رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إيهاب شاهين 22 يوليو، 2018 0 تعليق

تغريب المجتمعات الإسلامية

التغريب مصطلح يعنى به صبغ المجتمعات الإسلامية بالصبغة الغربية في كل مجالات الحياة، التعليم، الاقتصاد، الأسرة، اللباس والطعام وغيرها، ومن يطالع تاريخ الإسلام منذ أن بعث الله -عز وجل- به محمدًا صلى الله عليه وسلم ، يرى ظاهرة واضحة كل الوضوح, وهى أن الإسلام ما برح يخوض معارك متعددة النواحي, وهذه المعارك تستهدف القضاء عليه، أو تشويهه، أو صرف المسلمين عنه, وتتسم هذه المعارك من جهة أعداء الإسلام بالتنظيم والدقة والكيد المحكم، بينما تتسم هذه المعارك من جهة المسلمين بالغفلة والبراءة والرد العفوي الذي لم يسبقه تنظيم أو هجوم مضاد, ولولا أن الله -عز وجل- تكفل بحفظ هذا الدين، لكانت بعض مؤامرات أعدائه كافية في القضاء على هذا الدين وانمحاء أثره.

مؤامرات متلونة

     ومن الواضح أن هذه المؤامرات تلبس في كل عصر اللباس الذي يناسبها؛ فإذا كان المسلمون أقوياء، ترى المؤامرات تأخذ طريق التهديم الفكري والأخلاقي والاجتماعي, وإذا كان المسلمون ضعفاء تراها تأخذ طريق الحرب والتجمع، وتستهدف القضاء والإبادة, وإذا فشلت طريق الحرب انقلبت إلى التهديم الفكري، والعمل على تغريب مجتمعات المسلمين، وينطلي ذلك على عقول بعضهم؛ فيحدث الانحراف شيئا فشيئا عن أصول الدين وعقائده ومبادئه؛ فينبت داخل سور الإسلام نابتة تحارب الإسلام في أصوله، ويحدث صراعًا داخليًا هدفه القضاء على الأصول والثوابت, وتظهر الصورة وكأن أعداء الإسلام لا علاقة لهم بهذا التهديم والتخريب, وإن كانوا هم في الأساس من يدير دفة هذا الصراع؛ فكان العمل علي تغريب المجتمعات الإسلامية من أهدافهم الأساسية.

حرب التهديم والتخريب

     بعد أن أيقن الغرب أن حرب التهديم والتخريب- الخاسر فيها في المقام الأول هو الغرب نفسه، حتى لو حقق مكاسب وقتية؛ فمآلها إلى الهزيمة؛ لأنها حرب عقدية، يضحي فيها المسلم بكل غال ونفيس وممكن ومستطاع، تعود به في أثناء هذه الحرب ونهايتها إلى دينه والتمسك بمبادئه؛ ولذلك لجأ الغرب في محاولات دامية لإسقاط هذه العقيدة من قلوب المسلمين؛ فلجؤوا إلى الحرب الفكرية، ولها صور وأنماط شتى، من هذه الحروب السعي إلى هذا الموضوع الذي نحن بصدده (تغريب المجتمعات الإسلامية).

إخراج الإسلام من مقوماته

     والغرض منها إخراج المسلمين من مقومات فكرهم وأهمها مقومات الإسلام، ثم إخراج الإسلام من مقوماته، ومن باب تسمية الأمور بغير مسمياتها لخداع عامة الناس بالمصطلحات البراقة، أطلقوا على مصطلح التغريب مسميات أخرى، حتى يلقى قبولا عند أغلب المجتمعات الإسلامية، مثل (التطور والتقدم، المدنية الحديثة، التنوير، الحياة الجديدة).

قناعة ذهنية

     وحتى تصبغ المجتمعات بهذه الصبغة، كان لابد أولا من إيجاد قناعة ذهنية لدى المجتمع الإسلامي بهذه الأفكار حتى يتم قبولها ويدافع عنها, ولا يتأتي ذلك إلا بهدم عراقة الإسلام وقيمه ومبادئه وهدم رموزه في القلوب والعقول, وبدأ هذا الأمر بتشويه التاريخ الإسلامى، وانتقاص الدور الذي قامت به الحضارة الإسلامية، بقصد إيجاد شعور بالنقص في نفوس المسلمين، والشعور بأنهم بحاجة للخروج من عقدة النقص، أو كما يسمونها عقدة الخواجة، والنظر إلى الغرب دائما بعين الإكبار والانبهار، وكانت هذه هي بدايات تغريب المجتمعات الإسلامية.

الإسلاميون الجدد

      ويتمثل هذا التغريب في صور شتى منها: الإسلاميون الجدد الذين يظهر في خطابهم وإنتاجهم الفكرى سمة واضحة، هى خلو الخطاب الإعلامى والإنتاح الفكري، من التصدي للتيارات الليبرالية والعلمانية (التنويرية)، وفى الوقت ذاته نقد السلفية الأصيلة، ثم يركز في خطابه على التنوير ووسطية الإسلام بفهمه هو الخالي من التمسك بالعقائد والأحكام، لكي يظهر المنهج السلفي الأصيل وأتباعه المتمسكين بمبادئه وأسسه، والحفاظ على هويتهم في صورة المتطرف البدائي والرجعى العقيم في فهمه للتمسك بالدين، يظهره في صورة المعوق عن التقدم المجتمعي والسياسي والتكنولوجي وغير ذلك من أساليب التشويه .

تنازلات دينية

بينما يُظهر التنويريين في صورة المتسامح المثقف المطلع على الثقافة الغربية، الذي يريد لوطنه التقدم والانفتاح والتطور، مع كونه مستعدا لتقديم تنازلات دينية، وغض الطرف عن مبادئ وثوابت أساسية.

وتجد العبارات الرنانة التي أصبح يرددها بعض المسلمين دون الوعي الكامل لمعانيها مثل: (المهم الجوهر), (المهم هو ما بين العبد وبين الرب), في عبارات كثيرة يتضح فيها فصل الإسلام عن مجالات الحياة فصلا تاما.

     ولا عجب أن ترى الأستاذ الفلاني الذي لا يعرف له تاريخ في طلب العلم، ولا دراسة له يتكلم في كبار علماء الإسلام، ويقع فيهم بالهمز واللمز، حتي يسقط هيبتهم المستقرة في قلوب الناس, بل ويتهمهم بالفهم العقيم البدوي القديم الجامد، الذي يقف علي ظاهر النصوص، وينسى روح النص، وهي تعني التفسخ من القيم والأحكام الإسلامية بكل معانيها، وعدم الانفتاح علي الحضارات ومواكبة التقدم والمدنية, وهذه حيلة غربية خبيثة لإظهار أصحاب المنهج السلفي في صورة سيئة منفرة.

حقيقة المنهج السلفي

     ومن يعرف حقيقة المنهج السلفي الذي هو الفهم الصحيح للإسلام، يعي جيدا كذب هؤلاء وخبثهم؛ فهذه الحرب الضروس على الإسلام بمنهجه الصافي ليست إلا أن الغرب وأذنابهم أخوف ما يكون من هذا المنهج المبارك الذي لا يقبل الاحتواء أو التفريط أو التحوصل في مكان ما بعيدا عن الحياة, وهذا يمثل خطرا داهما عليهم؛ لأنه يقود الناس في قطار سريع، يصلهم مباشرة بين الواقع ومصادر التشريع، وفى هذا إسقاط لإمبراطوريتهم، وهذا ما يخشونه أشد الخشية؛ فكان الخيار مع فشل الاحتواء، الإقصاء والاستبدال بالتيارات التنويرية الجديدة .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك