رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سليمان الصالح 16 ديسمبر، 2014 0 تعليق

للشتاء آيـات وأحـــكـام

الشتاء دائما ما يذكر المؤمن بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير»، والزمهرير شدة البرد. وشدة البرد وشدة الحر آيات من آيات الله -سبحانه وتعالى- فلو ثبتت الدنيا على حال واحدة من البرد أو الحر، أو الليل أو النهار، ونحو ذلك لكان فيه غاية الملل للعباد، فمن حكمته أن نوّع عليهم هذا وذاك، وليعبدوه في جميع الأحوال ليلاً ونهاراً، صيفاً وشتاء؛ فإنه خلقهم سبحانه وتعالى لعبادته.

• وحول هذا الموضوع تحدث فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد…

آيات الله في الشتاء

     وقد بدأ فضيلته بإشارات إلى ما في الشتاء من آيات وعظات، فذكر أن الشتاء تكثر فيه في العادة الأمطار، وترى فيه من الصواعق، والرعد، والبرق، ونحو ذلك من علاماته، وقال الله -سبحانه وتعالى-: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}(الرعد: 13)، وهكذا ترى المطر وترى البرق في هذا السحاب من آيات الله تعالى، وهذا البرد الذي يسقط وكذلك الثلج، وكان السلف إذا رأوا مثل هذه الآيات الكونية يتذكرون بها يوم القيامة، قال أحد الزهاد: ما رأيت الثلج يتساقط إلا تذكرت تطاير الصحف في يوم الحشر والنشر.

وهكذا جعل الله لنا سرابيل تقينا الحر وأخرى تقينا البرد فقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}(النحل: 81).

الوقاية من البرد

     وقال عمر -رضي الله تعالى عنه- موصياً رعيته: كان إذا حضر الشتاء تعاهدهم وقال: إن الشتاء قد حضر وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف، والخفاف، والجوارب، واتخذوا الصوف شعاراً، ودثاراً، فإن البرد عدو سريع دخوله، بعيد خروجه، وكاتب بذلك إلى أهل الشام لما فتحت في زمانه، وكان يخشى على من بها من الصحابة الذين كانوا يعيشون في هذه الجزيرة لم يكن لهم عهد بالبرد الطويل الذي كان بالشام؛ مما لم يعتادوا عليه من قبل، وهذا من تمام نصيحته، وحسن نظره، وشفقته على رعيته رضي الله عنه.

     وينبه فضيلته إلى الوقاية من برد الشتاء، ولاسيما الأطفال وكبار السن، والوقاية خير من العلاج، وقال سبحانه ممتناً على عباده في سورة النعم: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}(النحل: 5)؛ فجعل من أصوافها، وأوبارها، وأشعارها سبحانه وتعالى وقاية لعباده، وخلق لهم ما في الأرض ليستفيدوا منه.

هذا الشتاء وهذا الثلج الذي لم يمنع الصحابة من الغزو في سبيل الله، بل قد حُبس ابن عمر وغيره من الصحابة نحواً من ستة أشهر في أذربيجان، لقد بلغت فتوحاتهم هناك، وأقاموا محبوسين بالثلج حتى ذاب فاستطاعوا الرجوع.

غنيمة المؤمنين

ويؤكد الشيخ المنجد أن الشتاء غنيمة العابدين، وربيع المؤمنين، قال يحيى بن معاذ: الليل طويل فلا تقصره بمنامك، والإسلام نقي فلا تدنسه بآثامك.

     وقال الحسن: نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه. وهذا معنى الحديث الذي ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: «ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟ قالوا: بلى، فيقول: الصيام في الشتاء»، ولقد رواه عامر بن مسعود مرفوعاً إلى النبي[ قال: «الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء» رواه الترمذي وهو حديث صحيح، وتعبيره بالغنيمة الباردة لوجود الثواب بلا تعب كثير، فالغنيمة الباردة التي تجيء من غير مباشرة كثيرة للقتال، ومن غير خطورة شديدة، فهي غنيمة باردة، هنيئة طيبة، وكذلك يكون في هذا الشتاء من صيام المؤمن غنيمة له بالأجر والثواب عند رب العالمين.

لقد كان بعض السلف -رحمهم الله- عندما يحضر أحدهم الموت يتأسف على أشياء، فما الأشياء التي تأسفوا عليها؟

     بكى أحدهم عند الموت فقيل له: أتجزع من الموت؟ قال: ليس من الموت أجزع، ولكني أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء. يعني: يتأسف لفقدها، قال: ما أبكي جزعاً من الموت، ولا حرصاً على دنياكم، لا يبكي لفوات الدنيا، ليس لفوات الأموال، ولا القصور، وإنما يبكي؛ لأنه فاته أبواب الأجر، تنقطع الآن بموته، ومنها ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء.

     بل إن بعضهم كان لا يستلذ بالعيش إلا لهذا، قال: لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وطول ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله ما باليت أن أكون يعسوباً، فعنده أن ليل الشتاء بطوله يمكنه من الصلاة الطويلة بالليل، وكانت لذتهم في ذلك، وهذا ما يهنأ به عيشهم، ولولا ذلك ما بال الواحد منهم أن يكون مخلوقاً آخر غير الإنسان.

بعض الأحكام المتعلقة بالشتاء

ويبيّن الشيخ المنجد أن في برد الشتاء مجاهدة النفس في إسباغ الوضوء على المكاره، فإن من المكاره ما يكون من الوضوء في البرد، والخروج إلى المساجد في البرد، والمكاره ما يتألم منه الجسد، ونحو ذلك من المشاق، وإسباغ الوضوء على المكاره عنوان للإيمان.

     وقال صلى الله عليه وسلم : «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء»، فعندما يكون الوضوء سابغاً، معمماً على أعضائه تماماً، فإن حلية المؤمنين التي يلبسونها يوم القيامة على قدر هذا الإسباغ، وتسخين الماء لدفع البرد من الأسباب الشرعية، ولكن قد يفقده فيتحمل لله تعالى.

     وفي هذا الشتاء إذا تعذر الوضوء، أو الغسل جاز التيمم، ومن أوجه التعذر ليس فقد الماء فقط، وإنما يوجد لكن لا يقدر على استعماله كما يحدث إذا لم يوجد ما يسخن به الماء في البرد الشديد، ويخشى الضرر شبه المحقق على نفسه فله أن يتيمم حينئذ للحرج، ومثل هذا عندما يكون في الأماكن المكشوفة في شدة البرد لا يجد مكاناً يسخن فيه الماء ويغتسل فيه، أما في البيوت فإن تسخين الماء متيسر في الغالب فلا يكون للتيمم سبب صحيح حينئذ.

أحكام لبس الخفين

     ومن نعم الله هذه الخفاف والجوارب التي تلبس في مثل هذا البرد، والمسح على الخفين والجوربين قد ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما يلبس على القدمين فيسترهما يجوز المسح عليه، قال الإمام أحمد رحمه الله: ليس في قلبي من المسح على الخفين شيء، أي: من الحرج، فيه أربعون حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والخف ما يلبس في الرجل من جلد، والجورب ما يلبس في الرجل مطلقاً يكون من صوف، أو كتان، أو غيره، والجرموق خف قصير يلبس على خف آخر.

     وكل ما ستر القدمين -موضع غسل القدم في الفرض في الوضوء- جاز المسح عليه إذا تعلق بالقدم، وكان يطلق عليه جورب، أو خف، فهو ليس بكيس، أو غيره، ولا رباط ضاغط، ونحوه، وإنما هو جورب، أو خف إذا ستر القدمين، ولو كان مخرقاً على الراجح، وهل كانت خفاف الأنصار والمهاجرين إلا مخرقة مرقعة؟! فإذا كان يتماسك على القدم يغطي موضع الفرض في الوضوء فإنه يجوز المسح عليه ولو كان فيه بعض الثقوب، للمقيم يوم وليلة، أربع وعشرون ساعة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ومن شرطه: أن يلبسهما على طهارة، فإذا توضأ وضوءاً كاملاً فغسل قدميه، أو اغتسل بنية الطهارة، ثم لبس الجوربين بعدما أنهى غسل القدم الثانية ليكون اللبس على طهارة، وهذا هو الأحوط، ثم لبس الجوربين جاز له أن يمسح عليهما، ومدة المسح إلى أربع وعشرين ساعة، تبدأ من أول مسح بعد الحدث، فأما إذا توضأ ثم لبس جوربيه، ثم خلعهما، ولم يَنقض وضوءه جاز أن يلبسهما مرة أخرى، ثم يمسح إذا شاء، ولو فعل ذلك مراراً، أما إذا أحدث وهو لابس جوربيه، ثم خلعهما فإنه لا يجوز أن يمسح عليهما إلا أن يتوضأ وضوءاً جديداً كاملاً بغسل القدمين، ويلبس جوربيه للمسح، ولا يشترط النية عند اللبس للمسح، فإذا لبسهما على طهارة، ثم أراد أن يمسح ولو لم يكن نوى ذلك عند اللبس فلا بأس به، وانتهاء مدة المسح لا يبطل الوضوء إلا بناقض، وليس انتهاء مدة المسح بناقض، فلو أنه لبس جوربيه على طهارة ثم أحدث، ثم مسح بعد الحدث يعد أربعاً وعشرين ساعة من هذا المسح الذي صار بعد الحدث الأول، فإذا توضأ ومسح في آخرها، ثم انتهت المدة ولم يَنقض وضوءه فهو على طهارته، طهارته باقية؛ وكذلك الراجح أن خلع الجوربين لا ينقض الوضوء إلا بناقض، وخلع الجوربين ليس بناقض، لكن إذا خلعهما، وقد أحدث لا يجوز له أن يمسح عليهما ولا أن يعيد لبسهما ولو أثناء المدة؛ لأنه أحدث فإذا لبسهما خلع، ثم لبس، لم يلبسهما على طهارة كاملة، والمقصود بها طهارة بغسل القدمين.

إذا نزل المطر

     ومن الرخص إذا نزل المطر الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، ومن شروط الجمع في المطر أن يكون المطر مستمراً من انتهاء الصلاة الأولى إلى بداية الصلاة الثانية، فإذا كان مستمراً من نهاية صلاة الظهر إلى تكبيرة الإحرام بالعصر بعدها فإن الجمع صحيح، فإذا كان مستمراً في النزول، وكان مطراً يبل الأرض والثياب، أي: أنه ليس رشاً خفيفاً، وإنما هو مطر يبل الأرض والثياب، يشق معه المشي إلى المسجد والذهاب، فإن الجمع حينئذ رخصة.

     ويقع في الشتاء أنواع من الفيضانات، والسيول، وفي غير الشتاء في بعض البلدان، ويغرق من يغرق، وينبغي الانتباه للمسير في الأودية، فإن كثيراً من الناس تجرفهم مياه السيول وهم يسيرون في الأودية، وإذا مات الإنسان غرقاً فإنه شهيد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «الغرق شهيد».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك