رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 28 مارس، 2011 0 تعليق

بعد تراجع الهيمنة الأمنية ورفع حالة الطوارئ في مصر وتونس- هل يستعيد الإسلاميون حضورهم الاجتماعي والسياسي؟

 

ليس جديدًا التأكيد أن مسيرة الدعوة الإسلامية قد تعرضت لانتكاسة شديدة خلال العقود الثلاث الأخيرة في العالم العربي في ظل مناخ القبضة الأمنية الغليظة التي سادت عددًا لا بأس به من البلدان العربية كما حدا ذلك شعوبها لبدء موجة غضب شديدة أطاحت بنظامي زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، وانتشار اضطرابات تكاد تطيح بعدد لا بأس به من الحكام العرب وفي مقدمتهم العقيد معمر القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن وبشار الأسد في سوريا.

      وكان لافتًا بشدة التحلل الغريب لأجهزة الأمن في هذه البلدان وانهيار قبضتها الأمنية على جميع مناحي الحياة ومنها أو على رأسها مجال الدعوة الإسلامية، فكلنا يذكر كم القيود التي فرضت على المساجد في هذه البلدان والضوابط الصارمة التي قيدت الدعاة بل حصرت أوقات فتح المساجد بمواعيد إقامة الصلاة فقط وفرض حصار أمني على الدعاة وأئمة المساجد والمؤذنين لدرجة أن تعيينهم كان يشترط موافقات أمنية معقدة وتعهدات بعدم مخالفة النهج السياسي القائم والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلد، مع التلويح بالعصا لمن يحاول الخروج عن الخط المرسوم له.

نموذج شرس

        ولاشك أن النموذج التونسي في حصار الدعوة الإسلامية كان لافتًا بشدة، فاستخراج بطاقات للمصلين وإلزامهم بأداء الصلاة في مسجد واحد فقط ومعاقبة من لا يلتزم بهذه الضوابط والتعامل مع الدعاة وفقًا لمنظور القبضة الأمنية الغليظة وإجبارهم على تبني تصورات الدولة مهما كانت مخالفة لشرع الله وسنة رسوله [ جعلت تونس من أكثر البلدان تقييدًا للحريات الدينية والأكثر شراسة في تجفيف منابع الدعوة الإسلامية حيث لم يخف بن علي يومًا ضيقه الشديد من تنامي نفوذ الإسلاميين في المجتمع التونسي، ومن إخفاق محاولاته المستميتة لإيجاد حالة انفصام بين الشعب التونسي وهويته الإسلامية، والقيود الشديدة المفروضة على الدعوة في تونس ومصر لم تكن بعيدة عن باقي الدول ولاسيما أنها تزامنت مع ضغوط أمريكية شديدة على هذه الأنظمة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتجفيف منابع الإسلام عن فرض قيود على الدعوة ومحاصرة الدعاة، بل قادت حملة أطلقت عليها تجديد الخطاب الديني بهدف تفريغ الدين الإسلامي من مضمونه وتحويله لمسخ مشوه.

       وقد تعاطت الأنظمة العربية بإيجابية، فهناك من حاول تقليص دور المنظمات الخيرية والإغاثية الإسلامية، وحاول فك ارتباطها مع الأقليات الإسلامية، وهناك من حجب التبرعات عن هذه المنظمات مما أسهم في التحليل الأخير في تراجع دورها، بل إفساح المجال للمنظمات التنصيرية لتحل محلها وتقوم بتقديم الغالي والنفيس لإقناع المسلمين بالابتعاد عن دينهم كمرحلة أولى ثم العمل على إغرائهم بالارتداد عن دينهم.

بارقة أمل

       وأيًا كانت قتامة الواقع السابق فإن مؤشرات الأوضاع حاليًا في الدول التي جرت بها تطورات سياسية تبدو إيجابية، فمثلاً في مصر بدأت التنازلات الإسلامية على مختلف ألوان طيفها وفي مقدمتهم السلفيون والإخوان المسلمين، ويطلق عليهم الجماعات الجهادية؛ حيث أعلنوا عن أنشطتهم بحرية تامة وبشكل معلن سواء في المساجد أم في الجامعات وهو أمر كان محظورًا بل كان في السابق يجلب متاعب ومحاكمات قد تفضي لعقوبات سالبة للحرية لمن تورطوا فيها لسنوات لا أشهر.

      بل إن الأمر تجاوز النشاط الدعوي إلى محاولة بعضهم أو بحثهم إمكانية أداء دور سياسي بعد انفتاح البلاد على أجواء حريات، بل إعلان المجلس العسكري الحاكم في مصر عن إطلاق حرية الأحزاب بالإخطار حيث تبرر هذه القوى ومنها بعض رموز التيار السلفي ذلك بأهمية المشاركة في العملية السياسية ولو من باب استخدامها للحفاظ على هوية البلاد الإسلامية في ظل مطالبة بعضهم بإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري الذي يعد الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع من ناحية والعمل على دفع العمل الدعوي بشكل يقرب البلاد ولو تدريجيًا من النموذج الإسلامي النقي حسب وصفهم.

انتشار واسع

       وكان لافتًا بشدة الانتشار الواسع للتيار السلفي بالجامعات المصرية ولاسيما جامعة الأزهر التي كانت تحظر أي نشاط ذي صبغة دينية، إلا أن اللافت أن الطلاب السلفيين بدؤوا يقومون بدور دعوي ملحوظ في صفوف الطلاب، بل بدأت عناصر منهم للعمل في مجال الدعوة.

       وما حدث في مصر لم يختلف كثيرًا عن تونس وإن كانت الجماعات الإسلامية في مصر أكثر تنظيمًا وقوة بفعل قدرتها على إبقاء «شعرة معاوية» مع النظام السابق الذي لم ينهج معها نهجًا استئصاليًا بعكس ما حدث مع النظام التونسي.

         وبدا واضحًا أن الإسلاميين في تونس بدؤوا مرحلة جديدة حيث أوقفت حكومة الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة الحالية جميع الإجراءات الخاصة بحظر القوى والأحزاب الإسلامية ورفعت القيود على أنشطتها وعادت إليها بعض مقراتها وهو ما يشير لعهد جديد قد تستطيع معه هذه التيارات استعادة الهوية الإسلامية للشعب التونسي ونفض غبار ما يقرب من 50 عامًا من حصار الدعوة الإسلامية خلال حقبتي بورقيبة وبن علي.

       ومن المؤكد أن التحسن الواقع من جهة رفع القيود على الإسلاميين والعمل الدعوي الإسلامي في كل من مصر وتونس سيتكرر بجلاء ووضوح في حالة تخفيف قبضة الأجهزة الأمنية على مجال الدعوة في كل من سوريا وليبيا واليمن، خصوصًا أن عديدًا من هذه الدول مارست عصفًا بحق الإسلاميين سعيًا منها لتعزيز قبضتها على السلطة أو إرضاء للولايات المتحدة الأمريكية.

خطاب واضح

        من جانبه يرى د. محمد المختار المهدي الرئيس العام للجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة أن التطورات الأخيرة في العالم الإسلامي تصب في صالح الدعوة الإسلامية حيث ترفع القيود التي عانتها طوال السنوات الماضية، لافتًا إلى أن إنهاء حالة الطوارئ وانتهاء قبضة الأمن الغليظة على المساجد والمراكز الإسلامية يعطي أن فرصة للإسلاميين لتعويض ما عانوه طوال السنوات الماضية.

       ويضيف: لقد كان تدخل الأجهزة الأمنية بشكل سافر في كل ما يخص الدعوة الإسلامية والملاحقات المستمرة للدعاة من القيود التي أقضت مضاجع الإسلاميين وأضعفت من قدراتهم على التواصل مع جماهيرهم في معظم أنحاء العالم العربي، مشيرًا إلى أن توجه الإسلاميين بخطاب ديني واضح لا لبس فيه سيجعلهم قادرين على التواصل مع الغالبية الساحقة من الشعوب العربية التواقة لنصرة دينها والساعية بقوة ليتبوأ ديننا الحنيف الدور الذي يليق به في مجتمعاتنا.

      وطالب المهدي بضرورة تنحية الخلافات بين الإسلاميين جانبًا خلال المرحلة القادمة إذا كانوا جادين في أداء دور قوي دعويًا وسياسيًا.

       أما التحدي الأهم في هذا الإطار فيتمثل في بقاء التنسيق بين القوى الإسلامية دون المأمول، حيث لعبت الخلافات والتباينات الشرعية فيما بينها دورًا في التباعد بينهما في السابق، إلا أن الأوضاع حاليًا تبدو مرشحة للتحسن وهو ما عكسه وجود حالة توافق بين التيار السلفي متنامي النفوذ في مصر وجماعة الإخوان المسلمين خلال الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية في مصر؛ حيث عكس دعم الطرفين للتعديلات مخاوف من إمكانية أن تؤثر أي مواقف مغايرة على المادة الثانية من الدستور المصري الخاص بوضع الشريعة الإسلامية، بل خرجت إشارات من شخصيات من جميع ألوان الطيف الإسلامية تطالب بضرورة التنسيق وتوحيد المواقف بما يصب في صالح الإسلاميين.

       غير أن هذا الأمر قد يواجه صعوبات من بينها التباينات السياسية والشرعية بين الطرفين وحالة من عدم الثقة بين هذه الأطراف طوال السنوات الماضية بسبب تبنيها مواقف مختلفة من قضايا عديدة ومسائل تحض على استخدام العنف كأداة للتغيير وغيرها من المسائل، وهو ما يعزوه د. ضياء رشوان الخبير في شؤون الجامعات الإسلامية إلى سنوات من مناخ عدم الثقة والذي أثر بالسلب على وجود نوع من التنسيق خلال هذه السنوات أو الفترة القادمة رغم أن التعاون بينهما كان واضحًا خلال التصويت على التعديلات الدستورية.

       وأضاف: رغم موقف ألوان الطيف الإسلامي من لعب دور سياسي خلال المرحلة القادمة إلا أن هناك قضايا قد تجمع الإسلاميين تحت مظلة واحدة في ظل سعي القوى الليبرالية والعلمانية واليسارية لتوحيد صفوفها بشكل سيفرض على الإسلاميين البحث عن صيغة توافقية تجمعهم لخوض معركة سياسية هي الأهم في تحديد مستقبل الإسلاميين، وهو أمر لا يقتصر على مصر وحدها بل قد يتكرر في عدد من الدول العربية.

        ولفت د. رشوان إلى أن زوال القبضة الأمنية ورفع الحظر على أنشطة بعضهم يعطيهم فرصة لاستعادة أرضيتهم داخل البلدان العربية حيث مورست ضدهم حرب طحن عظام طوال السنوات الأخيرة، غير أنه طالب الإسلاميين العرب بالتعامل مع هذه الفرصة بشكل ذكي وعدم استغلال ما يتمتعون به من ثقل لإزعاج الآخر وتخويفه، بل توجيه رسالة اطمئنان له باعتبار ذلك يصب في صالح الجميع.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك