سيكولوجية السعادة في السّنّة النّبويّة – مؤشرات السعادة في السنة النبوية
ما زال الحديث موصولاً عن مؤشرات السعادة في السنة النبوية، وكنا تحدثنا عن قضية الإيمان بالله -تعالى- وأثر ذلك على سعادة العبد في الدارين، وذكرنا أن الإيمان بالله -تعالى- يشمل أربعة أمور، الإيمان بوجوده -سبحانه-، والإيمان بربوبيته، والإيمان بألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته.
أثر الإيمان بالملائكة في تحقيق السعادة
الايمان بأن لله ملائكة موجودين، وهم خَلق من خلقه، خُلقوا من نور، وهم خلقٌ كثيرٌ لا يعلم عددَهم إلّا الله -عز وجل-، وهم كما وصفهم الله: {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} (سورة الأنبياء: 26)، ويسبحون الله الليل والنهار لا يفترون، وأنهم قائمون بوظائفهم التي أمرهم الله بها كما تواترت بذلك النصوص من الكتاب والسّنّة، كل ذلك له أُثر نفسي كبير على شخصية المسلم، فهم عباد مكرمون لا يعصون الله أبدا ويفعلون ما يؤمرون، وهم جند الله سخرهم للمؤمنين حفظة ولتثبيت المؤمنين، ولهم وظائف عدة، فعندما يشعر العبد أن الله -سبحانه- سخر الملائكة لمساندة المؤمنين وتثبيتهم تسعد نفسه بهذه الجنود الربانية وهذا الدعم الإلهي.
أثر الإيمان في الكتب السماوية
الإيمان بالكتب السماوية كلها، والتصديق الجازم بها، أحد جوانب الإيمان بالله -تعالى- وقدرته وحكمته، وتدبيره لأمور العباد، فهي من كلامه -سبحانه- حقيقة، وهي نور وهدى وهي حق منزل من الله، غير مخلوقة، وفيها سعادة العباد في الدارين، والقرآن الكريم هو المهيمن على كل الكتب السماوية السابقة وهو مخصوص من الله بالحفظ من التبديل والتغيير، وهو كلام الله المنزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، ويؤمن العبد به تفصيلًا، فتُصدَّق أخبارُه، وتُمتثل أوامرُه، وتجتنب نواهيه، ويُتعبَّد الله طبقًا لِما جاء فيه وفي سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، فهو المعجزة الخالدة التي تُحدِّي بها أهل الفصاحة والبلاغة، ولهذا التصديق بهذه الكتب جملة وبالقرآن تفصيلا الأثر العظيم على العبد، والتأثير الكبير على سلوكه وانفعالاته، وفي ضبط عواطفه، وتزكية دوافعه، مما يسوقه للسعادة الحقيقة.
أثر الإيمان بالرسل -عليهم السلام- في تحقيق السعادة
الرّسل خير البشر، وهم الذين اصطفاهم الله لرسالاته، ومن أركان الإيمان التصديق الجازم بأنّ الله اصطفى رسلًا وأنبياء يهدون الناس إلى الحق ويخرجونهم من الظلمات إلى النور، واقتضت حكمته -تعالى- أن يرسلهم إلى خلقه مبشّرين ومنذرين، فيجب الإيمان بهم جميعًا على وجه الإجمال، ويجب الإيمان بمن سمَّى الله منهم على وجه التفصيل، ويجب الإيمان بأنّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أفضلهم وخاتمهم، وأنّ رسالته عامة للثقلين ولا نبي بعده - صلى الله عليه وسلم -، وللإيمان بالرسل الكرام الأثر الكبير على شخصية المسلم واتزانه، فهم القدوة الحسنة وفي سيرهم أروع القيم والفضائل مثل الرضا، والصبر والإنجاز والتواضع، والأمانة، والإحسان، فهم خير البشرية الذين اختارهم الله لرسالاته.
أثر الإيمان باليوم الآخر
الإيمان باليوم الآخر عقيدة مهمة، وسبب مهم من أسباب السعادة، فإذا تيقن العبد أن هذه الدنيا دار اختبار، والآخرة دار القرار، سعى في الطاعات، وجاهد نفسه على ملازمة الطاعة والاستقامة، فبمهما يجد العبد سعادة الدّارين، وقد جاء في الحديث الشريف: «فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَلْتُدْرِكْهُ مَوْتَتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ».
وعندما يعتقد المؤمن أن هناك دارًا آخرة يجازي الله فيها المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويغفر الله ما دون الشرك لمن يشاء، ويقر بكلِّ ما جاء في الكتاب والسّنّة عن كلِّ ما يكون بعد الموت، ويتيقن أن الله جعل الدُّورَ دارين دار الدنيا والدار الآخرة، حينها يتحقق له الرضا النفسي.
أثر الرضا بالقضاء والقدر
تسكن نفس العبد وتطمئن حينما يصدق بأنّ كلّ خير وشر هو بقضاء الله وقدره، وأنّ الله -تعالى- علم مقادير الأشياء وأزمانها أزلًا قبل إيجادها ثمّ أوجدها بقدرته، ومشيئته على وِفق ما علمه منها، وأنّه كتبها في اللّوح المحفوظ قبل إحداثها، قال الله -عز وجل-: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (سورة القمر: 49)، فالله -تعالى- علم بجميع الكائنات وأزمانها وأحوالها وأفعالها من خير أو شر، وكتب في اللوح المحفوظ كل ما يصدر من الخلق من طاعة ومعصية وإيمان وكفر، وأطلع الملائكة على أحوال الإنسان قبل ظهوره إلى هذه الحياة عندما أمر الملك أن يكتب عليه أقداره وهو لا يزال في بطن أمه.
والإيمان بهذه الأركان من أسباب السعادة؛ لأنّ تحقيق الإيمان متوقف على التصديق بكل أركان الإيمان، والمؤمن الحق الذي طلب السعادة ينشرح صدره لتعاليم الدين وقواعده، ويؤمن بما أمرنا الله أن نؤمن به، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- : «بامتثال أمر الله ورسوله تدور السعادة في الدنيا والآخرة.
قال حمزة قاسم: «أفضل الأعمال على الإِطلاق الإِيمان بالله عقيدة وقولًا وعملًا؛ لأنّه أساس كل خير ومصدر كلّ سعادة، وشرط في قبول جميع الأعمال الشرعية، وصحتها شرعًا».
ويلحظ القارئ تكرار التأكيد على الإيمان عند شراح الحديث النبوي وهو ما يؤكد ويدل دلالة واضحة أنه لا سعادة دون إيمان، ولا إيمان دون سعادة، فمن آمن حق الإيمان تحصل له السعادة ولا ريب في ذلك.
لاتوجد تعليقات