رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد بن حسن المعلم 23 أبريل، 2017 0 تعليق

الربانيون والتجديد الديني (2) الفرق بين التجديد والحداثة

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد فهذا بحث مختصر كتبته؛ لما وجدت الحاجة الماسة لتحقيق المراد بالتجديد في الإسلام؛ حيث كثر القول في ذلك، وأضيف إلى التجديد ما هو من قبيل الابتداع أو الانحراف الكبير عن الدين، وكذلك الحال بالنسبة للمجدد وصفاته وشروطه وهل هو واحد أم أكثر في كل قرن؟ ومعرفة الحق من بين الدعاوى الكثيرة بالتجديد للنفس أو للآخر، وما بين الفرق والمذاهب والجماعات، واليوم نكمل الحديث عن الفرق بين التجديد والحداثة.

(العلمانية)، (القومية)، (الحداثة)، (الشيوعية) (القوانين الوضعية)... أسماء ومذاهب عرفها وأسسها الكفار، ثم تأثر بها وتشربها فئام من بني جلدتنا فتبنوها بوصفها مشاريع لنهضة العالم الإسلامي، زعموا.

وههنا نذكر الفرق بين التجديد والحداثة؛ لأنه مما يلتبس على كثير من عامة المسلمين في أيامنا هذه، ولاسيما بعد ذيوع أمر أدعياء التجديد ورواد الحداثة الذين يعملون ليل نهار للتلبيس على المسلمين لجرهم إلى ضلالاتهم.‏

     الحداثة في حقيقتها هي عين العلمانية؛ حيث إنها دعوة لتبني موقف الغرب من الدين والتراث بحجة أن الغرب قد تقدم لأنه استبعد الدين من حياته.‏ وهكذا دعوا إلى العلمانية، بمعنى إبعاد الدين عن الدولة والنظام الذي يحكم المجتمع، مع عدم الاعتراف بشريعة الله وحكمه، وترك مسائل التشريع للعقل البشرى الذي يحكم فيها بما يريد وهذا هو المعنى الحقيقي للحداثة.‏

     يقول الأستاذ: سالم مبارك الفلق في ثنايا دفاعه عن اللغة العربية: والحداثة أمرها محدث وشر الأمور المحدثات، لم يفكروا في حداثة تحافظ على خصوصيتنا وهويتنا وشريعتنا، وتوقف نزيف الكلمة الطيبة التي نحروها على نصب الغموض والرمز وعبث القول، والحداثة العربية في جميع صورها إنما راجت لسببين هما:‏

‏1-جنوح الناس إلى الخروج عن المألوف، ولُهاثهم خلف (العصرنة)!!‏

‏2-الخلط بين الحداثة، وإن شئت فقل: بين الهدم والتجديد.اهـ

وصدق الأستاذ الفلق في وصفه الحداثة أنها لا تحافظ على خصوصية ولا هوية ولا شريعة؛ لأن أهلها يسيرون خلف الكفار العلمانيين، وأنى لهؤلاء معرفة الشريعة فضلا عن الحفاظ عليها.‏

     وإذا كانت هذه هي حقيقة الحداثة، فمن البعيد جدا مقارنتها بالتجديد الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن البعيد أيضا أن يحدث بينهما أي نوع من الخلط واللبس، لكنه مكر الحداثيين، مصحوب بغفلة المخدوعين بهم وسذاجتهم.‏ ووجه التلبيس بين التجديد والحداثة الذي يدخل منه الحداثيون، أنهما يدلان على معنى واحد في أكثر الاستخدامات اللغوية، وهذا وإن كان صحيحا إلا أن الاستخدام الشرعي لكلا الكلمتين جعل البون بينهما شاسعا كما لا يخفى على من له أدنى معرفة.‏ فالتجديد كما تقدم إحياء لما اندرس من معالم الشريعة.‏ والحداثة من الحَدَث وهو كما يقول ابن الأثير:‏ الأمرُ الحادِث المُنكَر الذي ليس بمُعْتاد ولا معروف في السُّنَّة.اهـ  وقال أيضا:  ومنه الحديث  "إيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمور"  جمع مُحْدَثة - بالفتح - وهي ما لم يكن معروفا في كتاب ولا سُنَّة ولا إجْماع.اهـ

وفي (تهذيب اللغة) للأزهري: (ومحدثات الأمور: ما ابتدعه أهل الأهواء من الأشياء التي كان السلف الصالح على غيرها وقال صلى الله عليه وسلم ‏: «كل محدثٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة». اهـ

الفروق بين التجديد والحداثة

‏1-‏التجديد إحياء وإعلاء للشريعة، والحداثة إقصاء وهدم لها.‏

‏2-‏التجديد يقوم به أهل العلم والفضل والديانة، والحداثة روادها من قد علم بعدهم عن الدين ومحاربته والاستهزاء به.‏

‏3-‏التجديد يبعث على الاعتماد على الله -عز وجل- والثقة بالنفس، والحداثة تقليد لمن لا يعلم عنه علم ولا دين بل وللكفار المحاربين.‏

‏4-‏التجديد بعث لصحيح الفقه في الدين ونصرة الإسلام وأهله، والحداثة بعث لآراء العلمانيين ممن ساروا على نهج أسلافهم من الكفار والمنافقين والجهلة.‏

‏5-‏التجديد فرحة وعز للمؤمنين وحسرات وذل لأعدائهم، والحداثة تمكين لأعداء الإسلام.‏

‏6-‏وبالجملة التجديد إسلام وتوحيد وطاعة، والحداثة كفر ونفاق تارة ومعصية وبدعة وجهل أخرى.‏

تجديد الخطاب الديني بين التجديد والحداثة

     تبين مما تقدم أن التجديد إحياء لما اندرس من معالم الشريعة.‏ والحداثة استحداث مالا يعرف في كتاب ولا سُنَّة ولا إجْماع مما يلهث به أهلها وراء الشرق والغرب من المناهج الفاسدة ضرورة.‏ وأما مصطلح (الخطاب الديني) فرغم أنه لم يكن معروفا عند السلف، إلا أنه لابد أن يوجه على الأقل توجيها لغويا يليق به، ولا يخرج به عن الإطار الشرعي.‏

     فنقول: الخطاب الديني هو ما يواجه به علماء أمة الإسلام عامة المسلمين وغيرهم من غير المسلمين، قلنا هذا لأن العلماء فقط هم من لهم حق الكلام وتوجيه البشرية وهدايتها لمنهج ربها تبارك وتعالى، وهم ورثة الأنبياء كما ثبت بذلك الحديث، ومقتضى وراثة النبوة وراثة التوجيه والهداية، وغيرهم ليست له هذه المزية، بل إن غير العلماء إذا تكلم ووجه الناس فقد أساء لنفسه بوضعها فوق ما حصلت من العلم المؤهل لنيل هذه المرتبة، ولعله بتماديه يندرج تحت (الرويبضة) الذي ورد في الحديث:‏ «سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة ؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة».‏ قال ابن الأثير في النهاية: ‏الرُّوَيبضة: تصغير الرَّابِضة وهو العاجز الذي رَبَضَ عن مَعَالي الأمُور وقعَد عن طَلَبها وزيادة التَّاء للمبالغَة.اهـ

     هكذا رغم عجزه وقعوده عن تعلم علوم الشريعة يتكلم في أمور العامة؛ فمثل هذا لا يحق له الكلام، وإذا أنيطت به هذه المهمة في الصحافة ونحوها كان من علامات الساعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم  لمن سأله عن الساعة: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».‏

     فإذا ثبت أن الخطاب حق للعلماء وحدهم، يثبت أيضا أن التجديد المطلوب للخطاب الديني هو إعادة العلماء لألفاظ النبوة شرحا وتقريرا وغرسا في قلوب البشرية، ولا مانع عندئذ من استخدام الوسائل التقريبية والتوضيحية التي لا تتنافى مع الأصول والأدلة الشرعية، وليس هذا من باب التجديد؛ بل هو من باب العمل بما هو مقرر شرعا، وقد يدخل استخدام هذه الوسائل في التجديد إذا أهمل العمل به في عصر من العصور أو من قبل فئة من الفئات.‏

مجالات التجديد

     قد يظن الظان أن التجديد ينحصر في أولي الأمر من الحكام القائمين بقهر أعداء الله، ونشر الإسلام والعدل في مشارق الأرض ومغاربها، أو في طائفة من العلماء الذين عم بهم النفع في فن من فنون العلم كالفقه والحديث ونحوهما، وهذا ظن لا تؤيده الأدلة، ولا يستسيغه المدقق المحقق، فإذا كان التجديد إحياء لما اندرس من معالم الشريعة، فكل من يحيى أي معلم من معالم الشريعة يصح أن يوصف بالتجديد، مهما كان مجال هذه المجدد.‏

     وممن بين عدم انحصاره في الحكام؛ ابن القيم رحمه الله تعالى؛ حيث‏ يقول: فالواجب على ولي الأمر فعل ما أمره الله به وما هو أصلح للمسلمين من إعزاز دين الله وقمع أعدائه وإتمام ما فعله الصحابة من إلزامهم بالشروط عليهم ومنعهم من الولايات في جميع أرض الإسلام، لا يلتفت في ذلك إلى مرجف أو مخذل، يقول: إن لنا عندهم مساجد وأسرى نخاف عليهم؛ فإن الله -تعالى- يقول: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}، وإذا كان نوروز في مملكة التتار قد هدم عامة الكنائس على رغم أنف أعداء الله، فحزب الله المنصور وجنده الموعود بالنصر إلى قيام الساعة أولى بذلك وأحق؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم  أخبر أنهم لا يزالون ظاهرين إلى يوم القيامة ونحن نرجو أن يحقق الله وعد رسوله؛ حيث قال: «يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها». ويكون من أجرى الله ذلك على يديه وأعان عليه من أهل القرآن والحديث داخلين في هذا الحديث النبوي، فإن الله بهم يقيم دينه كما قال: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز }.اهـ

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المقصود بالمجدد في حديث التجديد: الفقهاء خاصة، لعموم الانتفاع بهم، وقد أجابهم ابن الأثير -رحمه الله- كما سيأتي في المبحث الثالث من الفصل الثالث.‏

     وقد قرر الحافظ في الفتح‏ أن المجددين يكونون من بين شجاع وبصير بالحرب، وفقيه، ومحدث، ومفسر، وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزاهد، وعابد.‏ وهكذا في كل مناحي الحياة: كل من أعاد الناس للحق والشرع الحكيم فهو مجدد لمعالم هذا الدين.‏ وسيأتي في (المبحث الخامس) من (الفصل الثالث) مزيد بيان لمجالات التجديد العملي والعلمي.‏

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X