رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد أحمد العباد 11 مايو، 2011 0 تعليق

عروبـة الخليـج حقيقة نؤمن بها بوصفنا عرباً ونرجو أن يعيها الإيرانيون تماماً

 

باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد: فمنذ أن قرأت - قبل سنين - مقولة للأديب الكويتي عبد العزيز ملا حسين التركيت -رحمه الله - عن الإيرانيين الشعوبيين أنهم: «يستغلون هذا الاسم (الخليج الفارسي) لوضع مضامين سياسية يمكن أن تجر الأخطار، وتشجع الطامعين في النيل من عروبة الخليج»، صرتُ أَمُرُّ بلا ذهولٍ ولا استغراب على أقوالٍ كالتي قالها رئيس أركان الجيش الإيراني قبل أيام: «إن منطقة الخليج كانت دائماً ملكا لإيران!!» وكذلك الوصف الذي يردده المسؤولون الإيرانيون ويدندنون عليه من وصف الخليج بـ(الفارسي)!! وكيف أنهم يتعاملون بمنتهى التعصب والحساسية مع هذه التسمية.

1 - تعصب إلى حد الجنون!

       لا أخفي سراً لو قلت: إنَّ هذا التعصب قد بلغ حد الجنون! وإن شواهده أكثر من أن تُستقصى ؛ فإنهم على استعداد لمنع دخول أربع ناقلات كبيرة محملة بالكبريت لوجود علامة صغيرة على علبة الكبريت تحمل اسم (الخليج العربي)! وهم لا يترددون في منع دخول الصحيفة العلمية الشهيرة في الجغرافيا (إنترناشيونال جيوغرافيك) مع صحفييها، كما لا يترددون في منع توزيع مجلة (إيكونوميست) لمجرد وجود مقالة وخريطة تشير إلى تسمية (الخليج العربي) بدلاً من (الخليج الفارسي)!! ويقومون بمظاهرات أمام بعض السفارات الخليجية للتمسك بهذه التسمية!! بل يرفعون الاحتجاجات على الشخصيات التي تسمي هذا الخليج بـ(العربي) كما وقع حينما كتب (جون بيير فينون) أستاذ المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس عام 1990م في مجلة (اللوموند) الفرنسية دراسة عن الخليج تؤكد تسميته بـ( الخليج بالعربي )، فما كان من السفارة الإيرانية سوى أن قامت بالاحتجاج! وكتبت رداً على جون بيير! فقام بيير هو أيضاً بالرد المدعم بالحجج العلمية، وقدم خارطة لوكانور التي يرجع تاريخها إلى نهاية القرن الـ16 ميلاديا، والتي تحمل التسمية اللاتينية (سينوس آرابيكوس) أي: البحر العربي، بل قال أيضاً: «لقد عثرت على أكثر من وثيقة وخارطة في المكتبة الوطنية في باريس تثبت بصورة قاطعة تسمية الخليج العربي، وجميعها تعارض وجهة النظر الإيرانية». اهـ.

       وما ذكره هذا الأستاذ الفرنسي – أو غيره ممن سيأتي ذكره- ما هو إلا مجرد تأكيد على حقيقة نوقن بها بوصفنا عرباً، ونرجو أن يعيها الإيرانيون تماماً؛ فإننا لسنا أقل عزة، ولا أضعف حجة لإثبات أن خليجنا هذا عربي منذ القِدَم، ونستطيع رد كل شبهة بأحسن منها، {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}.

2 – سيطرة إيران لا تعدو أن تكون لحظة:

       إن سيطرة إيران على ( بعض الأجزاء فقط من الخليج ) ما هي إلا لحظة في أعمار الشعوب والأمم، كما يصفها الأديب الكويتي عبد العزيز ملا حسين التركيت - رحمه الله- حيث يقول في ردِّه على الدعوى الإيرانية بملكية  (البحرين) الشقيقة كما في كتاب ( أدباء الكويت في قرنين 2 / 332 ) ما نصه: «إن سيطرة إيران على هذا الجزء من الوطن العربي لا تعدو أن تكون لحظة في أعمار الشعوب والأمم»، فإذا جاز لإيران أن تطالب بالبحرين مثلاً ؛ فإنه يجوز لتركيا ومسقط والمملكة العربية السعودية أن تطالب بسواحل إيران العربية ؛ بل يجوز للعرب أن يطالبوا بإيران جميعها ؛ لأنها كانت لقرون طويلة جزءاً من الإمبراطورية العربية، ثم قال -رحمه الله- في فقرة أخرى: «إن الملاحظ في تاريخ الخليج العربي أن السيطرة فيه تكون للدولة ذات القوة البحرية التي تستطيع أن تتاجر وتحارب معاً».

       كما أن الفرس لم يكونوا هم المسيطرون فقط على تلك المنطقة لا قبل الإسلام ولا بعده؛ فالمؤرخون يرجحون مثلاً أن موطن الفينيقيين الأصلي كان أيضاً على ساحل العربي، والإسكندر اليوناني وجنوده قد ذكر عنهم المؤرخ (آريان) الذي دوَّن أخبارهم عام 170م أنهم أقاموا في جزيرة تقع شمالي الخليج ، وكانت الأزد تعمر عمان، وبكر ابن وائل في سواحل البحرين وكاظمة، وكل هذا قبل وقبيل الإسلام.

       وأما بعد الإسلام فكلنا يعلم أنه بعد وفاة النبي[ بـ(4) أو بـ(5) سنوات فقط دكَّت الجيوشُ العمريةُ العروشَ الكسرويةَ، بقيادة سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين – وجعلوا دولة الفرس تابعة للدولة العربية، وأخضعوهم تحت راية الخلافة الإسلامية، وعاصمتها في المدينة النبوية.

3 – مؤرخون ينقضون دعوى الشعوبيين:

       ومن هؤلاء: المؤلف والمؤرخ الروماني بليني الذي ولد 62 م ومات في سنة 113م يسمي الخليج حينما وصف مدينة (خاراكس)، والتي يرجح الباحثون أنها مدينة المحمرة، قال كما نُقل عنه في كتاب (الخليج الفارسي للسير أرنولد ويلسون ص 49) -: ((خاراكس مدينة تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي؛ حيث يبدأ الجزء الأشد بروزا من العربية السعيدة (أو دايمون) وهي مبنية على مرتفع اصطناعي، ونهر دجلة إلى يمينها)). اهـ.

       ووقفت أيضاً على نصٍ نقله أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني (وهو أحد أشهر علماء البلدان وحدودها وأسمائها توفي عام 334 هـ) في كتابه (صفة جزيرة العرب ص 68) عن بطليموس (الذي توفي 168م تقريباً) تطرق فيه إلى تقرير معتقده في النجوم وأشار إلى ما تتولى الكواكب تدبيره من المواضع الأرضية وذكر حدود ما يتولاه كل كوكب، ثم أشار إلى الحد الطولي لأحدها بقوله: «وينقسم طوله بالخط الذي يمر بالخليج العربي، وباللُّجِّ الذي يقال له إيجيون وبفنطس وبالبحيرة التي يقال لها ماوطيس وهو الخط الذي يفصل به بين المشرق والمغرب». اهـ.

أقول: وقد نقلتُ في هذه المقالة بعض الخرائط التي تؤكد قِدم هذه التسمية فلتُنظر.

4 - لا مشاحة في الاصطلاح إذاً... ؟!:

الاختلاف في تسمية الخليج العربي كان في أساسه مجرد اختلاف اصطلاحي لا يغير من الواقع ولا الحقيقة شيئاً، فقد سمي الخليج بالفارسي، وسمي بـ(خليج البصرة) و(خليج القطيف) كما في بعض الخرائط الهولندية وغيرها، وسمي بـ(خليج عمان)، وسمي - كما دلت عليه النقوش الأكادية - بـ(البحر الأدنى أو المر ، lower or bitter sea )، وكل تلك التسميات ينبغي أن يُنظر لها من جهتين:

أ - أنها مجرد تسميات اصطلاحية: والمصطلحات إذا تضمنت مفسدة فإنه يمتنع إعمال القاعدة المعروفة (لا مشاحة في الاصطلاح)؛ وقد تقدم - نقلاً عن الأديب عبد العزيز حسين - أن الشعوبيين: «يستغلون هذا الاسم (الخليج الفارسي) لوضع مضامين سياسية يمكن أن تجر الأخطار وتشجع الطامعين في النيل من عروبة الخليح».

ب - أنها لن تغير من حقيقة: أن سكان تلك المنطقة هم العرب، يقول المؤرخ الإنكليزي «رودريك أوين» الذي زار الخليج العربي وأصدر في سنة 1957 كتابا بعنوان «الفقاعة الذهبية - وثائق الخليج العربي» : «إن هذه المساحات الشاسعة من الرمال البنية، وتلك المياه الضحلة الزرقاء المترامية الأطراف، وكل ما فوقها , ولا سيما كل ما تحتها، قد كانت وستظل أجزاءً لا تتجزأ من الخليج العربي... لقد كان هذا الأمر أحد الأمور العديدة التي لم أكن أعرفها حتى ذهبت إلى تلك البلاد... إنني أجد الآن عناء في التفكير بأن هذا المكان خليج فارسي». اهـ.

أقول: ولا غرابة في استغراب هذا المؤرخ وعنائه في التفكير، فرغم أن هناك – في وقتنا الحالي - دولة غير عربية واحدة فقط تقع شرق الخليج، مقابل سبع دول عربية، إلا أن تلك الدولة تحاول إخضاع الجميع لرأيها! وإقناعهم قسراً بأن الخليج ما هو إلا شيء من ممتلكاتها! رغم أنها بنفسها تعترف بأن السواحل - التي اغتصبتها - ما هي إلا سواحل عربية، يقول الأديب عبد العزيز حسين -رحمه الله-: «الساحل الشرقي من الخليج الذي يخضع لسيطرة إيران في الوقت الحاضر كانت تقطنه ولا تزال قبائل عربية منها: بنو كعب وبنو تميم، وأغلب سكانه من أصول عربية، ويسمى غالب أجزائه «عرب ستان» أي: أرض العرب، وهو اعتراف من إيران أو من اللغة الفارسية بعروبة هذا الساحل، وقد عاشت هذه المنطقة فترة طويلة من الزمن متمتعة باستقلال ذاتي ومحكومة بأمراء من العرب». اهـ.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك