ذا القومية الفلانية ولا الحزبية الفلانية.

5- في الحديث إشارة وبشارة أن دين الإسلام باقٍ إلى يوم القيامة, قال ابن حجر العسقلاني: وفيه أن الإسلام يبقى إلى يوم القيامة.

6-أن النصر الذي يعيشه اليهود في زماننا هي فترة استثنائية في تاريخهم، لا ينبغي أن نسقط عليها كثيرًا من الأحكام؛ فالأصل في حالهم وعبر تاريخهم أنهم أمة ذليلة طريدة، واقرأ قوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (البقرة: 61).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك