السعادة في السّنّة النّبويّة – سعادة الآخرة تكون بدخول الجنة
ما زال حديثنا مستمرا عن السعادة في السنة النبوية، واليوم نتحدث عن أن سعادة الآخرة تكون بدخول الجنة وما يتبع ذلك من نعيم وهناء:
{وَاللَّهُ يَدْعُو إلى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (سورة يونس: 25-26).
قال - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي: «مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ»، في هذا الحديث من الفقه أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرض أن يصف أهل الجنة بالنعيم فحسب، حتى نفى عنهم البؤس؛ لأنّ الإنسان قد ينعم ثم ييأس، فأخبر بنفي ما يؤدّي -لو عرض- مع حصول النعيم، والبؤس: هو الشقاء وسوء العيش، وقوله: لا تبلى ثيابه يعني أنّ ثيابهم ليست قابلة للبلاء، وأن شبابهم ليس له نهاية؛ لأنّه أحسن فترة في عمر الإنسان، فعمرهم كله من أوله إلى ما لا نهاية له شباب كله.
مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ
وقال: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ». قَالَ معاذ - رضي الله عنه -: أَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قَالَ: «لَا، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا».
أي من مات حال كونه لا يشرك به شيئًا حين الموت دخل الجنة، وإن لم يعمل صالحًا، إمّا قبل دخوله النار أو بعده بفضل الله ورحمته، واقتصر على نفي الإشراك؛ لأنه يستدعي التوحيد بالاقتضاء، ولم يذكر إثبات الرسالة؛ لأنّ نفي الإشراك يستدعي إثباتها للزوم أنّ من كذّب رسل الله فقد كذّب الله، ومن كذّب الله فهو كافر، فالمراد من لقي الله موحّدًا بسائر ما يجب الإيمان به، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا إني أخاف أن يتكلوا» أي: أخاف اتكالهم على مجرد التوحيد.
الجنة دار السعداء
الجنة دار السعداء، وهي دار القرار، وهي دار السلام، التي سلمت من الأمراض والموت والأحزان والنقص والكدر، ومن كل بلية وآفة، وفيها أنواع الملذات كلّها مما لم يطرأ على قلب بشر، وهي المستراح والمستقر، يعمل العاملون ويشمر الطالبون ليحظوا بالسعادة الحقيقية الباقية الكاملة في دار الخلد عند مليك مقتدر -سبحانه وتعالى.
وصف لدار السعداء
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال الله -تعالى-: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (سورة السجدة: 17)». أي هيّأ الله -سبحانه- لعباده الصالحين شيئًا لم تر العيون مثله، ولا سمعت الآذان به، ولا خطر على قلب أحد من البشر، ولا شكّ في أنّ نعيم الجنة وتحفها شيء لا يمكن للإنسان أن يصفه؛ لأنه باقٍ لا يلحقه التغيير، والانحلال، ولا العطب، والاضمحلال، بخلاف ملذّات الدنيا، ونعيمها، فإنّها سريعة الفناء، قليل الانتفاع بها.
نماذج من السعداء
السعادة ليست صعبة المنال، ولا تختص بأقوام دون غيرهم، بل السعادة لمن حقق الإيمان، واتّبع النبي - صلى الله عليه وسلم - حق الاتباع، وبهذا فقد فاز بها خلق كثير، وحظوا بسعادة الدارين، وأذكر هنا نماذج ممن بشّرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفوز بدار السعداء، ومن أثنى عليهم -صلوات ربّي وسلامه عليه-، ولا ريب أنّ السعداء كثر غير هؤلاء المذكورين؛ لأنّ الصحابة هم السابقون الذين قال الله -تعالى- فيهم: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} (التوبة: 100)، وإذا تأمّل العبد أحوال الصحابة وقرأ سيرهم، أدرك حقيقة فوزهم بسعادة الدّارين، وشمّر للاقتداء بهم.
خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ؛ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا، وَقَدْ أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ لَهَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ»، والسيدة خديجة -رضي الله عنها- أول من آمن من النساء، وهي التي آزرت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت له نعم الزوجة الصالحة الناصحة -رضي الله عنها.
عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «افْتَحْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ». فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم-، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «افْتَحْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ». فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ، فَقَالَ لِي: «افْتَحْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ «فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ»، سيرة الخلفاء الراشدين تتحدث عن إيجابيتهم ومرونتهم وقوة شخصيتهم الإسلامية، وهم الذين صحبوا الرسول - صلى الله عليه وسلم-، فلا عجب بفوزهم بالجنان.
السيدة فاطمة - رضي الله عنها -
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَت: «أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- مَرْحَبًا بِابْنَتِي، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا، فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ! فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ، فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ أَسَرَّ إِلَيَّ: «إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي، فَبَكَيْتُ فَقَالَ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ». امرأة عظيمة، وابنة صالحة، وزوجة كريمة، لو اقتدى بها فتيات عصرنا لحققوا السعادة الحقيقية.
العشرة المبشرون بالجنة
عن سَعِيد بن زَيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «عَشَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ؛ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: فَعَدَّ هَؤُلَاءِ التِّسْعَةَ، وَسَكَتَ عَنِ الْعَاشِرِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: نَنْشُدُكَ اللهَ يَا أَبَا الْأَعْوَرِ مَنِ الْعَاشِرُ؟ قَالَ: نَشَدْتُمُونِي بِاللهِ! أَبُو الْأَعْوَرِ فِي الْجَنَّةِ» وأَبُو الْأَعْوَرِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ راوي الحديث.
تبشير العشرة لا ينافي مجيء تبشير غيرهم أيضًا في غير ما خبر؛ لأنّ العدد لا ينفي الزائد، والظاهر أن هذا الترتيب هو المذكور على لسانه - صلى الله عليه وسلم - كما يشير إليه ذكر اسم الراوي بين الأسماء، والصحابة -رضي الله عنهم- لهم فضل السبق إلى الإسلام، ومساندة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد تربوا في مدرسة السعادة على يد خير البشرية نبيّنا محمد - صلى الله عليه وسلم .
عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي حَلَقَةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: وَفِيهَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، قَالَ: فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ حَدِيثًا حَسَنًا، قَالَ: فَلَمَّا قَامَ قَالَ الْقَوْمُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ فَلْيَنْظُرْ إلى هَذَا. قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَتْبَعَنَّهُ، فَلَأَعْلَمَنَّ مَكَانَ بَيْتِهِ. قَالَ: فَتَبِعْتُهُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لِي، فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: سَمِعْتُ الْقَوْمَ يَقُولُونَ لَكَ لَمَّا قُمْتَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إلى هَذَا. فَأَعْجَبَنِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ، قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَأُحَدِّثُكَ مِمَّ قَالُوا ذَاكَ؛ إِنِّي بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ، فَقَالَ لِي: قُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِجَوَادَّ عَنْ شِمَالِي، قَالَ: فَأَخَذْتُ لِآخُذَ فِيهَا، فَقَالَ لِي: لَا تَأْخُذْ فِيهَا؛ فَإِنَّهَا طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ. قَالَ: فَإِذَا جَوَادُّ مَنْهَجٌ عَلَى يَمِينِي، فَقَالَ لِي: خُذْ هَاهُنَا. فَأَتَى بِي جَبَلًا، فَقَالَ لِيَ: اصْعَدْ. قَالَ: فَجَعَلْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَصْعَدَ خَرَرْتُ عَلَى اسْتِي، قَالَ: حَتَّى فَعَلْتُ ذَلِكَ مِرَارًا، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَى بِي عَمُودًا، رَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ، وَأَسْفَلُهُ فِي الْأَرْضِ، فِي أَعْلَاهُ حَلْقَةٌ، فَقَالَ لِيَ: اصْعَدْ فَوْقَ هَذَا. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْعَدُ هَذَا وَرَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي، فَزَجَلَ بِي، قَالَ: فَإِذَا أَنَا مُتَعَلِّقٌ بِالْحَلْقَةِ، قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ الْعَمُودَ فَخَرَّ، قَالَ: وَبَقِيتُ مُتَعَلِّقًا بِالْحَلْقَةِ، حَتَّى أَصْبَحْتُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: «أَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِكَ فَهِيَ طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ»، قَالَ: «وَأَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَمِينِكَ فَهِيَ طُرُقُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الْجَبَلُ فَهُوَ مَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ، وَلَنْ تَنَالَهُ، وَأَمَّا الْعَمُودُ فَهُوَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ فَهِيَ عُرْوَةُ الْإِسْلَامِ، وَلَنْ تَزَالَ مُتَمَسِّكًا بِهَا حَتَّى تَمُوتَ»، كان من خير هذا الصحابي - رضي الله عنه - استقامته وتمسكه على الدين حتى يموت، لذلك كانت الاستقامة من أسباب السعادة في الدنيا والتى توصل إلى سعادة الآخرة.
امرأة من أهل الجنة
عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ «فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ. فَدَعَا لَهَا»، فنالت الجنة بصبرها وبإيجابيتها مع نفسها، فقدمت السعادة الخالدة على الراحة والصحة في الدنيا الفانية، فاستحقت أن تكون من نساء الجنة.
أبوهريرة وأمه
قال أَبُو هُرَيْرَة - رضي الله عنه -: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إلى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إلى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ، فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ» فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا جِئْتُ، فَصِرْتُ إلى الْبَابِ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ، فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتِ الْبَابَ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إلى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْشِرْ، قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ، وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إلى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم : «اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ - وَأُمَّهُ إلى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ». فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي، وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي» بقوة إيمانه وخدمته للسنة النبوية - رضي الله عنه - استحق القبول في الأرض ومحبة الخلق.
لاتوجد تعليقات