مفهوم الشخصية ووحداتها في السنة النبوية (1) مفهوم الشخصية السوية
حرص نبينا - صلى الله عليه وسلم - على بناء الشخصية السوية، التي تعمِّر وتبني، وتُصلح ولا تُفسِد، وفقَ الرسالة السامية التي دعا الإسلامُ إليها، وقد بنى - صلى الله عليه وسلم - الشخصيةَ على التوازن بين حاجات الروح والجسد، والتمسك بالقيم النبيلة والأخلاق السامية، وبتلك الشخصية السوية يتكون مجتمع صالح متماسك يسري الحب والتعاون بين أبنائه؛ لذلك جاء البحث للوقوف على أبعاد بيان مفهوم الشخصية السوية في السنة النبوية وعند علماء النفس.
والإنسان السوي صاحب النفس المطمئنة هو الذي يعيش وفقا للفطرة التي فطره الله -تعالى- عليها وهي عقيدة التوحيد ولقد تحققت الشخصية السوية في أكمل صورها في شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي توازن فيه الجانبان المادي والروحي، فشخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - هي الشخصية الإنسانية الكاملة، والنموذج الأكمل للشخصية السوية التي تتحقق فيها الاستقامة في السلوك في أكمل صورها، قال -تعالى-: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب)، فشخصيته مدرسة شرعية مترامية البنيان.
تعريف الشخصية
الشخصية هي كل صفة تميز الشخص عن غيره من الناس، فذكاؤه وقدراته الخاصة وثقافته وعاداته ونوع تفكيره وآراؤه ومعتقداته من مقومات شخصيته، كذلك مزاجه ومدى ثباته الانفعالي ومستوى طموحه، وما يحمله في أعماق نفسه من مخاوف وعقد، وما يتسم به من صفات اجتماعية وخلقية، فضلا عما يتميز به من صفات جسمية كالقوة والجمال، وبهذا فإن الشخصية في علم النفس هي جملة من الصفات الجسمية والعقلية والمزاجية والاجتماعية والخلقية التي تميز الشخص عن غيره تمييزا واضحًا.
قوة الشخصية
والشخصية تكون قوية إذا ارتبطت عناصرها واتجهت لغرض واحد في الحياة، فإن هذا الترابط والتوحيد في عناصر الشخصية وأغراضها يسمى تكامل الشخصية. وأسمى الأهداف وأعظمها الإيمان بالله -تعالى-، لذلك فإن كمال شخصية العبد بكمال إيمانه وتعلقه بالله -تعالى-، وكلما كان إيمانه أقوى كانت شخصيته أقوى وأكثر تكاملا، لارتباط وحداتها ودوافعها نحو هدف واحد سام، وهو كمال العبودية لله -تعالى-. ويمكن تعريف الشخصية السوية في السنة النبوية بأنها المنطلقة من دافع الإيمان القوي بالله -تعالى-، والمتبعة لمنهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحياة.
الشخصية الصادقة المؤمنة
ولقد علق النبي - صلى الله عليه وسلم - البشارة بالدارين للشخصية الصادقة المؤمنة فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أَبْشِرُوا وَبَشِّرُوا مَنْ وَرَاءَكُمْ، أَنَّهُ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ صَادِقَا بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»، فصاحب الشخصية السوية هو الصادق الذي حقق الإيمان بأركانه فاستحق بذلك دخول الجنة. ويطلق على الشخصية السوية في علم النفس الشخصية البحبوحة، وهي تؤدي دورها الإنساني السليم، وهي بفضل تفاعلها ومشاركتها الواعية والتزامها بالقيم الإسلامية الرشيدة وحرصها المستمر على إعمال الإدارة دائما في كل تصرفاتها، تجعل الأمل وما يصاحبه من تفاؤل هو الغاية، ونجد هذا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، فالمؤمن منضبط الانفعالات، متصف بالإيجابية وقوة الإرادة بما يملكه من وحدات معرفية تثبته وتقويه.
تكوين الشخصية الإسلامية الإيجابية
ومن شأن تكوين هذه الشخصية الإسلامية الإيجابية والفعالة التي أعدت وفقا لمنهج النبي رفع مستوى الأداء المعرفي والاجتماعي والانفعالي ورفع كفاءة التدريب والتعليم والتنشئة الإبداعية، والتفاعل الاجتماعي الفعال، وهذا الاستمرار للحياة النفسية طالما يتماشى مع منهج النبي يكسب الإنسان قيمته ويعطيه إرادته الفعالة في حدود الشرع.
الشخصية السوية
والشخصية السوية هي الشخصية الإسلامية التي حققت الغرض من وجودها وقامت بدورها في الحياة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56)، فحققت العبادة واتبعت الفطرة الإسلامية، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم : «مَا مِنْ مَوْلُودِ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَة، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تَنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةٌ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟».: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا نَدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم:30)، والشخصية الإسلامية هي الوحيدة التي توسم بأنها سوية، سوية في صفاتها وخصائصها وآمالها وطبائعها، ومقاييسها وموازينها، فهي السوية التي لم تمسخ فطرتها، ولم تشوه جبلتها، وهي الشخصية الإنسانية التي تسعى لتكون كما شاء الخالق سبحانه، وغيرها يجري في الحياة منكس القلب، مشوش الفكر، لا يعرف طريقه وسبيله.
أكمل شخصية إنسانية
لذلك كانت أكمل شخصية إنسانية هي شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما يملكه النبي - صلى الله عليه وسلم - من سمات ومعارف ودوافع ربانية معتدلة في كل الأمور، شخصية جمعت السواء النفسي والديني والمعرفي والوجداني والانفعالي والاجتماعي والسلوكي.
شخصية وسط
ويؤكد علماء النفس أن الشخصية السوية هي شخصية وسط، وإذا زادت الصفة عن حدها أو نقصت أصبح الإنسان معلول الشخصية، فالإنسان يجب أن يكون فطنا في تعامله الناس بدون إساءة ظن أو توجس (الشخصية السوية، وإذا شك في الآخرين وتوجس منهم دون سبب واضح كان مريضًا (الشخصية المرتابة)، وإذا كان يثق في جميع الناس ثقة عمياء فهو كذلك مريض (الشخصية الساذجة) وهكذا في جميع الصفات.
الصورة المُرْضِيَة
وبعبارة أدق نستطيع القول: إن الشخصية السوية هي الصورة المُرْضِيَة فكرًا ومشاعر وسلوكا؛ لذلك يبدأ تغيير الإنسان بتغيير أفكاره التي تغير بطبيعتها مشاعره التي توجه سلوكه، فنجد منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - يركز على الإيمان والمبادئ ويغذي الروح ويوجه وحدات الشخصية نحو هدف واحد واضح وهو الفطرة التي فطر الإنسان عليها، ونجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يهتم بالوجدان والانفعالات والدوافع، ويقيم سلوك المؤمن بطريقة الإقناع والتوجيه التي تنتج إنسانا سويا.
وحدات الشخصية في السنة النبوية
تعد السمات، والمخططات المعرفية، والدوافع والانفعالات وحدات أساسية للشخصية، وهذه الوحدات الثلاث العامة تجمع: القدرات العقلية بالسمات المزاجية، والدوافع اللاشعورية والاتجاهات الاجتماعية والأساليب والمخططات المعرفية، والاهتمامات والقيم، والسمات التعبيرية والسمات الأسلوبية والميول.
وبهذا نستطيع القول: إن وحدات الشخصية:
١- المخططات المعرفية: وهي التي تمثل الجانب المعرفي لدى الشخص (الأفكار).
2- الدوافع والانفعالات: وهذه الوحدة هي المحرك للفرد، فالدوافع تحركه وتحرك انفعالاته، فإذا ضبطت الدوافع وكانت ضمن إطار الشرع، كانت الشخصية سوية متزنة (المشاعر).
3 - السمات وهي الصفات والقيم، أي كل ما يتصف به الفرد (السلوك).
عناية السنة بوحدات الشخصية
ولقد عنت السنة النبوية بوحدات الشخصية عناية بالغة؛ فنجد النبي يدعو للالتزام بالقيم بأنواعها الإيمانية والسلوكية والأخلاقية، ويرغب بطلب العلم وإشباع حاجة المعرفة ونجده - صلى الله عليه وسلم - يرتقي بدوافع المؤمن فيجعلها دوافع إيمانية روحانية، تشمل كل حاجات الحياة من دافع الارتباط بالأقوى والمحبة والأمان والإنجاز والتقدير والتفاعل وغيرها من الدوافع المعنوية والفسيولوجية.
لاتوجد تعليقات