رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. سندس عادل العبيد 31 أغسطس، 2020 0 تعليق

سيكولوجية السعادة في السّنّة النّبويّة – ألفاظ السعادة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم


ما زال الحديث موصولاً عن ألفاظ السعادة في السنة النبوية، وقلنا: إن السعادة ذكرت بالاسم نفسه في أحاديث عدة في السّنّة النبوية، تحمل لفظ السعادة أو مشتقاته أو مرادفاته، منها ما هو ضعيف، ومنها ما هو مكرر بالمعنى؛ لذلك اقتصرت على الأحاديث المقبولة الجامعة في هذا الباب دون تكرار، واليوم نستكمل ما بدأناه.

الفرح

والفرح يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْحُزْنِ، ويأتي بمعنى الْإِثْقَالُ، وهو هنا بمعنى السرور والبهجة والسعادة، والفرح من حالات الانفعال الوجداني الذي يظهر فيما يشعر به السعيد من متعة وفرح وسرور، وهي حالات إيجابية تؤثر على انفعال الفرد وسعادته.

     ومن الأحاديث التي حملت معنى الفرح قول أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: لَا شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ»، فيفرح المؤمن أشد الفرح بمعية النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة والنجاة من النار، والدرجات متفاوتة، لذلك المراد (المعية في الجنة)، من أحب النبي  صلى الله عليه وسلم  بإخلاص، فيرجو أن يكون في دار الثواب لا العقاب.

لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا

     وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»، والصيام من الأعمال الصالحة التي تربي نفس الإنسان، وتقودها للصلاح، والإنسان إذا وفق لهذه العبادة العظيمة فإن الله وعده بالفرح العظيم.

     وتحصل للصائم فرحتان، الأولى: «فرحة عند فطره»، وذلك إما سروره بالأكل والشرب؛ فإن نفس الإنسان تفرح بهما بعد الجوع والعطش، وإما سروره بما وُفِّقَ له من إتمام الصوم الموعود عليه الثواب الجزيل، والثانية: «وفرحة عند لقاء ربه» يوم القيامة، وإعطائه جزاءَ صومه، يفرح فرحاً لا يبلغ أحد كنهه.

الفرح بالشرع

     والفرح بالشرع مقرون بتمام العبادات، كفرحة العيدين، وفرحة الصوم، والعبد يشعر بذلك كإنجاز حققه، وعلم النفس يؤكد هذا، فإنجاز الأهداف وتحقيق الطموح، والإنجاز بأنواعه فرحة وسعادة تملأ القلب؛ لذلك علماء النفس يؤكدون أن من مؤشرات السعادة الإنجاز وتحقيق الأهداف، وهذا الأمر متحقق في السّنّة النبوية سلفا؛ فقد دعا إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وتقريراته، فدعانا - صلى الله عليه وسلم - للعمل والخير والطاعة والإنجاز لنحظى بسعادة الدنيا والآخرة، ولتمتلئ حياتنا رضا وطمأنينة.

قرة عين

     القُرَّة: مفرد، والمصدر قَرَّ، ومنه قُرَّة العَيْن: وهي ما يصادف المرء به سرورًا فلا تطمح العين إلى ما سواه، وقول: هو قرَّة عين أمّه: أي سرورها وسكونها، وأَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ أَيْ أَعْطَاهُ حَتَّى تَقَرَّ فَلَا تَطْمَحَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ، وَيُقَالُ: حَتَّى تَبْرُدَ وَلَاتَسْخَنَ فَلِلسُّرُورِ دَمْعَةٌ بَارِدَةٌ وَلِلْحُزْنِ دَمْعَةٌ حَارَّةٌ، وقرة العين من الانفعالات الإيجابية التي تؤدي للسعادة.

ومن الأحاديث التي حملت هذا المعنى: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ».

معنى قرة عينه

     ومعنى قرة عينه أي بَرَدَتْ وانقطع بُكاؤها، واستحرارها بالدمع، فإن للسرور دَمعَةً باردةً، وللحُزْن دمعةً حارّةً، وقيل: هو من القَرَار، أي رأت ما كانت مُتَشَوِّفَةً إليه، فقَرَّت ونامت، وقيل: أعطاه حتى تَقَرَّ عينه، فلا تطمح إلى من فوقه، وقيل: أقرّ اللهُ عينَهُ: أنام الله عينَهُ، والمعنى صادف سُرُوراً يُذهبُ سهَرَه فينام، وتقر عينه بالصلاة أي تقرّ بتلذذه بطاعة مولاه -سبحانه وتعالى-، ودوام ذكره، وكمال محبّته، والأنس به، فالصلاة قرة للعين تسكن فيها النفس وتسعد، يشعر بذلك من حققها بأركانها وشروطها وبخضوعها، ويشعر بذلك القريب من الله -تعالى-، ومتى كان العبد قريبا من الله متعلقا قلبه به -سبحانه-، كانت الصلاة قرة عين له، وبها يشعر بالسكينة والسرور والاطمئنان، وهذا الشعور رزق من الله -تعالى- يرزق به الصادقين المخلصين من عباده المؤمنين.

اللّذة

- اللذّة: طِيب طعم الشَّيء، وهي المتعة والشعور بالارتياح العميق الذي يُناقض الألم والبشاعة، وهي تأتي بمعنى إدراك الملائم المُشْتَهَى كالنور عند البصر وطعم الحَلاوة عند حاسّة الذَّوق «ما أجمل لذَّة النُّور بعد الظَّلام!

واللذة والملذات من الأمور التي قررها الفلاسفة وعلماء النفس في مفهوم السعادة، وهي تنقسم إلى ملذات حسية وملذات معنوية، والملذات المعنوية أرقى من الملذات الحسية المادية.

يَدَعُ لَذَّتَهُ مِنْ أَجْلِي

     ومن الأحاديث التي حملت هذا المعنى: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ اللهُ: إِلَّا الصِّيَامَ، فَهُوَ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ الطَّعَامَ مِنْ أَجْلِي، وَيَدَعُ الشَّرَابَ مِنْ أَجْلِي، وَيَدَعُ لَذَّتَهُ مِنْ أَجْلِي، وَيَدَعُ زَوْجَتَهُ مِنْ أَجْلِي، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ»، والفرق بين السعادة واللّذة أنّ السعادة حالة خاصة بالإنسان، وأنّ رضا النفس بها تام، في حين أنّ اللّذة حالة مشتركة بين الإنسان والحيوان، وأنّ رضا النفس بها مؤقت، ومن شرط السعادة أن تكون ميول النفس كلها راضية مرضية، وأن يكون رضاها بما حصلت عليه من الخير تمامًا ودائمًا.

واللذة الحسية من سعادة الدنيا المشروع للعبد التمتع بها ضمن إطار المباحات، واللذة المعنوية تكون في القلب من خلال معرفة ربه واستقرار الإيمان في قلبه فيتلذذ بعبادته، وفي اللذة المعنوية يتميز الإنسان عن باقي المخلوقات بخلاف الملذات المادية المؤقتة.

النعيم

     المصدر نَعِمَ، والنُّونُ وَالْعَيْنُ وَالْمِيمُ فُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ، وعَلَى كَثْرَتِهَا رَاجِعَةٌ إِلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ يَدُلُّ عَلَى تَرَفُّهٍ وَطِيبِ عَيْشٍ وَصَلَاحٍ، والنعيم: هو حسن الحال وراحة البال، وما يُتلذّذ به المرء من الصَّحة والفراغ والأمن والمطعم والمشرب، والنعيم من الأمور الإيجابية التي تحصل للفرد، وبها يشعر بالسعادة وتحصل له الانفعالات الوجدانية والمعرفية.

     ومن الأحاديث التي حملت هذا المعنى: « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خرج على الصحابة وعليه أثر غسل، وهو طيب النفس، فظنوا أنه ألم بأهله، فقالوا: يا رسول الله، نراك طيب النفس! قال: أَجَلْ وَالْحَمْدُ لِلهِ، ثم ذِكْرِ الْغِنَى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى وَالصِّحَّةُ لِمَنِ اتَّقَى خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى وَطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النَّعِيمِ»، وطيب النفس من النعيم؛ لأنه من روح اليقين على القلب وهو النور الوارد الذي قد أشرق، فأراح القلب والنفس من الظلمة والضيق.

     لا بأس بالغنى، أي أن الغنى مظنة خطر إلا أنه لا خطر فيه ولا بأس لمن اتقى الله فيه، فيبذله في وجوهه ويشكر نعمة الله فيه، وصحة البدن لمن اتقى الله خير من الغنى؛ فإن صحة البدن قوة على الدين وهي أشد إعانة على التقوى من الغنى، وإذا انضم الغنى إلى الصحة وإلى التقوى، كان ذلك من تمام النعمة كلها في الدارين، وطيب النفس بانشراح الخاطر والقناعة بما أعطي، من النعيم العاجل للعبد، فإن القلب إذا استنار وزالت عنه ظلمة الشهوات والشبهات أدرك النعم حقيقة.

مفهوم شمولي

     وأخيرًا فمفهوم السعادة مفهوم شمولي، يجمع خيري الدنيا والآخرة، وهو مفهوم عميق يحمل في طياته معاني راقية، وهو شعور دائم يحظى الإنسان به؛ لما فيه من مشاعر الرضا والقناعة، التي تمسح كل حزن وترقى بالعبد لمنازل الصالحين المقربين، فاللهم اجعلنا من السعداء وارزقنا رضاك والجنة.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك