وثائق تاريخية من مجلة الفتح(3) القضاء على آمال اليهود في البراق
المسجدُ الأقصى المبارك هو محلُّ القلب وسويداء الفؤاد، وقطب الرّحى، وميزان القضيّة، بل وقضيّة القضايا، كان وما زال عنوان الصراع مع اليهود الغاصبين، ومع كلّ من امتدّت يدُه إليه بشرِّ مُذ نودي فيه بـ(حيّ على الصلاة، حي على الفلاح)، واستكمالاً لنشر الوثائق التاريخية لأرشيف مجلة الفتح، من شهادات ومرافعات قدمها أهل العلم والاختصاص من المسلمين أمام اللجنة الدولية للبراق في عام 1930م، نذكر ما ذكره محب الدين الخطيب في معرض الحديث عن مكان البراق، والحي المجاور، وأنه وقف إسلامي منذ 24 رجب سنة 666هـ إلى الآن.
تقدَّم المسلمون بحججهم الداحضة، ومستنداتهم الباهرة، التي تثبت أن مكان البراق والحي المجاور له، وقفٌ إسلامي منذ مئات السنين، خالصاً لهم من دون خلق الله أجمعين، لا يعارضهم فيه أحد بحق ولا باطل، وسيكون ذلك باقياً دائماً ما دام على وجه الأرض مسلم.
تقدّم المسلمون إلى اللجنة الدولية التي جاءت من جمعية الأمم لتحكم في مسألة أرض البراق بمستندات خشعت لها أبصار من يحترمون الحق، وهلعت لها قلوب الذين كانوا يحدّثون أنفسهم بإمكان اغتصاب هذا الحق يوماً ما.
لقد وقفنا في هذا الأسبوع أمام أمم الأرض، وفي أيدينا الوثائق التاريخية والمستندات القضائية التي لا تتردد محكمة من محاكم الدنيا عند الاطلاع عليها، في الحكم لنا بأننا أصحاب ذلك الحيّ كله، بما فيه الرصيف والشارع، حتى الجدار الذي هو جزء من الحرم القدسي المبارك.
الإسلام سمح كريم
فليس هناك سم خياط ينفذ منه لليهود أمل في هذا المكان الإسلامي، لا من جانب الحرم شرقاً، ولا من جهة الوقف الإسلامي غرباً؛ فنحن أصحاب الساحة كلها والحيّ بمجموعه، وأن اليهود يقفون -إذ يقفون- ليبكوا على أرض هي من وقف المسلمين، وإنما مكّنهم المسلمون من هذه الوقفة فضلاً منهم وإحسانا؛ لأن دينهم دين سعة وتسامح، وقد مكّنهم المسلمون من ذلك والقوة في يد المسلمين، وفي استطاعتهم أن يذودوا غيرهم عن تلك البقعة بالسياط أذلّة وهم صاغرون، ولكن المسلمين لم يفعلوا ذلك وهم في أوج القوة؛ لأن الإسلام سمح كريم، يسع من مخالفيه ما لا يسعه دين آخر من مخالفيه على وجه الأرض.
وإذا كانت هذه السماحة من المسلمين من شأنها أن تجرّ عليهم المصائب ووجع الرأس؛ فإن هذا الدرس النافع سيعلّم المسلمين بعد اليوم كيف يتّقون الضرر، وكيف يتمسكون بالخير الذي لا يأتي منه شر، ويتجنبون الخير الذي يؤدي إلى الشر، وما كان المسلمون مكلَّفين من دينهم ولا من أخلاقهم، بأن يحسنوا إلى غيرهم إحساناً يكون مجلبة الضرر لهم، وسبب الوبال عليهم.
حجة الوقف الصادرة من الملك الأفضل
جاء رئيس كُتّاب المحكمة الشرعية في القدس، يحمل إلى لجنة جمعية الأمم حجة الوقف الصادرة من الملك الأفضل، أكبر أنجال السلطان صلاح الدين الأيوبي، وتاريخ هذه الوقفية 24 رجب سنة 666 هجرية، والقاضي الذي تمت على يده، هو القاضي جار الله ابن إسحاق.
والوقفية تنصّ على أن الرصيف نفسه داخل في الوقف الشامل لحي المغاربة بأجمعه، وأن الحدّ الشرقي له هو الحرم الشريف، أي جدار البراق الذي يشاغب اليهود عليه؛ فهذا الجدار هو من الحرم القدسي الشريف شرقاً، وقائم على حدود الوقف الإسلامي الباقي من زمن الملك الأفضل سنة 666هـ، من الجانب الغربي.
وقفية أبي مدين شعيب
لم يكتف المسلمون بهذا المستند العظيم، بل أبرزوا مستنداً آخر لا يقلّ عنه أهمية، وهو وقفية سيدي (أبي مدين شعيب)، وتاريخها 29 رمضان سنة 720 هـ، وهي تؤيد الوقفية السابقة، ويستغنى بها عنها لو أن الوقفية الأولى لم تكن موجودة.
وأبرزوا أيضاً حكماً قضائياً صادراً من محكمة القدس الشرعية سنة 1248 هـ، في قضية وقعت بين اثنين تنازعاً على دار هناك؛ فأثبت الحكم القضائي أن تلك البقعة وقف إسلامي من وقف (أبي مدين)، ثم أبرزوا حكماً آخر تاريخه 10 شوال سنة 1276هـ، ومصدّق عليه من استنبول أيضاً.
وقد قرر السيد محمد نسيب البيطار -رئيس كُتّاب المحكمة الشرعية- أن الوثائق المتعلقة بالأوقاف جميعها تحفظ عادة في المحاكم الشرعية، والقانون ينصّ على استخراجها لإثبات إحدى الوقفيات، أو الأوراق المتعلقة بها، وأن المحاكم جميعها في فلسطين قبل الحرب العامّة وبعدها وفي هذه الأيام، تحكم -دون أية بينة أخرى- بموجب الوثائق المستخرجة من المحاكم الشرعية.
القضاء الفلسطيني
فالقضاء الفلسطيني في حالته الحاضرة، يكتفي بهذه المستندات للحكم بأن حيّ المغاربة كله، والشارع، والرصيف حتى جدار (البراق) الذي يسميه اليهود (المبكى)، كله وقف إسلامي محض لا يجوز بيعه، ولا هبته، ولا التنازل عنه بوجه من الوجوه، وهو للموقوف عليهم من المسلمين خالصاً لهم من دون خلق الله أجمعين.
الحقّ أصبح واضحاً
وبعد؛ فإن الحقّ أصبح واضحاً لأمم الأرض، وأن الفوز الذي كتبه الله للمسلمين في مسألة البراق، جاء أعظم وأجلى من الفوز الذي نالوه من قبل في لجنة التحقيق البريطانية التي تألفت عقب الثورة، وإذا كان اليهود يحرقون الأُرَّمَ، ويلعنون اللجنة السابقة على كل لسان من ألسنتهم؛ فسيكون غيظهم من لجنة التحقيق الدولية أعظم بكثير، ويخشى إذا طال بهم المدى أن يميتهم الغيظ، وكان لهم في الحق حياة، لو رجعوا إلى الحق وقنعوا به».
لاتوجد تعليقات