رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. سندس عادل العبيد 18 أغسطس، 2020 0 تعليق

سيكولوجية السعادة في السّنّة النّبويّة – ألفاظ السعادة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم

 

ما زال الحديث موصولاً عن ألفاظ السعادة في السنة النبوية، وقلنا: إن السعادة ذكرت بالاسم نفسه في أحاديث عدة في السّنّة النبوية، تحمل لفظ السعادة أو مشتقاته أو مرادفاته، منها ما هو ضعيف، وما هو مكرر بالمعنى؛ لذلك اقتصرت على الأحاديث المقبولة الجامعة في هذا الباب دون تكرار، واليوم نستكمل ما بدأناه.

البهجة

     البَهْجَة: الفرح والسرور والْحُسْنُ، وابتهج القلبُ: أي امتلأ بالبهجة والسرور، والبهجة من حالات الانفعال التي تندرج تحت الجانب النفس حركي، الذي يعبر به السعيد عن سعادته، سواء بالكلام أم الأفعال أم تعبيرات الوجه، وورد لفظ البهجة مرّة واحدة في السّنّة النّبويّة في حديث آخر أهل النار دخولا للجنة، في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الجَنَّةِ، رَأَى بَهْجَتَهَا»، أي حسنها ونضارتها، والبهجة في هذا الحديث تعبير عما في الجنة من السعادة والفرح والحبور، وفي الحديث إشارة إلى أن من كمال السعادة والسرور والابتهاج الفوز بالجنة (دار السعداء).

التوفيق

     التوفيق مصدر وفَّقَ، وهو سدّ طريق الشّرّ وتسهيل طريق الخير، وقول: وفقت أمرك، أي صادفته موافقا وهو من التوفيق كما يقال رشدت أمرك، والوفق: من الموافقة بين الشيئين كالالتحام، ووفقه أي ألهمه، وفهمه، ويتعلق التوفيق بالجانب المعرفي من السعادة فيما يدركه السعيد من متعة ونجاح وتوفيق، ومن وفق للخير وسهلت أموره، فلا ريب أن ذلك يولد عنده مشاعر السعادة والفرح والاطمئنان، وقد أكد العلماء أن السعادة في حصول الخيرات.

     وقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ»، وهذا حديث عظيم فيه أن تسهيل العمل الصالح للإنسان خير ومنفعة، وفيه تأكيد أن الأعمال الصالحة مؤشر قوي للشعور بالسعادة.

الحلاوة

     الحلو: نقيض المر، والحلاوة ضد المرارة، والحلو كل ما في طعمه حلاوة، والبناء للمبالغة في الأمر، والحُلْوُ ما تستحْليه العين، وقال ابن فارس:»حَلَوَ، الْحَاءُ وَاللَّامُ وَمَا بَعْدَهَا مُعْتَلٌّ، ثَلَاثَةُ أُصُولٍ: فَالْأَوَّلُ طِيبُ الشَّيْءِ فِي مَيْلٍ مِنَ النَّفْسِ إِلَيْهِ، وَالثَّانِي تَحْسِينُ الشَّيْءِ، وَالثَّالِثُ - وَهُوَ مَهْمُوزٌ - تَنْحِيَةُ الشَّيْءِ».

     والحلاوة من الملذات التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالسعادة، ولها تأثير وجداني على العبد، وفي هذا جاء قول الرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ».

     هذا حديث عظيم وأصل من أصول الدين، ومعنى حلاوة الإيمان أي استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في الدين وإيثار ذلك على أعراض الدنيا، ومحبة العبد لله تحصل بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك الرسول، وإنما قال مما سواهما ولم يقل ممن ليعم من يعقل ومن لا يعقل، وفي الحديث من السعادة القدر الأكبر؛ فمن أراد التلذذ بحلاوة الإيمان والشعور بالسعادة الحقيقية عليه بثلاث خصال تضمن له السعادة بإذن الله، وهي في مقدمة مؤشرات السعادة:

- أن يكون الله -سبحانه وتعالى-، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أحب شيء في نفسه.

- أن يحب لله، وفي الله، فتكون حياته كلها لله.

- وأن يستشعر نعمة الإيمان، فيكره العودة للكفر كما يكره الوقوع في النار.

محبة الله ورسوله

وذلك أنه لا تتضح محبة الله ورسوله حقيقة، والحب للآخر في الله وكراهة الرجوع إلى الكفر، إلا لمن قوى بالإيمان يقينه، واطمأنت به نفسه، وانشرح له صدره، وخالط دمه ولحمه، وهذا هو الذي وجد حلاوته، والحب في الله من ثمرات الحب لله.

     ومعنى حب العبد لله: استقامته في طاعته، والتزامه أوامره ونواهيه في كل شيء ولهذا قال بعضهم: المحبة مواطأة القلب على ما يرضى الرب، فيحب ما أحب ويكره ما كره، وأما المحبة للرسول فيصح منه الميل؛ إذ ميل الإنسان لما يوافقه إما لأنه يستلذه ويستحسنه كالمستلذات بالحواس الظاهرة أو يستلذه بحاسة عقله من المعاني الباطنة الجميلة والأخلاق الرفيعة، أو ميله لمن يحسن إليه وينعم عليه، ويدفع المضار والمكاره عنه، فقد جُبلت النفوس على حب من أحسن إليها، والإنسان إذا رضا أمرا واستحسنه سهل عليه أمره، ولم يشقَّ عليه شيء منه، فكذلك المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان، سهلت عليه طاعات ربه ولذت له، ولم يشق عليه معاناتها.

الخير

     الخير أصله من العطف والميل، ثم يحمل عليه، وهو خلاف الشر، والخير: حَسَنٌ لذاته أو لما يحقّقه من نفع وصلاح أو سعادة، اتفق الفلاسفة أن الحصول على الخير سعادة، وأن اتباع طريق الفضيلة والخير سعادة كما تقدم؛ فالإنسان إذا حصل له النفع فلا ريب أنه يشعر بالسعادة لما يدركه من النفع الحاصل له، وكذلك إذا نفع غيره فهو أيضا يشعر بالسعادة لما يترتب عن ذلك النفع من شعور غيره بالسعادة مما ينعكس على شعوره وانفعاله، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم: «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ. قَالَ: قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا «فهذا الإنسان الذي امتدحه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما حصل له من التجاوز عنه يوم القيامة والحصول على السعادة الأخروية، لم يكن له خير وسبب لهذه السعادة إلا أنه كان يخالط الناس، أي يصبر على أذاهم ويتعايش معهم، فهو هين سهل لين، وكان كذلك موسرا فيتجاوز عن المعسر، وجزاء لهذه الأعمال الخيرة تجاوز الله عنه وفاز في الآخرة، ومخالطة الناس بذكاء وجداني ومرونة من مؤشرات تحقيق النجاح في الحياة الاجتماعية، والفعل الخيّر مؤشر قوي للسعادة الحقيقية.

الراحة

     الراحة: هي راحة البال بما تشمله من طمأنينة النَّفس، والخلوّ من الهم، ومن معاني الراحة أيضًا الهدوء النفسي، والانشراح، والتسلية، والخفة، وكل هذه المشاعر التي تشملها الراحة، هي مشاعر إيجابية وانفعالات سارة، تؤدي للسعادة، وقال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قُمْ يَا بِلَالُ، فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ»، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة وما فيها من مناجاة وتعبد لله -تعالى- سبب للراحة، لما فيها من تلبية حاجات النفس بتقربها من خالقها وصلتها به -سبحانه-، والصلاة صلة بين العبد وخالقه، الذي يعلم بأموره صغيرها وكبيرها، والذي يملك -سبحانه- الأمر كله.

أساس السعادة ومصدرها

     فالإنسان إذا استشعر أن هذه الصلاة التي يكررها في اليوم هي أساس ومصدر لسعادته، سيتعلق قلبه بها وستكون هي المستراح له من هم الدنيا ومشاغلها؛ لأن فيها يذكر ربه ويثني عليه بما هو أهله، ويتقرب ويتذلل إليه، ويخبر ربه -تبارك وتعالى- عما جرى له في يومه، ويسأله العافية في الدنيا والآخرة، ويتذلل له في سجوده وركوعه وخشوعه، وبهذه الحركات والسكنات والأذكار مشاعر إيجابية تضفي على قلب العبد الراحة والسكون؛ فالإنسان بطبعه يحب الأقوى منه ويلجأ إليه، وإذا تقرب إليه أحس بالفرح والسرور، والإنسان كذلك يحتاج أن يملأ قلبه بحبٍ يجعله مرتاحًا ومطمئنًا، ويحتاج أن يفضفض عن همومه، وأفضل من يسمع العبد ويعينه هو الله -سبحانه وتعالى-، لذلك كانت الصلاة قرة عين المحبين، وراحة للسعداء المقربين، والعبد إذا لم يعمر قلبه بمحبة الرب المحبوب الأعظم تاهت روحه، وصارت جائعة تبحث عن حاجتها المفقودة.

رَوِّحُوا الْقُلُوبَ تَعِي الذِّكْرَ

     وروي في الأثر قول قَسَامَة بْنِ زُهَيْرٍ: «رَوِّحُوا الْقُلُوبَ تَعِي الذِّكْرَ»، أي أريحوها بعض الأوقات من مكابدة العبادات بمباح لا عقاب فيه ولا ثواب، فإن هذه الاستراحة بالمباح تنشط العبد للعبادة؛ فالإسلام دين الوسطية والاعتدال واليسر، نعم تحتاج النفس بعض الاستراحات بالمباحات حتى ترجع للطاعة بهمة عالية، ونفس تواقة، لكن في هذا الزمن -والله المستعان- صار بعض الناس يظن أن هذه الاستراحات هي أصل سعادته، وفاضل وقته لأداء الفرائض، ومن كانت هذه حاله فلن يهنأ بالسكينة والطمأنينة والانشراح، ولن يذوق طعم السعادة الحقيقية.

 

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك