رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: هدى علي الحوال 31 أغسطس، 2020 0 تعليق

وقفات مع أسماء الله الحسنى – اسم الله القيوم


قال ابن رجب -رحمه الله-: «أفضل العلمِ العلمُ بالله، وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله، التي توجب لصاحبها معرفة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته والتبتل إليه والتوكل عليه والرضا عنه والانشغال به دون خلقه»، وإن من يتعلم اسم الله القيوم، ويدرك معناه وأثره، ستنغرس محبة الله -عز وجل- في قلبه ولا بد، محبةً لا تخبو أبداً، آخذة بمجامع لبّه وفؤاده، لتسير به إلى محاب ربه ومراضيه سيراً حثيثاً، فتفيض أنوار روحه، وترتقى منازل العبودية.

واسم الله القيوم ورد في القرآن الكريم ثلاث مرات: في سورة البقرة {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}، وفي سورة آل عمران {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وفي سورة طه {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ}.

     كما ورد في السنة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال أستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلَّا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليه غُفِرَ له وإنْ كان فرَّ من الزحفِ»، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة -رضي الله عنها-: «ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أو تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين؟»

 معنى اسم الله القيوم

قال أبو عبيدة: القائم وهو الدائم الذي لايزول، وقال السعدي: القائم بنفسه القيوم لأهل السماوات والأرض، القائم بتدبيرهم وأرزاقهم وجميع أحوالهم.

     ومن مظاهر قيوميته -سبحانه- إبداعه في خلقه، وفي صنع هذا الكون الهائل الذي يسير وفق نظام دقيق بارع، {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هو}، ثم كمال عظمته في إحكام تسيير هذه الأكوان الفسيحة الباهرة، كواكب ومجرات كل في سربه وفلكه، -سبحانه- رب العزة، {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ}، الذي رفع السماء بلا عمد، وجعل الأرض قراراً، وثبتها بجبال راسيات، وأنزل الماء فأنبت به الحدائق الغناء، وسير خلالها الجداول و الأنهار، {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}، فهو القيوم القائم بتدبير شؤون خلقه المتصرف في كل ذرة من ذرات هذا الكون العظيم، ولا قيام لخلقه إلا به.

أثر التعبد باسم الله القيوم

أولاً: الافتقار إليه

لما يوقن العبد بأن الله هو القيوم القائم على كل نفس، ويتبرأ من حوله وقوته، ويعلم أن ما من أحد من خلقه ينفك عن هذا الوصف {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّه}.

     والافتقار هو أن يقبل العبد على الله بالكلية، ويرى بقلبه وعينه نعم الله العظيمة المتوالية، فيستحقر كل طاعة أمام عظمته وكثير هباته وعطاياه، فالافتقار ألا يرى المرء نفسه شيئاً، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: «الفقر الحقيقي دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله -تعالى- من كل وجه».

وقد حقق هذا المقام أشرف خلق الله وهم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-؛ فهذا موسى (كليم الله) يقول {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}، فكل الخلق فقراء إلى الله في جميع الوجوه.

- فقراء بإيجادهم، فيخلق المرء بأمر ربه و يمكث في هذه الدنيا بقدر محدد، وإذا جاء أجله الذي حدده بارئه، غادر وارتحل فهو الفقير الذي لا يملك بقاءه وارتحاله.

- فقراء بإمدادهم بالرزق، فهو الذي يرزق النملة التي تدب على الصخرة الصماء، ويرزق الحيتان في عمق المحيطات، ويرزق الجن والإنس وكل من عليها، فالكل فقير إلى رزقه وتدبيره.

- فقراء بتألههم إلى الله، فقد من الله -تبارك وتعالى- على عباده بإرسال الرسل وإنزال الكتب ليهديهم إليه، فلولا فضله ما اهتدى من البشر أحد، قال -تعالى-:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا}.

- فقراء في تربيتهم بأنواع التربية، فما أحوج المخلوق لتربية خالقه العليم بخفاياه! فيربيه بأنواع النعم والمحن، بحكمة منه وعدل.

ثانيا: محبة الله

     حين يشهد العبد كمال قيومية الله وأنه الجامع لصفات الكمال والجلال، والقائم بنفسه المقيم لغيره، فإن محبة الله ستتغلغل في قلبه بلا ريب، ويدرك أن من له هذه الصفات و الأفعال هو المألوه المطاع المستحق للعبودية، يقول ابن تيمية: «كلما ازداد القلب حباً لله، ازداد له عبودية، وكلما ازداد له عبودية ازداد له حباً وفضله عما سواه»، فمتى بلغت محبة الله في قلب العبد مبلغاً كبيراً فإنه يجد الخير العظيم والنفع العميم.

     يقول الشيخ السعدي -رحمه الله-: «فتبارك الذي جعل وأودع المحبة في قلوب المؤمنين ثم لم يزل ينميها ويقويها حتى وصلت في قلوب الأصفياء إلى حالة تتضاءل عندها جميع المحاب وتسليهم عن الأحباب، وتهون عليهم المصائب، وتلذذ لهم مشقة الطاعة، وتثمر لهم ما يشاؤون من أصناف الكرامات التي أعلاها محبة الله والفوز برضاه والأنس بقربه».

     وإذا استحكمت هذه المحبة في القلب نتيجة التعبد باسمه القيوم، ورثت الرضا بالقدر خيره وشره، الرضا بما أعطى و أخذ، وقد سئل الفضيل بن عياض: يا أبا علي، متى يبلغ الرجل غايته من حب الله -تعالى-، فقال الفضيل: إذا كان عطاؤه ومنعه إياك عنك سواء فقد بلغت الغاية من حبه.

ثالثاً: التوكل على الله

     كما أنه إذا استقر معنى القيومية في القلب فلن يجد العبد بدّاً من اللجوء إلى الله والاعتماد عليه والاستعانة به، والتوكل عليه في جل أموره ودقيقها، قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «التوكل هو علم القلب بكفاية الرب للعبد «أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ»، ولأنه القيوم ومقاليد الأمور كلها بيديه، فهو كاف خلقه، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين: «أن التوكل لا يتحقق إلا بأمور منها: معرفة بالرب وصفاته؛ من قدرته وكفايته وقَيّوميته، وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته وقدرته، وهذه المعرفة أول درجة يضع بها العبد قدمه في مقام التوكل..»، فكيف يهنأ المرء بعيداً عن خالقه وزمام القلوب بيده.

  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك