رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 24 يناير، 2011 0 تعليق

وقفات فقهية (7) – تعريف التوحيد وأركانه(2)

 

سادسا: النبي [ بلغ ما أوحي إليه من ربه مما فيه صلاح العباد في معادهم ومعاشهم ولم يكتم منه شيئا، يقول الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل: 44). وقد حملت لنا الصحاح والسنن والمسانيد إشهاده [ بتبليغه حتى آخر حياته، ومنها حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كشف رسول الله [ الستر ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه فقال: «اللهم هل بلغت ثلاث مرات ». الحديث واللفظ لمسلم (برقم: 479) وفيما صح من سنن النبي [.

       وما ذهب إليه أئمة السلف الصالح الإعراض عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض كيفية الصفات إلى الله سبحانه بعد الإيمان بها.. فهذا أسلم ما يُتعبد الله به، فالأولى الاتباع وترك الابتداع، كما إن إجماع الأمة حجة متبعة وهو مستند للشريعة.. وقد درج أصحاب الرسول [ على ترك التعرض لكيفيتها مع اعتقاد معانيها، وهم صفوة الأمة والمشتغلون بأعباء الشريعة وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها.. فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغاً أو محتوما لكان اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة.. فإذا انصرم عصر الصحابة رضي الله عنهم، وعصر التابعين على الإضراب عنه، كان ذلك قاطعا بأنه هو الوجه المتبع بحق.. فعلى المسلم إثبات ما أثبته الله تعالى من الصفات لذاته من غير تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، ولاتكييف، ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل كيفيتها إلى الله، مع اعتقاد معانيها، والإيمان بها، قال الإمام أبوحنيفة - رحمه الله - في الفقه الأكبر: فما ذكره الله في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف (نعلمه)، ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر، والاعتزال ولكن يده صفة بلا كيف، وغضبه ورضاه صفتان من صفات الله تعالى بلا كيف، ومما استُحسن من الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - حين سُئل عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} قال: «الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة» فلتجر آية الاستواء والمجيء وقوله: {لما خلقت بيدي} (ص: 75). وقوله: {ويبقى وجه ربك} الرحمن، وقوله: {تجري بأعيننا} (القمر: 14). وما صح عن الرسول [ كخبر النزول وغيره على ماذكرناه فهذا بيان ما يجب لله تعالى، انتهى. وفي كتاب الإتقان في علوم القرآن: أخرج أبوالقاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريق الحسن البصري عن أمه، عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان والجحود به كفر».

      الخلاصة: وجوب الإيمان بأسماء الرب وصفاته جملة وتفصيلا، لإثباتها بذواتها بلا تبديل ولا تحريف، وإثبات معانيها بلا تأويل، وإثبات مدلولاتها بلا تعطيل، والتفويض لكيفيتها لرب العالمين، وابتغاء التوسل بها للخالق العظيم والله أعلم.

الركن الثالث: توحيد الألوهية (العبادة) وهو توحيد الله بأفعال العباد:

     أولا: يتحقق توحيد الألوهية بمعرفة معنى لا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له، والعمل بإفراده بالعبادة لاستحقاقه لذلك، ونفي ما سواه لأنه باطل وغير مستحق للعبادة. وهذا التوحيد هو موضع الصراع بين الحق والباطل، وهو توحيد الفطرة إذا علمت وعقلت أو وقعت في الشدائد، يقول الله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (الروم: 30) فأكثرهم لا يعلمون، فهم لا يدعون الله وحده مخلصين اتباعا للفطرة، إلا في الشدائد ولكنهم في الرخاء يغلب عليهم الجهل وبُعد العقل وعدم السلامة من تأثير الغير. ويقول الله تعالى: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون} (يونس: 12).

     ثانيا: وحدانية الله واستحقاقه للعبادة حق لا مراء فيه، يقول الله تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} (البقرة: 63)، ويقول الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (الأنبياء: 25).

     ثالثا: ولتأكيد ذلك، يقول تعالى: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل} (الأنعام: 102) وقوله تعالى: {ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} (الأنبياء: 22) ويقول الله تعالى: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا} (الإسراء 42-43) وقوله تعالى: {وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} (المؤمنون: 90-91). فالشرك محبط للعمل، يقول الله تعالى: {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} (الأنعام: 88).

      رابعا: توحيد الألوهية بعث الله به الرسل، وانزل به الكتب، أن يعبد الله وحده لا شريك له، وهو العمل بمستلزم توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، فشعار الإيمان أن تشهد أن لا إله إلا الله، كما مر بنا حديث وفد عبدالقيس قال: «وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة ألا إله إلا الله..» وهو شعار الإسلام أيضا فحديث جبريل: قال رسول الله [ له: «الإسلام أن تشهد أنه لا إله إلا الله..» والعمل به: {ذلك بأن الله هو الحق وأنما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (الحج: 62) وأما مجرد توحيد الربوبية (أي الإيمان بأن الله خالق كل شيء) دون توحيده بالعبادة، فهذا التوحيد كان في المشركين كما قال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106)، أي ما يوحدون الله بمعرفة حقه، إلا جعلوا معه شريكا من خلقه.

     خامسا: وللتذكير بمعنى لا إله إلا الله، يقول الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم} (محمد: 19) فالإله: هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة وإجلالا، خوفا، ومحبة، رجاء وطمعا، توكلا عليه، وسؤلا منه ودعاء له وحده، لا يُشرك به، وأن ما سواه باطل وغير مستحق للعبادة. ولهذا فكثيرا ما يرد الأمر بعبادة الله مقرونا بنفي عبادة ما سواه. يقول تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (لقمان: 30). وعلى هذا أجمع الرسل بأمر الله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل: 36). ولما قال النبي [ لكفار قريش: قولوا لا إله إلا الله قالوا: {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} (ص: 5) ففهموا منها أنها تبطل عبادة الأصنام (والأموات) وتحصر العبادة لله وحده، بخلاف المخالفين، المتأخرين فهم لم يفهموا ذلك أو تجاهلوه، والله تعالى يقول: {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون} (يونس: 33).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك