رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 12 ديسمبر، 2016 0 تعليق

وقفات بعد نزول المطر

     عندما يتأخر الغيث عن الناس تراهم يلجؤون إلى الله -تعالى- ويتضرعون إليه، فهذا يستغفر، وذاك يدعو، ثم يجتمع المسلمون لصلاة الاستسقاء، يسألون الله -تبارك وتعالى- أن ينزل عليهم الغيث، وبعد أيام تأتي البشائر فتتجمع السحب الثقال، ونرى البرق، ونسمع الرعد، فينزل الغيث ماء طهورا مباركا، فترتوي به الأرض، فينبت الزرع، وتدر البهائم الضرع، وتجري الوديان، وتمتلئ الآبار، وتسيل العيون، وتفيض السدود برحمة الله تعالى.

     وترى الفرحة والسرور قد عمت الوجوه، واستبشر الناس خيرا، وقد لهجت ألسنتهم شكرا لله -عزوجل- قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}(الفرقان: 48-50).

-  فنزول المطر بقدرة الله ورحمته؛ فعن يزيد بن خالد الجهني، قال صلى بنا رسول الله صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر! فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته؛ فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا، وكذا؛ فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» رواه مسلم.

- نزول المطر يذكرنا بإحياء الله الأرض بعد موتها، وأنه سيحيي البشر بعد موتهم، ويبعث من في القبور، ولا يعجزه شيء، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(فصلت: 39).

- نزول المطر يذكرنا بحقيقة الدنيا, وأنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، والدنيا لها متاع وزخرف، ولكن سرعان ما تزول وتذهب؛ ولذلك على العبد أن يتزود منها للآخرة، قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا}(الكهف: 45).

- نزول المطر نظف الجو من الشوائب والرواسب والحشرات والأمراض، وأنزله الله مزنا عذبا نقيا، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ}(الواقعة: 68-70).

- نزول المطر لتشرب منه الأنعام، وتنتج اللحوم والألبان للناس، وتخرج الأرض من الثمرات رزقا لهم، ويكون التوازن في ثلثي اليابسة؛ ولأن الماء حاجة كل حي، قال تعالى: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ}(البقرة: 22).

- نزول المطر ليطهر القلوب، ويذهب رجز الشيطان، ويثبت به الأقدام، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(الأنفال: 10).

- نزول المطر لا يدل على رضا الله -تبارك وتعالى- على العباد؛ فالمطر ينزل على بلاد وشعوب ليست إسلامية، وربما كثرت فيها الذنوب والمعاصي والظلم والعدوان؛ فنزول المطر قد يكون استدراجاً لهؤلاء، وقد يكون بدعوة رجل صالح، أو طفل، أو رحمة بالبهائم، وقد يكون تنبيها للمقصرين ليقوموا بشكر الله وحمده والتوبة إليه، والاستقامة على منهجه؛ ففي الحديث: «ولم ينقص قوم الميكال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا» رواه ابن ماجه.

- وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول المطر أنه كان يقول صلى الله عليه وسلم: «اللهم صيبا نافعا»، وكان يقول: «مطرنا بفضل الله ورحمته»، وكان يدعو عند نزول المطر، وكان يكشف رأسه تحت المطر، وفي حديث عبدالله بن الزبير: «ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر».

وأخيرا يقول الحسن عندما يرى السحب: «في هذا والله رزقكم، ولكنكم تُحرمونه بخطاياكم وذنوبكم».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك