رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. سندس عادل العبيد 25 يوليو، 2021 0 تعليق

السعادة في السّنّة النّبويّة – من أسباب سعادة الإنسان الدعاء في الرخاء والشدة

 

ما زال حديثنا مستمرا عن السعادة في السنة النبوية، واليوم نتحدث عن الدعاء بوصفه أحد أهم أسباب السعادة التي دعا إليها القرآن الكريم، ودعت إليها السنة النبوية، قال -تعالى-: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} (الأعراف: 55)، وقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ، فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ».

     ومعنى الدعاء إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له، فالدعاء من أسباب السعادة والانشراح؛ إذ هو دليل على قوّة إيمان العبد وتعلّقه بربّه ومعرفته حقيقة الأمور ومآلها، وإيمانه بأنّ الأمر كلّه بيد الله -سبحانه-، فيتذلّل العبد في رخائه وفي شدّته، ويطلب من الله الكريم ما يرجوه من صلاح الدين والدنيا، ويناجي ربّه القريب بقلب خاشع خاضع، وما أن ينتهي من الكلمات الطيبات والأدعية والأذكار حتى يجد راحة في قلبه وانشراحًا ورضا بكل قضاء وقدر.

 عمليه نفسية

     والدعاء عملية نفسية، تنشط المناعة النفسية لدى المؤمن، وتنشط الأفكار الإيجابية في حياته، وتدفعه للإكثار من الطاعات والتقرب من الله أكثر، والدعاء يتعلق بالبعد الوجداني ويؤثر إيجابا على وجدان العبد وما ينتجه من سكينة وطمأنينة، وفيه يتخلص العبد من المشاعر والانفعالات السلبية ومن الضيق والتوتر والحزن، وهو مؤشر للسعادة والرضا.

 

إدارة الانفعالات

     والسر في إدارة الانفعال من خلال الدعاء - بعد اللجوء إلى الله تعالى- أن الإنسان إذا عود نفسه اللجوء إلى الله بالدعاء، فإنه يأخذ فترة من الاسترخاء والهدوء الذي يصاحب فترة الانفعال، مما يساعد على ضبط انفعاله وترشيده، ومن ثم الحصول على السعادة الحقيقية.

 

 

فضيلة الدعاء 

     وفضيلة الدعاء تكون في الرخاء والشدة، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ، فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ»، وقوله - صلى الله عليه وسلم - «من سرّه» أي: أفرحه، والسرور انشراح الصدر بلذّة فيها طمأنينة النفس عاجلًا، «أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب» والكرب جمع كربة، وهي غمّ يأخذ بالنفس بشدّته «فليكثر من الدعاء في الرخاء» والرّخاء حال الرفاهية والأمن والعافية وسعة العيش وطيبه، والمعنى فليلازم الدعاء في حال الصحة والرفاهية والسلامة من المحن؛ لأنّ من شيمة المؤمن الشاكر الحازم أن يلتجئ إلى الله قبل الاضطرار، ولذا ذمّ الله من يدعوه عند الشدة فإذا عافاه الله مما ابتلاه أعرض ونأى بجانبه، وذلك أنّ العبد في أحواله كلها مفتقر إلى مولاه، لا غنى له عن نعماه، فكيف يعرض عنه وينساه وإليه مآبه وعقباه؟!

 

 

 آداب الدعاء 

     وللدعاء آداب ينبغي للعبد التحلّي بها، فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (المؤمنون: 51) وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (البقرة: 172) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!»، ومعنى إضافة الطيب إلى الله -تعالى-: تنزيِهه عن النَّقْصِ والخُبْثِ؛ إذِ الطَّيِّب خلاف الخبيث، ويكون بِمَعْنَى القُدُّوس، وقوله: «إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقبَلُ إلَّا طيبًا» هو توطِئَةٌ لِبَاقِي الحديث، وهو طِيبُ الطُّعْم لإجابة الدعاء، والطَّيِّب: الكسب الحَلال، والله -تعالى- طَيِّبٌ مُنَزَّهٌ فَلَا يَقْبَلُ مِنَ الأعْمَالِ إلَّا طاهِرًا مِن المُفْسِدَات: كالرِّياء والعُجب ونحوهما، ولا مِنَ الأموال إلَّا طاهِرًا مِنَ الحَرام، فالطَّيِّبُ مَا طَيَّبَهُ الشَّرعُ لا الطَّعم اللذيذ، و»الأشعث» المُغْبَر الرأس، وقوله: «يمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ» وهو دالٌّ على أن ذلِكَ مِنْ أدَبِ الدعاء، وقوله: «فأنَّى يُستجاب لذلك» أي: كيف؟ على جِهَةِ الاستبعاد لمن هذه صِفَتُهُ وهذا حالُهُ، ومعناه: أنه ليسَ أهلًا لإجابةِ دُعائه، فلا يُجيرُهُ شعثه وغباره من إثم مطعمه ومشربه.

 

 

 من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم 

     عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا».

     وعن أبي الفضل العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ: «سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ»، فَمَكَثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ جِئْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللهَ، فَقَالَ لِي «يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ، سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»، والعافية في الدنيا والآخرة أساس السعادة، وهي تشمل معافاة الدين والبدن.

وعن أنس - رضي الله عنه  - قال: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار»، الحسنة الخير والفلاح، وهي طريق السعادة.

     وعن أبي هريرة -  رضي الله عنه  - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء»، كلّما كان لسان العبد رطبًا بذكر الله كان من الله أقرب، لذلك على المسلم أن يحرص على الذكر والدعاء حتى يستطيع ضبط نفسه وتعاهدها على الطريق القويم.

 

 

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم 

     ومن الأمور التي تجلب السعادة للعبد (الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم ): الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الله تشريف وزيادة تكرمة، وعلى من دون النبي - صلى الله عليه وسلم - رحمة، لذا كان من أسباب سعادة العبد الإكثار من الصلاة على النبي - صلىالله عليه وسلم- لينال رحمة الله -سبحانه-، وشفاعة نبيه - صلى الله عليه وسلم .

     وقال النبي - صلىالله عليه وسلم -: «إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِي: أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لَكَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ»، وفي هذا الحديث بيان فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه أيضًا بيان تمام عناية الله -عزّ وجلّ- بحبيبه محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث يُرضيه بهذه البشارة العظيمة، والمنة الجسيمة.

ولما كان البشر عاجزون عن أن يبلغوا القدر الواجب للنبيّ - صلىالله عليه وسلم - من التقدير، شرع الله لنا أن نحيل أمر ذلك عليه -تعالى- بأن نقول: اللهم صلّ على محمد، أي: لأنّك أنت العليم بما يليق به من ذلك.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك