رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد آل رحيم 23 يناير، 2019 0 تعليق

السلفية بين الإقصاء والادّعاء (11)السلفية ومقاصد الشريعة (2)

تحدثنا في المقال السابق عن أن مقاصد الشريعة لا تخلو من ثلاثة أقسام: ضرورية وحاجية وتحسينية، وعرّفنا الضرورية بأنها لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تقم مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الآخرة فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين، ومجموع الضروريات خمسة وهي: حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، ونستكمل الحديث عن الضروريات وكيف أن الدعوة السلفية تهتم بهذا الأمر اهتمامًا بالغًا، واليوم نسرد بعض المواقف التي تبين اهتمام السلفية بمقاصد الشريعة وهي مواقف لعلمين من أعلام السلفية وهما شيخا الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله.

شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله

     قال الله -تعالى-: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (المطففين1-3)، قال الشيخ: «وأين البخس في الأموال من البخس في العقول والأديان» (انتهى)، وذلك لأن ابن تيمية كان يرى أن حفظ النفس والنسل مكملين لحفظ الدين

ويقول -رحمه الله-: «الفساد إما في الدين وإما في الدنيا، فأعظم فساد الدنيا قتل النفوس بغير الحق؛ ولهذا كان أكبر الكبائر بعد أعظم فسد الدين الذي هو الكفر» (مقاصد الشريعة ص 461-446).

     ولذلك وصفه عماد الدين الواسطي بقوله: إن الله -تعالى- قد رحم هذه الأمة بإقامة رجل قوي الهمة ضعيف التركيب قد فرق نفسه وهمه في مصالح العالم وإصلاح فسادهم والقيام بمهماتهم وحوائجهم ضمن ما هو قائم بصد البدع والضلالات وتحصيل مواد العلم النبوي الذي يصلح به فساد العالم ويردهم إلى الدين الأول العتيق جهد إمكانه (ابن تيمية والآخر ص22)، ومن مناقبه -رحمه الله- أنه جاهد التتار مع ملوك سجنوه بل مات بعد ذلك في سجونهم مراعاة لمصلحة البلاد والعباد وتحقيق مقاصد الشريعة بحفظ الدين.

أقول: وإن لم يكن هذا اهتمامًا بمقاصد الشريعة والحفاظ عليها فماذا يكون؟!

مواقف محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله

     ولربما يقول قائل قد تغيرت مواقف السلفية، وللإجابة عن ذلك هاك مواقف أحد أعلام السلفية المتأخرين وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، ومراعاته لمقاصد الشريعة في باب التيمم وذلك في حالات مثل من وجد معه الماء القليل، إن خاف العطش على نفسه تيمم ولا أعاده عليه إجماعاً وإن خاف على رفيقه أو بهائمه وكذلك إن وجد عطشان يخاف تلفه لزمه سقيه ويتيمم وذلك مراعاة مقصد الشريعة للمكلفين في ضرورة تحقيق اليسر بينهم ورفع المشقة والهلكة عنهم (قصه الإمام 87).

الحفاظ على مقاصد الشريعة

     وموقفه من الحفاظ على مقاصد الشريعة من الدين والنفس والعقل والمال واضح حيث أرسل بعض رسائله الدعوية التي قال فيها: أخبركم أني و-لله الحمد- عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة. ألزمت من تحت يدي بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله، ونهيتهم عن الربا وشرب المسكر وأنواع المنكرات. (قصه الإمام 91).

موقفه من القضاء على الجهل

اهتم الإمام بذلك وصار يعلم الناس ويدعوهم إلى التعمق في العلوم والفرائض حتى قال المؤرخون: أصبح الراعي يرعى المواشي في الفيافي ولوح التعليم في عنقه (قصه الإمام ص220)، حتى قال عنه (بو كهارت) (مستشرق سويسري).

     ولم تكن مبادئ محمد بن عبد الوهاب مبادئ ديانة جديدة بل كانت جهوده موجهة فقط لصلاح المفاسد التي تفشت بين المسلمين ونشر العقيدة الصافية بين البدو الذين كانوا مسلمين اسمياً لكنهم جاهلون بالدين وغير مبالين بكل فروضه التي أوجبها (قصة الإمام 268).

قضية الأخلاق

      ويقول المؤرخ الروسي (فلاديمير لوتسكي) في كتابه (تاريخ الأقطار العربية) متحدثاً عن الدعوة (الوهابية) قائلاً: لقد خُصص مكان كبير في تعاليم الوهابيين لقضية الأخلاق فقد حرموا شرب النبيذ والقهوة (حرمها بعض المشايخ فور ظهورها، ثم تغيرت بعد ذلك فتواهم بشأنها)، وتدخين التبغ، ونبذوا أنواع الترف وحرموا الغناء واستهجنوا الإفراط والتحلل الجنسي، وقد كافح الوهابيون بقايا القبلية المحلية ودمروا الأضرحة وحرموا السحر والعرافة وكان هدفهم تحرير وتوحيد الأقطار العربيية تحت راية الإسلام النقي (قصة الإمام ص274).

منهج الدعوة السلفية

      والأمثلة على ذلك كثيرة فمنهج الدعوة السلفية على مر الزمان منذ بزوغ الإسلام مروراً بالصحابة والتابعين وتابعيهم وبعصور علماء الأمة كابن تيمية وصولاً للشيخ محمد بن عبد الوهاب وإلى اليوم يهتم بمقاصد الشريعة الثلاث وأهمها الحفاظ على الضروريات بأنواعها الخمس، وقد ذكرنا أن مقاصد الشريعة ثلاثة أقسام: الضرورية وهي ماتحدثنا عنه وننتقل للحديث عن النوعين الثاني والثالث وهما الحاجيات والتحسينات.

أولاً: الحاجيات

     وهي ما يحتاج إليه الناس لليسر والسعة واحتمال مشاق التكاليف وأعباء الحياة والأمور الحاجية ترجع إلى رفع الحرج عنهم والتخفيف عليهم ليتحملوا مشاق التكليف، وتجد أن الشريعة قد جاءت به سواء أكان ذلك في العبادات أم في المعاملات أم في العقود أم في الحدود والقصاص.

مثال: رُخص في العبادات الفطر للمسافر والمريض والقصر والجمع للمسافر والتيمم لعدم وجود الماء وللمريض جمع الصلوات.

وفي المعاملات: شرعت عقود يحتاج إليها الناس كعقد السلم والشركة والمساقاة والمزارعة، فكل ما يحتاج إليه لأجل المشقة والتوسعة وعدمه يؤدي إلى المشقة والحرج فإن الشريعة جاءت به (العقد الثمين ص 50).

ثانياً: التحسينات

     وهي ما يدعو إلى الأخذ بمحاسن الأخلاق ومكارم العادات، وقد جاءت الشريعة بسنن الفطر كتقليم الأظافر وقص الشارب والسواك وكل ما يشمل مكارم الأخلاق كإكرام الضيف وصلة الرحم وبر الوالدين وإكرام الجار؛ لأن الدين جاء لسعادة البشر فكل ما فيه خير جاء الدين بشرعه، وكل مافيه شر جاء الدين بنفيه (العقد الثمين ص51).

لماذا هذه الفرية؟

إذاً ما المشكلة؟ ولماذا هذه الفرية؟ والجواب وفق الآتي:

     المشكلة عندهم أن السلفية متمسكة بأصل الإسلام وترتكز على أصوله ولا تقبل التمييع ولا التفريط أو التنازل عن الثوابت؛ لأنه لا يوجد دعوة من الدعوات على مر التاريخ الإسلامي اهتمت بمقاصد الشريعة مثلما اهتمت السلفية بداية بالضروريات من حفظ الدين بالدعوة إليه وتنقيته من الشوائب والحفاظ على أصوله وفروعه، مروراً بالحفاظ على النفس وتحريم الاعتداء عليها بأي نوع من أنواع الاعتداء، وكذلك الحفاظ على العقل من تعليمة ودعوته للتفكر والنهي عن كل ما يؤذيه من المسكرات وغيرها، وكذلك الحفاظ على المال والنسل بتحريم العلاقات المحرمة من زنا وغيره؛ مما يؤدي إلى تخالط الأنساب، وكذلك الحفاظ على الحاجيات والتحسينات وما قيلت تلك الفرية إلا لإرهاب السلفية حتى تتهاون في هذه الأمور وتتساهل؛ مما يؤدي إلى تمييع الدين وتغيير الفتاوى وجعل الدين كما الغرب شيئا روحيا يكون في دور العبادة وتحييده عن المجتمع العام وأمور الناس ولأن السلفية هي التي تقف سداً منيعاً في وجه هذه الدعوات فلابد من إلصاق شبهة عدم اهتمامها بمقاصد الشريعة، وهم يقصدون الشريعة التي يريدونها. أما شريعة الله -تعالى- فأزعم أن من يحافظ عليها نقية كما جاءت هي السلفية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك