رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سليمان الصالح 24 نوفمبر، 2014 0 تعليق

الدكتور: سعد البريك: الفكر المنحرف جناية ووبال على الأمة

أصحاب الفكر المنحرف يضرون بالأمة ويعملون على إسقاط دور العلماء ومن ثم زعزعة الأمن الفكري

التكفيريون يهددون وحدة المجتمع واستقراره من خلال التحريض على العنف وأخذ المجتمع إما إلى التفريط أو الإفراط

التكفيريون جعلوا الأوطان دار حرب؛ فاستهدفوا رجال الأمن والمفاصل الاقتصادية والمواقع الاستراتيجية وعاثوا في الأرض الفساد

عندما يتحدث العالم عن الفكر المنحرف يحصر كثير من المتابعين والمحللين هذا الفكر في الفكر الإسلامي في حين يعد علماء المسلمين ودعاتهم والمنصفون من الباحثين غير المسلمين أن التطرف قد يصيب أي فكر وأي جماعة سواء كانت مسلمة أم غير مسلمة وهذا ما وضحه لنا قائد الأمة ورسولها صلى الله عليه وسلم عندما قال: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي» كما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم.

لكننا وبعيداً عن تطرف الآخرين يعنينا أن نصلح من حال أمتنا، ويهمنا أن ترجع إلى النهج الذي رسمه لنا القرآن الكريم والسنّة المطهرة دون إفراط ولا تفريط وبوسطية لا تطرف فيها ولا اعوجاج، وهذا ما يبيّنه لنا الداعية المعروف الدكتور سعد بن عبد الله البريك.

طرق الضلال عديدة

     يؤكد فضيلته في بداية محاضرته أن طرق الضلال متعددة، بينما طريق الحق واحد. وكما أن أمة الإسلام وسط بين الأمم، ودين الإسلام وسط بين الأديان لقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ } (البقرة: 143)، فإن أهل السنة والجماعة هم وسط بين الفرق الضالة والمناهج المبتدعة، وهم الفرقة الناجية، كما قال  صلى الله عليه وسلم : «عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار قيل يا رسول الله من هم قال الجماعة». رواه ابن ماجة (3992) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1083). فأهل السنة والجماعة وسط بين الفرق كلها، يتمسكون بروح الإسلام، ويتمثلون وسطية الشريعة دون إفراط أو تفريط، ودون غلو أو تساهل، يرشدون إلى الحق من تنكب الصراط، ويأخذون بيد من انحرف يميناً أو شمالاً على جادة الصواب.

     وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ثم قال: «هذا سبيل الله مستقيماً»، قال: ثم خط عن يمينه وشماله ثم قال: «هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه»، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ  وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ  ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ   } (الأنعام: 153). رواه النسائي (11174)، والإمام أحمد (4437) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (2938). ذكر تعالى الصراط مفرداً للدلالة على أن طريق الحق واحد لا يتعدد، وجمع السبل للتنبيه على أن طرق الضلال متشعبة وكثيرة. قال تعالى في سورة البقرة: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 257).

الانحراف عن جادة الصواب

     وسلط الدكتور البريك الضوء على نوعي الانحراف (الإفراط والتفريط)، (الغلو والتساهل)، وجناية المنحرفين على الأمة وإضرارهم البالغ بها. وأوضح فضيلته أنه على الرغم من أن كلا الفريقين يحمل مشروعاً يختلف عن الآخر في الظاهر، إلا أن المتتبع بدقة يلحظ أن تشابهاً كبيراً بينهما في الأهداف والمآلات والنتائج التي أضرت بالأمة ولم تنفعها. فمن ذلك:ــ أن كلا الفريقين يعمل على زعزعة الأمن الفكري، وذلك بمحاولة إسقاط العلماء وتهميشهم، لإدراكهم أن العلماء هم صمام الأمان الذي يحبط ويفشل ما يخططون له من إفساد وتغريب وقتل وتخريب.وإذا أسقط العلماء خلت الساحة أمامهم لبث أفكارهم وسمومهم، وإذا كان التطاول على العلماء والانتقاص منهم يحدث على يد بعض المفرطين المتساهلين بأحكام الدين، فإن العلماء يجدون من أصحاب فكر التكفير كل الأذى والصد والانتقاص.

طرفا الانحراف كلاهما خطر

     ويشدد البريك على أن جناية طرفي الانحراف (المتساهلين والتكفيريين) أن كليهما يضر بالمجتمع؛ من حيث ادعى الحرص على مصلحته وإصلاحه، فالطرح الإفسادي بالدعوة إلى تنحية الشريعة وتحجيم الدعوة والدعاة والترويج لسفور المرأة وما صاحب ذلك من تحول سلبي في بعض وسائل الإعلام كلها أمور تهدد استقرار المجتمع، فانتشار المعاصي والمنكرات من أكبر عوامل زعزعة الاستقرار، وتفسد على الناس دينهم ودنياهم وتعطل مصالحهم. أما التكفيريون، فإنهم يكفِّرون المجتمع، دون النظر إلى شروط التكفير وموانعه. وجعلوا الوطن دار حرب فاستهدفوا رجال الأمن والمفاصل الاقتصادية والمواقع الاستراتيجية، لشبه وحجج قامت في عقولهم جعلتهم يسترخصون الأرواح ويستبيحون الأموال، دون أن يلتفتوا لتحذير أهل العلم والفقه من ذلك. والعجيب أن أحدهم لو سُئل عن حكم شرعي جزئي لنصح السائل بسؤال أهل العلم الموثوقين في دينهم المعروفين بعلمهم وأمانتهم!! تساهل في الدماء والأرواح، مقابل تحرٍ ودقة زائدة في المسائل الفرعية الجزئية!! قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم وفي أمثالهم: «سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة».

الفريقان لا ولاء حقيقياً عندهم

ويبيّن الدكتور البريك أن كلا الفريقين التكفيريين والمتساهلين لا ولاء حقيقي له. فلا ولاء لولاة الأمر ولا ولاء للوطن، بل الولاء في بعض الحالات قد يكون لجهات خارجية تستخدمهم – من حيث شعروا أم لم يشعروا – أدوات لهدم الدار فوق رؤوسهم ورؤوس إخوانهم من المسلمين.

الجهل يحرك الجميع

     إن بعض إخواننا المتساهلين في تطبيق أحكام دينهم لا ولاء لهم تجاه الوطن، لأنهم بمهاجمتهم خصوصية المملكة يصادمون الأسس التي قامت عليها الدولة، وهي نشر التوحيد وتحكيم الشريعة وخدمة الحرمين الشريفين، فهؤلاء لا تروق لهم هذه الخصوصية، فهاجموها وانتقدوها إفساحاً للمجال أمام رياح التغريب لتهب قوية على المملكة بإضعاف الدعوة، وتهميش العلماء ونشر الفساد بأنواعه والدفع باتجاه تخلي المملكة عن دورها الريادي الدعوي.

     أما التكفيريون فقد جعلوا طاعتهم وولاءهم لأشخاص يحركونهم بالخطابات الحماسية والرسائل الإنترنتية والعبارات المشفَّرة، عبر قنوات عميلة ومواقع مشبوهة، ولا يُعرف هؤلاء بعلم ولا فقه ولا حرص على مصالح الأمة وقضاياها. وهؤلاء لا يرون في أعناقهم بيعة لولاة الأمر، ولا يعتقدون بوجوب طاعتهم في غير معصية الله، ولا يتبعون منهج النصح والدعاء لهم، بل إن الواحد منهم يرفض أن ينسب نفسه إلى بلاده، فإذا سُئل عن ذلك قال: أنا من جزيرة العرب، ويرفض أن ينسب نفسه إلى المملكة، وكأن المملكة هي الفاتيكان أو تل أبيب أو هوليوود وكر الإفساد اليهودي العالمي، إن كلا الفريقين خلع اليد من الطاعة: الأول خلعها بطريقة معنوية – إن صح التعبير – وبطريقة خفية مبهمة لا يكاد يلحظها أحد في ظل دندنتهم الدائمة في مقالاتهم حول الولاء والطاعة،لكن الأفعال على الأرض تناقضها. أما الفريق التكفيري فكان أقل مكراً ودهاء من الفريق الأول،؛ إذ أعلن صراحة أنه يخلع يد الطاعة. وفي كلا الفريقين يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه». رواه مسلم. وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومه لائم». رواه البخاري.

تضييع طاقات الأمة

     ومن جناية قطبي الانحراف الفكري: تضييع الطاقات الشابة وتبديدها. فروح دعوى التساهل والتفريط هي الإفساد وزج الشباب في أتون الرذيلة، وصرفهم عن معالي الأمور إلى سفاسفها، وتهميش اهتماماتهم بدلاً من الجدية والعمل بما ينفع دينهم ووطنهم ومجتمعهم، إلى الاهتمام بقصات الشعر وصيحات الأزياء وموضات السيارات والجوالات، ومعاكسة الفتيات وإشباع الشهوات وطلب اللذات. كل ذلك بذريعة التحذير من التطرف الديني والغلو وإخراج الشباب من رقة الانغلاق والتشدد. ويأتي الفكر التكفيري ليوقع من بعض من سلموا من المكر التغريبي في فخ التكفير؛ حيث استقطب هذا الفكر شريحة من الشباب مستغلاً التجاوزات التي يقوم بها التغريبيون، فاندفعت إليه هذه الفئة بإخلاصها وحبها لدينها ظناً منها أن اعتناق هذا الفكر نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فجعلها طاقات هدم وتخريب في الأمة بدلاً من أن تكون طاقات بناء.

ويأتي التكفيريون بأفعالهم الدموية لينفروا الناس أيضاً بالإيحاء بأن الدين لا يعرف لغة سوى القتل والتفجير.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك