رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. سندس عادل العبيد 16 يوليو، 2020 0 تعليق

سيكولوجية السعادة في السّنّة النّبويّة – ألفاظ السعادة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم

 

ما زال الحديث موصولاً عن ألفاظ السعادة في السنة النبوية، وقلنا إن السعادة ذكرت بالاسم نفسه في أحاديث عدة في السّنّة النبوية، تحمل لفظ السعادة أو مشتقاته أو مرادفاته، منها ما هو ضعيف، وما هو مكرر بالمعنى، لذلك اقتصرت على الأحاديث المقبولة الجامعة في هذا الباب دون تكرار.

أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ

     قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ، وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ الضَّيِّقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوء»، هذا الحديث من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث إنه جمع بين الإشباع النفسي والمادي للفرد، ومعناه أنّ حصول هذه الأمور للعبد من أمارات سعادته، وفقدانها من شقاوته، فمن سعادة ابن آدم: الزوجة الصالحة، وهي التي تسره إذا نظر، وتحفظه إن غاب، وتطيعه إن أمر، والمسكن الواسع كذلك، والجار الصالح؛ لما في ذلك من الألفة والأخوة، والمركب الهنيء السريع المريح وهو في الماضي الدابة المريحة، أمّا الآن فتنوعت المركبات، وهذه الأشياء من سعادة الدنيا، وقد تكون من سعادة الدين أيضًا؛ فإنّ من رزق هذه الأمور طاب عيشه وكملت لذته، فقد تعينه على أمور دينه فتكون سعادة في الدين والدنيا، وقد لا فتكون سعادة دنيوية فقط.

سعادة عظيمة

     والإنسان يدرك أنه بهذه الأمور يرزق سعادة عظيمة، فالزوجة الصالحة مكسب وأي مكسب! تريح زوجها وتعينه، وتحسن تربية أبنائه، وتحسن عشرته وتصفح عن عثرته، والمسكن الواسع أفق ممتد للقلب، وراحة روحيّة وجسديّة، وفيه الفرح والسرور، والجار الصالح أخ معين وناصح قريب، والمركب الهنيء يسد حاجة المرء ويوصل له كل بعيد، وفي اجتماع هذه الأمور سعادة عظيمة يدرك العبد فيها حكمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من جمعهم معًا.

التوسط والاعتدال

     وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - تعلمنا التوسط والاعتدال، وتعلمنا الاستعداد للآخرة مع عدم نسيان حظ الدنيا، وهذا الحديث فيه بيان توسط الإسلام واعتداله، وأنه يشمل إشباع الحاجات الروحية والجسدية معا، وأن الإسلام دين السعادة والحياة والسرور.

إشباع الجانب الإيماني

     وفي الحديث بيان أن السعادة في إشباع الجانب الإيماني، كالمتعلق بالعلاقات الاجتماعية كالأسرة والجيرة والأصدقاء التي تضفي لحياة الفرد المساندة والدعم والمتعة والسرور، وفي إشباع الحاجات المادية، كالزواج، أو المسكن الواسع أو المركب الهنيء، وهذه الأمور كلها فيها سد للحاجات الحسية والتمتع بالنعيم والملذات المباحة بالقدر والكم المناسب ضمن قيد ضبط النفس، وهذه الأمور من مؤشرات السعادة في السّنّة النبوية.

أثر اجتناب الفتن في تحقيق السعادة

     قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، وَلَمَنِ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا»، مَعْنى الفِتْنَةِ فِي كَلَام الْعَرَب الابْتَلاءُ والامْتِحَانُ وَأَصلهَا مأخوذٌ من قَوْلك: فَتَنْتُ الفِضّةَ والذَّهَبَ إِذا أذبتهما بالنَّار ليتميز الرَّدِيء من الجَيِّد، والفتنة: ما يتبيّن به حال الإنسان من الخير والشرّ، يقال: فتنت الذهب بالنار، إذا أحرقته بها؛ لتعلم أنه خالص أو مشوب.

     يخبرنا - صلى الله عليه وسلم - أنّ الإنسان السعيد الذي بعد عن الفتن ووفّق للزوم بيته، وكرّر الجملة ثلاثًا للمبالغة والتأكيد، ويمكن أن يكون التكرار باعتبار أوّل الفتن وآخرها، ومن ابتلي وامتحن بالفتن فصبر على ظلم الناس له، وتحمّل أذاهم ولم يدفع عن نفسه ولم يحاربهم، فهو السعيد الذي حاز السعادة الحقة، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فواهًا» معناه: التلهُّف، وقد يُوضَع موضعَ الإعجاب بالشيء والاستطابة له، وهو المراد هنا؛ أي: ما أحسنَ وأطيبَ صَبْرَ مَن صَبَرَ عليها! وقد يَرِدُ بمعنى: التوجُّع، وقيل: معناه: فطُوبَى له.

من أهم مؤشرات السعادة

والصبر من أهم مؤشرات السعادة في السّنّة النبوية التي يحتاجها المؤمن في كل أحواله، ففيه يضبط المؤمن نفسه، ويبتعد عن العناء النفسي، وسيأتي الحديث عنه في مباحث القيم، والفتنة في الدين نوعان -كما ذكر العلماء-: فتنة الشبهات، وفتنة الشهوات.

فتنة الشبهات

     وأصلها من تقديم الرأي على الشرع، وهي تأتي من ضعف البصيرة، وقلّة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى، وفي هذا قال الله -تعالى-: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (النجم: 23)، وهذه الفتنة مآلها إلى الكفروالنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال.

تجريد الاتباع

     ولا يُنجي من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول، وتحكيمه في أدق الدين وجلّه، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه، فيتلقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام، لا يتلقى إلّا عنه، ولا يأخذ إلا منه، فالهدى كله دائر على أقواله وأفعاله، وكلّ ما خرج عنها فهو ضلال، فإذا عقد قلبه على ذلك وأعرض عمّا سواه، ووزنه بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن وافقه قبله، وإن خالفه ردّه، فهذا الذى ينجيه من فتنة الشبهات، وإن فاته ذلك أصابه من فتنتها بحسب ما فاته منه.

فتنة الشهوات

     تأتي من تقديم الهوى على العقل، وقد جمع -سبحانه- بين ذكر الفتنتين في قوله: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (التوبة: 69)، أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها، والخلاق هو النصيب المقدر، ثم قال: {وخضتم كالذي خاضوا} فهذا الخوض بالباطل وهو الشبهات.

وبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة، وإذا سلم العبد من فتنة الشبهات والشهوات حصل له أعظم غايتين مطلوبتين، بهما سعادته وفلاحه وكماله، وهما: الهدى، والرحمة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك