رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. سندس عادل العبيد 8 سبتمبر، 2020 0 تعليق

سيكولوجية السعادة في السّنّة النّبويّة – ألفاظ السعادة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم

ما زال الحديث موصولاً عن ألفاظ السعادة في السنة النبوية، وقلنا: إن السعادة ذكرت بالاسم نفسه في أحاديث عدة في السّنّة النبوية، تحمل لفظ السعادة أو مشتقاته أو مرادفاته، منها ما هو ضعيف، وما هو مكرر بالمعنى؛ لذلك اقتصرت على الأحاديث المقبولة الجامعة في هذا الباب دون تكرار، واليوم نستكمل ما بدأناه.

الزيادة

     الأصل في الزيادة الفضل، وهي نموّ وارتفاع وكثرة وعطاء وتحصيل، والزيادة تدخل بمفهوم السعادة بما يدركه السعيد من نفع ونمو وكثرة تحصل له، ومن الأحاديث التي ورد فيها هذا اللفظ: حديث أَبي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللهُ عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا»، وفي هذا الحديث بيان أن الصبر على المظلمة، والإنفاق على الناس يزيد العبد زيادة معنوية برفع شأنه، وزيادة مادية التي تتمثل في البركة بماله.

السكينة

- السكينة: طمأنينة وهدوء واستقرار وراحة بال، ومن معاني السكينة المهابة والوقار، {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا} (سورة الفتح: 4)، والسكينة من المشاعر الإيجابية التي تحصل للعبد، وهي نوع من الانفعالات الإيجابية التي يحياها العبد، وتجعله ينظر إلى الحياة بنظرة مشرقة متفائلة، لسكون نفسه وتعلقها بخالقها، وعلمه أن أمره كله بيد الله، فيستقر الإيمان في قلبه، وتظهر السكينة والوقار على جوارحه.

السكينة والرحمة والغفران

     وقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».

     وفي هذا الحديث بيان أن السكينة والراحة والرحمة والغفران والقبول، يكون جزاء لمن اجتمع على ذكر الله -تعالى-، وهذا يؤكد للمسلم أن ذكر الله -تعالى- من أعظم أسباب السعادة في الداريين، ففي الدنيا تسكن روح العبد وتطمئن لذكره -سبحانه-، وفي الآخرة تفوز بالجنة بما نالته من الأجر والمثوبة من ذكر الله في الدنيا.

السلام

     المصدر سَلِمَ والسِّينُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ مُعْظَمُ بَابِهِ مِنَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، والسَّلامة والغنامة: أي البراءة والعافية والرزق، ومعاني السلام كثيرة، وهو يحمل مشاعر إيجابية متنوعة، تحصل للفرد ولأسرته ومجتمعه بأكمله، وتظهر مشاعر السلام فيما يدركه السعيد من نفع له وتوفيق وعافية واستقرار وأمان، وكلها انفعالات إيجابية، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْشُوا السَّلَامَ تَسْلَمُوا»، وهنا يؤكد - صلى الله عليه وسلم - على السلام بمعانيه، ولا يقتصر على السلام التحية، بل السلام بمعنى الأمان والسلامة من كل مكروه، ونفع الناس والتعاون معهم، وتحقيق مبدأ الإخاء، والمجتمع الإسلامي، حتى تتحقق السعادة للأفراد والمجتمع بوصفها نتيجة لذلك السلام.

الطمأنينة

- الطمأنينة: سكون النفس، وعدم القلق، وقد ذكر علماء النفس أن من معاني السعادة الطمأنينة، وهي شعور إيجابي يحقق الصحة النفسية للفرد، وقال الرَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الْخَيْرَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الشَّرَّ رِيبَةٌ»، وهنا يؤكد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن طريق الخير، والأعمال الصالحة مما تطمئن إليه النفس فيعرف الإنسان من راحة نفسه وسكونها أنه خير وصلاح، بخلاف الشر فانه يؤثر سلبًا على النفس ويجعلها في تذبذب وشك، وفي ضيق واضطراب، فيعرف الإنسان أنه طريق الشقاء.

الطيب، والطوبى

- الطيب: الحسن والزكاة، طاب العيش حسن وزكا، والطوبى مؤنث أطيب، وهي غبطة وسعادة، وخيرٌ دائم، طُوبَى لك: لك الحظّ والعَيْش الطَّيِّب، وطُوبَى لكم: كونوا سُعداءَ جدًّا، والطُوبَى فُعْلَى من الطِّيبِ، وهي العيشُ الطيّب والخير والحسن، وطُوبَى اسمُ شجرةٍ فِي الجنَّة، الطيب من المشاعر الإيجابية التي تدخل في السعادة، وتؤثر على انفعال الفرد الإيجابي.

طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إلى الْإِسْلَامِ

     ومن الأحاديث التي وردت بهذا المعنى: قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إلى الْإِسْلَامِ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللهُ بِهِ»، طوبى لمن هدي للاستقامة في الدين، فإنه قد فاز بالحظ الذي يربح به في الدارين، وبالقناعة يفوز المرء بالأجر؛ لعلمه بأن الله -تعالى- عالم بالأصلح له خبير بأحواله؛ ولأنه يريح قلبه ويتفرغ لعبادة مولاه، فإن من زاد ماله زادت أشغاله وذهبت عنه عافيته.

- والكفاف: ما كف به المرء عن الناس، وأغنى به نفسه، أي قدر كفايته لا يشغله ولا يطغيه، فقليل يكفيك خير من كثير يطغيك، والطوبى: الخير والعيش الهنيء، وهي إحدى مظاهر السعادة في السّنّة النبوية، ومن الطرائق للوصول إليها: الاستقامة في دين الله -تعالى-، والقناعة، والكفاف في الرزق.

وظائف الطاعة

     قال القسطلاني: «فأصبح لما وفق له من وظائف الطاعة التي تسرع به إلى مقام الزلفى وترقيه إلى السعادة العظمى»، وصلاة الصبح أمرها عجيب، إذا ابتدأ العبد يومه بها أحس ببركتها، وبتسهيل أموره وبطيب نفسه وانشراح قلبه ونشاط بدنه، فالله -سبحانه- وعد ووعده الحق، قال -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل: 97)، والعبد كلما كثرت أعماله الصالحة زادت سعادته وراحته، وطيب النفس من مظاهر السعادة التي يحظى بها المؤمن الحق، ومن المؤشرات المستفادة من الحديث: المحافظة على الصلاة، والوضوء والذكر.

الفأل

     الفأل قوْل أو فِعْل يُستبشر به، وضدّه شُؤْم، وهو ما يتفاءل به، والفأل والتفاؤل من التفكير الإيجابي الذي يدعو إليه علم النفس، فهو شعور يُعلم الفرد العيش بنظرة إيجابية، وأكثر ما يطلق عليه في المنهج النبوي حسن الظن، وهو من أهم مكونات السعادة في علم النفس، ويعد التفكير الإيجابي في السّنّة النبوية من المؤشرات المهمة لتحقيق السعادة الحقيقة، وقال ابْن عَبَّاس - رضي الله عنه - يصف النبي - صلى الله عليه وسلم  -: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَفَاءَلُ، وَيُعْجِبُهُ الِاسْمُ الْحَسَنُ»، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ»، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع كلمة حسنة حملها على معنى يوافق، ولا يتشاءم، وكان يحب الاسم الحسن؛ لأن محبة الحسن من كل شيء من طباع ذوي الكمال، وقد كان يحول الاسم القبيح إلى الحسن، ليس من باب التشاؤم، ولكن لأن القبيح مكروه غير محبوب، وهذه الأمور من التفكير الإيجابي، وهو من أكبر أبواب السعادة، وأكثرها تأثيرا على انفعال الإنسان.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك