رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 25 سبتمبر، 2019 0 تعليق

الضوابط الفقهية للأعمال الوقفية – الوقف على الأبرار أولى من الوقف على غيرهم


باب الوقف من الأبواب المهمة التي يجب تقرير ضوابطها، ذلك أنّ عامّة أحكام الوقف اجتهاديّة، فلا مناص من الانطلاق في تقريرها من أصول الشريعة العامّة الضابطة لباب المصالح والمنافع خاصة، ثمّ من القواعد الفقهيّة الكلّيّة، ثم يترجم كلّ ذلك على هيئة ضوابط خاصّة بباب الوقف، وهو ما سنتناوله في هذه السلسلة المباركة -إن شاء الله-، واليوم مع الضوابط المتعلّقة بالموقوف عليه والضابط الثالث منها وهو (أنَّ الوقف على الأبرار أولى من الوقف على غيرهم).

قال العزّ بن عبد السلام: «إذا كان له عبدان، أحدُهما بَرٌّ تقيٌّ، والآخر فاجرٌ شقيٌّ، قدّم إعتاق البَرِّ التقيّ على إعتاق الفاجر الشقيّ؛ لأن الإحسان إلى الأبرار أفضل من الإحسان إلى الفجار».

     فقد أطلق -رحمه الله- هذه العبارة إطلاقًا مُشعراً باعتمادها ضابطاً لباب التبرُّع، وهي واضحة المعنى، ميسورة الفهم والتطبيق، ولما كان الوقف من عموم الإحسان، فيُراعى فيه هذا الضّابط؛ لأنّ الصّلة والصدقة الجارية التي سُمّي بها الوقف لا يفعلها إلّا من كان طالباً للثواب الأكبر.

ومعلوم أنّ الأولويّة والأفضليّة ليسا وصفين ثابتين للفعل أو التصرُّف طيلة الوقت، بل قد تحيط بالعمل المفضول من الظروف -زمانًا ومكانًا وأعيانًا- ما يجعله أولى من الفاضل.

     قال شيخ الإسلام: «تفضيل العمل على العمل قد يكون مطلقاً، مثل تفضيل أصل الدِّين على فرعه، وقد يكون مقيّدًا، فقد يكون أحد العَمَلَيْن في حق زيد أفضل من الآخر، والآخر في حق عمرو أفضل، وقد يكونان متماثِلَيْن في حق الشخص، وقد يكون المفضول في وقت أفضل من الفاضل، وقد يكون المفضول في حق من يقدر عليه وينتفع به أفضل من الفاضل في حق من ليس كذلك».

فهذا الضابط إذاً متعلِّقٌ بجنس الوقف على الأبرار، لا بآحاد صوره، فإنّه لا يخفى أنّ الوقْف قد يكون صادراً على باب التألُّف والسياسة في كثيرٍ من الأحيان، فيُقبَل فيه أن يُعقد على وصفٍ مرجوحٍ صار راجحاً مراعاةً لبعض الظروف الخاصّة.

وأيًّا ما كان، فإنّ مظاهرة أهل الصّلاح ومساندتهم وإعانتهم بكلّ ممكنٍ، من أجل أن تتوسّع بصمةُ الخير التي يحملونها في جماعة المسلمين، من أصول الإيمان، ومن بدَهيّات المعتقد الإسلاميّ الصّحيح.

     قال الله -تعالى-: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحبّ لله وأبغضَ لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان».

 

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك