رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح 27 يونيو، 2021 0 تعليق

النصـر بين الحقيقة والأوهام

 

إن من أسباب النجاح في الحياة العلم والإرادة والعزيمة الصادقة، فلن تنجح حتى تدرس، ولن تتفوق حتى تجتهد، ولن تنال شيئًا من الآثار إلا بسلوك أسبابه، وهذه سُنّة الله الكونية، أما العيش في الوهم، فلن يهَبَك إلا المزيدَ من الأوهام.

أول أسباب العلاج

     إن أكثر شباب الأمة الإسلامية اليوم يعيش حالة من الوهم؛ لأنّ الوهمَ حلمٌ لذيذ، لا يَحتاج كثيرًا من العناء، وهم يتعاملون بهذه العقلية الحالمة مع قضية كبيرة بحجم انتصار الأمة وعزّتها، فيظلّون يردّدون: سينصرنا الله، الله معنا، إلى آخر ذلك، مع أنّ كلام الله -تعالى- واضحٌ في كتابه، فهو يجعل النّصر والعزة والمعيّة والتمكين للمؤمنين، لا للمسلمين، وهذا عين الحكمة الرّبانية.

 المسلم والمؤمن

     ولفظ (المسلم) يشمل من قال لا إله إلا الله، وصلّى، حتى لو كانَ فاسقًا عاصيًا، لكنّ لفظ (المؤمن) لا يشمل الفاسق، بل هو لمن أسلم وعمل بالفرائض واجتنب المحرّمات، وهو الذي لا يحبّ أحدًا كحبّ الله، ولا يخشى أحدًا كخشيةِ الله، ولا يتوكلّ إلا على الله، وليس كلّ من ظنّ نفسه مؤمنًا يكون كذلك، كما قال -تعالى-: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 14-15).

الوعد بالنّصر والعزة

     وأنتَ إذا نظرتَ في كتاب الله -تعالى- وجدتَ أنَّ الوعد بالنّصر والعزة معلّق بوصف المؤمن، كما قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}، وقال -تعالى-: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، وقال -تعالى-: {ولله العزّةُ ولرسولِه وللمؤمنين}، وقال -تعالى-: {الله ولي الذين آمنوا}، وقال -تعالى-: {وأنّ اللَّه مع المؤمنين}، وقال -تعالى-: {كذلك حقًّا علينا ننج المؤمنين}، وقال -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}.

النّصر ليس لكلِّ مسلم

     وهذا يعني أنّ النّصر ليس لكلِّ مسلم، حتى لو كانَ عدوُّه كافرًا، فقد يكون انتصارُ الكافر على المسلم الفاسق هو مقتضى الحكمة الربّانية، امتحانًا وتمحيصًا، وتعجيلًا للعقوبة الدنيوية بدل العقوبة الأخرويّة، لكنّ هذا يعني أيضًا أنّ النّصر ليس مَنالًا بعيدًا أو صعبًا، بل هو قريبٌ، كما قال -تعالى-: {ألا إنّ نصر الله قريب}، لكنّ قُربَه بقُربِ شرطِه اليسير وسُرعةِ أمر الله، لا أنّه يُنال بالأوهام والأحلام.

شروط النصر

     وقول العلماء: إنّ نصر الأمّة لا يتحقّق حتّى تتحقّق شروطُه، يفهمه كثيرٌ من النّاس على أنّه تعليقٌ بأمرٍ عسير بعيد المنال، وأنّها شروط تعجيزيّة، مع أنّه ليس بيننا وبينَ تحصيله إلا توبةٌ عامّةٌ صادقة، واستقامةٌ على أمر الله، فإذا النّصر قريب سهل المنال، وهذه التوبة تتلخّص في أمور أربعة:

(1) تعظيم الله -تعالى- وتحقيق العبوديّة والاستسلام له وحده، وتعظيمُ شريعته، واتّباع رسوله، والإنكارُ على كلّ من يخالف ذلك ممن هم بينَنا.

(2) امتثال أمر الله والانقياد له، وذلك بفعل الواجبات، وأهمّها الصّلاة، واجتناب المحرّمات، وأفظعها الاستخفاف بالرّب ودينه، واستحلال الكبائر واستمراؤها والاستهانةُ بها.

(3) موالاة المؤمنين الصالحين، والبراءة من أعداء الله الكافرين.

(4) الالتجاء إلى الله والتعلّق به وحده، ونَفضُ القلب من التعلّق بالخَلق.

(5) مسؤولية كلّ فردٍ

     وهذه التوبةُ العامّة مسؤولية كلّ فردٍ في خاصّة نفسه وأقربِ النّاس منه، ولنا أن نشبّهها بمسؤولية القيام في الصفّ في الصّلاة، فالإمام إذا قال: «استووا»، لم ينتظر أحدٌ استواءَ النّاس حتّى يستوي، بل يشتغل كلّ مصلٍّ بنفسه ثم بمن عن جانبيه، فإذا الصفُّ كلّه قد استقام.

ما أيسرَ هذا الشّرط!

     وما أيسرَ هذا الشّرط على من عقل وأَنِف من هذه المَهانة التي صِرنا إليها اليوم بذنوبنا، ومِن عجيب ما وقع في تاريخ الأمة مما يدلّ على قرب نصر الله وسهولة تحقيقه، ما كانَ في غزو التّتار بلادَ الشّام، في رأس القرن الثامن الهجري، وكانَ النّاس أوّلَ الأمر غير محقّقين لأسباب النّصر، حتّى كانَ فيهم من يستغيث بغير الله ويشرك به، فمُنوا بهزيمةٍ نكراءَ من التّتر؛ فقامَ فيهم شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله- يعلّمهم ويصحّح عقائدهم، ويأمرهم بدعاءِ الله وحده، حتّى استجابوا وتابوا، فلمّا رأى ابن تيميّة عودتَهم، أيقن بالنّصر، ليقينه بسنّة الله وصِدقِ وعده، حتّى كانَ يُقسم: «واللهِ سوف ننتصر!» فأشار عليه بعض النّاس ألا يَجزم ويُقسم، وأن يقول: إن شاء الله، فكانَ يقول: «إن شاء الله تحقيقًا، لا تعليقًا»، وقد انتصروا فعلًا في معركة شقحب، وهُزِم التّتار وولّوا الدُّبُر.

من يقبل النصيحة؟

     فهل من مسلمٍ يسمع النَّصيحة، ولا يُقابلها بالتّهكم والتنقّص والنّقد بدعوى مثل: «ليس هذا وقته»؟ بل هذا -والله- وقتُه، وآكَدُ أوقاته، فالاستغفار والتوبة سبيل النّصر الأول، وهو واجب الأمةِ كلّها، ونجمع بين التوبة لله والاعتماد عليه، كما قال الله: {قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}، فنقول: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، ونقول: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، والله غالبٌ على أمره، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك