رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. سندس عادل العبيد 17 يونيو، 2021 0 تعليق

السعادة في السّنّة النّبويّة – من أسباب السعادة – العمل التطوعي وشغل الأوقات بالأمور النافعة

 

ما زال حديثنا مستمرا عن السعادة في السنة النبوية، واليوم نتحدث عن العمل التطوعي وشغل الأوقات بالاهتمامات القيمة والنافعة بوصفها أحد أهم أسباب السعادة التي حثت عليها السنة النبوية.

     يعد العمل التطوعي من الأمور المهمة في حياة المسلم، فهو يمثل جوهر الإسلام في العطاء والنفع؛ لأنه يشعر المسلم أنه يقدم العمل لله -تعالى- دون مقابل، قال -تعالى-: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء: 114).

 

جانب مهم من جوانب السعادة 

     والعمل التطوعي جانب مهم من جوانب السعادة، وهو يظهر ما في الإنسان من قوة وتمييز في شخصيته وسلوكه، وفيه تزكية لنفس المؤمن؛ لأنه يعمل العمل دون مقابل مادي، بل ابتغاء وجه الله -سبحانه وتعالى- الذي يؤتي -سبحانه- المؤمنين أجرًا عظيمًا في الدارين.

 

سبب للبركة وسعة الرزق 

     والفعل الخيّر (العمل التطوعي) يجد الإنسان راحته وسعادته فيه، كما أن العمل التطوعي سبب للبركة، وسعة الرزق، وقوة الشخصية، ونجاح الحياة الاجتماعية، والسكينة والطمأنينة، وهو سبب للخير الكثير ولمعية الله -تعالى- فقد قال رسول الله -[-: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»، وفي الحديث تأكيد عظم الفعل الخيّر والعمل التطوعي، الذي هو سبب للتنفيس عن النفس وراحتها، فمن سعى لعون أخيه المسلم وسعادته، كان الله في عونه ورزقه السعادة والحياة الطيبة.

باختصار إذا أردت السعادة: فـلتكن مهمتك هي البحث عن طرائق لتقدم بها مساهماتك وخدماتك، فلن يحظى بالسعادة إلا الخيرون من الناس، ولا يكون المرء خيرا إلا بتحليه بالفضيلة.

 

شغل الأوقات بالإهتمامات النافعة 

     يمثل النشاط الذي نقوم به في واحد من العناصر المهمة للشعور بالرضا العام عن الحياة؛ حيث السعادة والإيجابية، وأحد مصادر التعاسة والإعياء والشد العصبي هو انعدام القدرة على الاهتمام بأي شيء له أهمية عملية في حياة الفرد الخاصة، فيلازمه الملل، وتهاجمه العزلة والوحدة، ويؤثر ذلك سلبا على طمأنينة نفسه، وتقديره لذاته.

 

الحرص على الإهتمامات القيمة 

     وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمن على الحرص على الاهتمامات القيمة التي تضفي على حياته الإيجابية والنشاط والحيوية، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - خسران كثير من الناس في عدم استغلال وقت فراغهم الذي يعد من أعظم النعم، ومن أبرز مؤشرات السعادة في حياة الفرد، وفي هذا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»، (مغبون فيهما) أي في النعمتين كثير من الناس، وهما الصحة في البدن والفراغ من الشواغل بالمعاش المانع له عن العبادة، والغَبن النقص في البيع، فقد غبن صاحبهما فيهما أي باعهما ببخس لا تحمد عاقبته أو ليس له رأي في ذلك البتة فقد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا للعبادة لاشتغاله بالمعاش وبالعكس، فإذا اجتمع الصحة والفراغ وقصر في نيل الفضائل، فذلك الغبن كلّ الغبن لأنّ الدنيا سوق الأرباح ومزرعة للآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة مولاه فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون؛ لأنّ الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن إلّا الهرم.

 

الرابح السعيد 

     والفراغ وقت خال من الشواغل والأعمال، ومن استغل هذين الأمرين فهو الرابح السعيد، فالصحة نعمة كبيرة إذا استغل العبد صحته في طاعة الله وعبادته حصل له الأجر الكبير، ويدرك هذا الفضل المريض الذي يتمنى الصحة حتى يعبد الله على أكمل وجه، ومن امتلأ وقته بالأعمال والكسب والمعاش وقصر وقت فراغه، والفراغ نعمة كبيرة وفضيلة لمن استغله في الطاعات، فمن كان عنده فراغ وشغله في الطاعات فهو السعيد الرابح، الذي يحظى برضا الله عنه وبالحسنات وبالراحة النفسية، بخلاف من شغل وقت فراغه بالمعاصي والآثام، فنفس الإنسان إن لم يشغلها بالطاعة شغلته بغيرها، والمؤمن الفطن يشغل وقته بالطاعات والعبادات ويشغل وقت فراغه بما يرضي الله -تعالى.

 

الإهتمامات الفردية 

     والاهتمامات الفردية التي تملأ وقت الفراغ وتوفر الاسترخاء من توتر انشغالات الحياة الأكثر جدية هي سبيل السعادة، فرجل العلم على سبيل المثال عليه أن يكون جنبا إلى جنب مع البحوث المتعلقة بتخصصه، وبذلك يشغل وقت فراغه باهتمام قيم، وبأمر يظهر فيه مكامن القوة والتمييز في شخصيته مما يقوده إلى الرضا النفسي والوصول إلى السعادة الحقيقية.

     والأنشطة والاهتمامات التي يشغل العبد بها وقت فراغه كثيرة في السّنّة النبوية، منها ما يتعلق بإشباع الجانب المادي كالرياضة والسباحة وصقل المهارات والمواهب، ومنها ما يتعلق بإشباع الجانب الروحي كقراءة القرآن وطلب العلم، والعمل الصالح والعمل التطوعي، وغيرها من الأعمال الصالحة التي بفعلها يرزق العبد بركة وسكينة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك