رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 7 نوفمبر، 2016 0 تعليق

الوقـف ودوره في نشــر العلم والتعلم

أسهم الوقف قديما في  تخريج كوادر متعلمة من خلال  مؤسسات  وقفية تعليمية متميزة

كان في بيت المقدس سـبعون  مدرسة

 في القرن الثاني عشر الهجري  كلها مدارس

موقوفة تقدم التعليم مجاناً من ريع أوقافها

انتشرت المدارس الوقفية في حواضر العالم الإسلامي، وقد كان جهابذة العلماء والدعاة يدرسون في تلك المدارس، فنبغ طلاب كثيرون في شتى مجالات العلم، وأصبحوا علماء بارزين، ساهموا في نشر الإسلام؛ حيث نشأت ابتداءً بوصفها مؤسسات وقفية، كانت تقوم مقام الجامعات في وقتنا الحاضر، التي كانت تتولى تنشئة القدرات البشرية في مختلف فروع المعرفة الإنسانية للمجتمع الإسلامي، أو كانت تدرّس فيها جميع المذاهب الإسلامية، إضافة إلى العلوم العقلية والنقلية والطبيعية والطب، وغيرها من العلوم الأخرى.

     لذا ساهمت الأموال الوقفية في تنمية التعليم والدراسة سواء أكانت في داخل المساجد أم في المدارس المنفصلة؛ إذ رعت الأموال الوقفية عملية التنمية في مرحلة الطفولة حتى المراحل الدراسية العليا المتخصصة، وحافظ المال الوقفي على نشر العلم والتعلم بين طبقات المجتمع بكل فئاته وقطاعاته، وساهم الوقف في تنمية موارد الدولة الإسلامية، وخصوصاً البشرية منها، بتخريج كوادر متعلمة تملأ الوظائف الشاغرة في الدولة، من خلال مؤسسات وقفية تعليمية متميزه، ولَّما لم يكن التعليم  يعتمد على الدولة، فقد نهض الوقف بهذه المهمة، واعتمد العلم على ما يوقفه المحسنون من المسلمين لأغراض دينية، وكان لهذا الوقف أثر في بناء شخصية وعقلية العالم والفقيه.

المدارس وأموال الوقف

ويذكر ابن بطوطة خلال ترحاله وسيره في بلاد الشام والعراق أن العشرات من المدارس ذات المستوى الابتدائي والجامعي كانت قائمة على أموال  الوقف، وأن الأموال الموقوفة قد فاضت على الطلبة المنتسبين لها.

     وامتازت بغداد منذ أواسط القرن الخامس الهجري بعدد من المعاهد والمدارس الكبرى المستقلة عن الجوامع، وقد كانت في ازدياد مطرد حتى سقوط بغداد بيد المغول في سنة 656هـ/1258م، فقد كانت مدارسها يومئذ ثماني وثلاثين مدرسة، علاوةً على عدد هائل من دور القرآن والحديث، وحلقات المساجد والكتاتيب، والربط وغيرها من  مجالس العلم والدراسة.

ويذكر النُعيمي في كتابه (الدارس في تاريخ المدارس) قائمة تحتوي على 588 مسجداً في دمشق، أغلبها كان قائماً على الوقف، وفي كل منها إمام ومؤذن راتب، وفي حلب أوقف الأمير صلاح الدين يوسف الدوادار المدرسة الصلاحية.

     وفي مكة المكرمة أُوقفت الكثير من المدارس، منها مدرسة (الأرسوفي) نسبةً إلى عبد الله الأرسوفي، التي أنشئت عام 571هـ، ومدرسة (الزنجبيلي) 583 هـ أنشأها الأمير فخر الدين الزنجبيلي - زنجبيلة من قرى دمشق ، وأوقف المنصور غياث الدين  - المدرسة (الغياثية) عام 813هـ، وجعل عليها أموالاً كثيرة. كما فعل السلطان قايتباي بمدرسته الكبيرة التي افتتحت عام 884هـ، وضمت الكثير من الأموال الوقفية خدمةً لروادها وطلبتها. وفي عام 927هـ أوقف السلطان سليمان القانوني أموالاً طائلة على المدرسة لتدريس المذاهب الأربعة.

صلاح الدين الأيوبي

     وكما كان للسلطان صلاح الدين الأيوبي فضل في دعم المشاريع التعليمية في بلاد المسلمين في عصره، فإن للسلجوقيين من بعده دوراً مهماً في رفد هذا السلوك الحضاري ونشره بين المسلمين، فأصبحت المستشفيات مراكز إعداد للأطباء والممرضين، وارتقت طبقة القضاة وتطورت بفعل ما يُصرف عليها من أموال الوقف، بل وصل الأمر إلى أن تضُم السلطة القضائية في ذاك الزمان أموال الوقف وتصبح المسؤولة عنها والموجهة لها في مختلف الميادين وخصوصاً العلمية منها.

لذا يمكن القول: إن أغلب هذه المؤسسات الجامعية – فضلاً عن المدارس والكتاتيب – قائمة بالدرجة الأولى على ما خصص لها من مال الأوقاف والأهالي والخيرات الشعبية لعموم المسلمين.

     ورافق ذلك وجود (الخان) وهو عبارة عن فندق أو نزل في المدينة أو في الصحراء أو الطرق البرية يستخدم غالباً بوصفه مأوى ومنزلاً لطلبة العلم القادمين للتعلم، وكانت أغلب الخانات تدار بأموال الوقف التي أوقفت للتعليم، وغالباً ما تقابل المسجد أو المدرسة.

ناظر الوقف

     وكان المسؤول الأول عن الوقف (ناظر الوقف) الذي كان بمثابة المدير العام للمدرسة الذي يتولى إدارة شؤونها المختلفة، فيصرف الرواتب، والمخصصات، والمكافآت للطلبة والموظفين، ويتولى صيانة المدرسة ويشتري لوازمها، ويؤجر العقارات الموقوفة عليها، ويعمل على إنمائها وحسن استغلالها طبقا لشروط الواقف.

     وبلا الأوقاف كان لا يمكن أن تقوم للمدرسة قائمة في العصور الإسلامية؛ فالأوقاف هي التي تثبت أركان المدرسة ومكنتها من القيام برسالتها على أكمل وحه. ويستدل على ذلك من العبارات التي ذكرها المقريزي عند كلامه عن المدارس؛ إذ يقول مثلاً عن المدرسة الناصرية (لولا ما يتناوله الفقهاء من المعلوم بها لخربت).

مواد التعليم

     أما فيما يتعلق بمواد التعليم فقد حرص الواقفون على تحديد العلوم التي تدرس في مدارسهم بكل دقة، فالعلوم الدينية وما يتصل بها من علوم  اللغة كانت في مقدمة المواد التي تدرس في تلك المدارس لكونها وسائل الثقافة الأولى في تلك العصور، وكانت بجوارها علوم أخرى كالطب وعلم الهيئة(الفلك)، ولكنها لم تبلغ ما بلغته علوم الدين من الأهمية.

     وكان عند إنشاء أي مؤسسة تعليمية أو دينية ذات مستوى عال من التعليم يوقف معها أو بالقرب منها مدرسة للتعليم الأساسي – المكاتب- لتعليم أبناء الفقراء، واليتامى؛ إذ يتلقون فيها تعليماً مجانياً، وفضلا عن ذلك تمدهم الأوقاف المرصدة لهذه المكاتب بكل ما يحتاجون إليه من ضرورات الحياة الأخرى.

التعليم العالي

     وفي مجال التعليم العالي كان هناك عدد كبير من المدارس الموقوفة لطلبة العلم، امتدت لتشمل معظم أرجاء البلاد الإسلامية، وقد بلغ التنافس فيها بين رجال الدولة وعظمائها ، في مسعاهم لتخليد أسمائهم، وإبقاء ذكراهم بعد موتهم بأنهم لم يقتصروا على ما يقدمونه للمجتمع من نشاط سياسي واجتماعي مرتبط بعصرهم، بل انتقل هذا التنافس نحو سبيل الخير، والمعرفة كإنشاء المدارس وغيرها من المؤسسات الدينية والاجتماعية.

     كانت تلك المدارس والمعاهد والجامعات من أحسن الأماكن مظْهـراً ورعايـة، وكان فيها قاعات للمحاضرات، وغرف للمدرسين، وأماكن للمطالعـة والراحـة، وفي بعضها مساكن للطلاب، ومساكن أخرى للموظفين والعاملين فيها، وأجنحـة لتنـاول الطعام، وللطبخ، وفيها مخازن لادخار الأطعمة والمواد المختلفة.

وكان في مدينة دمشق وحدها أكثر من أربعمائة مدرسة، ضمت آلاف الطلاب في مختلف المراحل التعليمية، يجلس فيها ابن الفقير إلى جانب ابن الغني، ينهلون مـن علـوم الشريعة، والعربية، والطب، والفلك، والصيدلة، والرياضيات.

     وفي بيت المقدس كان عدد المدارس في القرن الثاني عشر الهجري حـوالي سـبعين مدرسة، كلها مدارس موقوفة، تقدم التعليم مجاناً من ريع أوقافها، فضلا عن مرتبـات ومخصصات للطلاب، ولا تزال آثار تلك المدارس باقية في عامة المدن الإسلامية، كمكَّة، والمدينة، والقدس.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك